بتاريخ: 16 من جمادى الأولى 1439 هـ - 2 من شباط 2018 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ * وَإِن يُريدوا أَن يَخدَعوكَ فَإِنَّ حَسبَكَ اللَّـهُ هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنينَ * وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلـكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ( [الأنفال: 61-63].
معاشر السادة: جاءت آيات القرآن تصف للناس ما يَشفي سقامهم ويمسح آلامهم، ويُقر علاقتهم بالله جل شأنه على دعائم من الحق، ويُقر علاقة بعضهم بالبعض الآخر على أسس من اليقين والأخوة والتواصي بالمرحمة والتعاون على البر والتقوى.
إنَّ الإسلام يُكلف المسلم أن يكون مَصدر سلام حيث حَلَّ، وأن لا يكون مثار شَرٍّ ولا مبعث أذى لأحد أبداً، وانظر ما رُوي عن الأسود بن أصرم قلت: يا رسول الله أوصني، قال: ((تملك يدك))، قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: ((تملك لسانك))، قلت: فما أملك إذا لم أملك لساني؟ قال: ((لا تبسط يدك إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً)).
وتعاليم الأنبياء جميعاً لا يُمكن أن تتضمن إلا النَّفع المحض للناس، وقيادتهم برفق إلى الصراط المستقيم، وتضمن حياتهم مِن أن يشرد بهم زيغ أو تهويهم فتنة، وفي الإسلام كما في غيره مِن الأديان السابقة غيرة على الحق، وحرص على إبقائه مُتَّقِدَ الشُّعاع لِيهدي الحيارى، وحرص على إبقاء القافلة المؤمنة به متماسكة متضامنة، لا يقع عليها حيف ولا يتعرض أحد منها لظلم، وأن لا يكون الإيمان الذي تستمسك به سبباً في إهدار كرامتها.
نعم، إنَّ الدِّين يَستحيل أن يَجيء به ما يعتبر تحرشاً بالنَّاس أو تحدياً لمشاعرهم النَّقية، ولكن السُّؤال الذي يجب أن نُجيب عنه في صراحةٍ وحسم هو: مَاذا يكون الأمر إذا تعرض الإنسان فجأة -وهو خالي الذهن سليم القلب- لنزوة باغية أو ضربة قاسية، أيترك نفسه فريسة سهلة لهذا الهجوم الخسيس، أم يضطر مهما كان رقيق الطبع أن يُقاوم ويرد بغضب ما وُجِّه إليه باستخفاف واستهانة؟.
أو بتعبير آخر: هل السلام ترك الإجرام مِن غير نَكد وترك المعتدين مِن غير عُقوبة وترك المظلومين دون نصير يَدعم جانبهم ويَصون دماءهم وأموالهم وأعراضهم؟ إذا كان ذلك معنى السلام فليس الإسلام دين سلام، بل هو دين خصام وقصاص، غير أنَّ العقلاء والمنصفين لم يُشوهوا حقيقة السلام فيجعلوها ترادف الرضا بالهوان وقبول الدنية، وإنما فهموا السَّلام على أنَّه نَبذ القتال في كل مجال يُعتبر القتال فيه هضماً للحقوق المقررة أو إساءة للحقيقة ولو في أسلوب الدِّفاع عنها، فإنَّ الدِّفاع عن الحقيقة له أساليب تُناسبها سناءً وشرفاً، ومع أن الإسلام خيرٌ مَحضٌ وأمانٌ مُطلق فإن مَوقف أعدائه مِنه جَرَّهُ جَرَّاً لأن يَخوض معارك ما كان يُريدها، وماذا عسى كان المسلمون يَفعلون وهم يَرون الوثنيين مِن عرب الجزيرة يُنكرون عليهم حَقَّ الحياة، ويثبون على الجماعة المؤمنة بربها، فإذا هي بين شَرِيدٍ فَارٍّ بِدينه بعد أن صودرت أملاكه وأمواله، أو سجين في عُقرِ مَكة يَذوق الهوان ويَحمل الضَّيم.
إنَّ القرآن الكريم وهو يُحذر مِن سفك الدَّم يُعطي المظلومين والمعتدى عليهم إِذناً بالدِّفاع عن أنفسهم فيقول: )أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ...( [الحج: 39-40]، وليس بمستغرب أن يَحض الإسلام على القتال لِفَكِّ الحصار المبروم على الأسر المؤمنة بمكة، ولا يُعقل أن يَكون تحريضه على استنقاذ هذه الأُسر المعذبة مَظنة رغبة طَبيعية في إراقة الدِّماء، ومَن ذا الذي يَستسيغ هذا الاتهام وهو يَسمع الآية الكريمة: )وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا( [النساء: 75]، فالوثنيون لم يُعلن الإسلام عليهم حرباً لأنهم كفار يَجب أن يهتدوا إلى الحق بالقوة وأن يدخلوا في الدين بالإكراه، لا، إنما حاربهم وشَنَّ الهجوم عليهم لأنهم ظلمة مُعتدون.
إنَّ الإسلام لا يَشتهي سَفكَ الدِّماء، ولا يندفع إلى امتشاق الحسام إلا مُكرهاً، وأمل الإسلام الكبير ورغبته العميقة أن تتحول فِجاج الأرض إلى آفاق سماوية تموج بأناس يشكرون الله ويذكرون نعمه، دون أن تشغلهم حُروب أو تستشري بينهم عداوات.
وانظر إلى ما رواه الترمذي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم مِن إنفاق الذهب والورق، وخير لكم مِن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضرب أعناقكم))؟! قالوا: بلى، قال: ((ذِكر الله))، ثم قال مُعاذ بن جبل رضي الله عنه: ما مِن شيء أنجى مِن عذاب الله مِن ذكر الله.
لكن كيف الطَّريق إلى هذا الأمل الوادع وإلى هذا السلام الشامل، أيمكن الوصول إليه مع بقاء الصهيونية العالمية وأذنابها يَملآن الأرض فساداً وظلاماً؟.
إنَّ نَبي الإسلام يُبين مرة أخرى عن طبيعة السلام في دينه، وعن طبيعة الرحمة في رسالته، مع امتلاء الحياة بالأوغاد والظلمة، فيقول: ((لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتم فاثبتوا))، فَدُعاة السَّلام والإصلاح لا يتمنون قتالاً لأنهم دعاة سلام، ولكن إذا فُرض عليهم القتال لم يجبنوا أمام الزَّحف النَّجس، وسيثبتون حتى يفتح الله بينهم وبين المعتدين.
ولما كان للسَّلام دور كبير في صِيانة الأفراد والمجتمعات والدول مِن الحروب وآفاتها؛ وقف العقلاء والمخلصون على مِنصة الحق والعدالة يُناشدون الأمم بإقامة سلام عادل شامل، يَعُمُّ القارات الخمس، ويُنصف المظلومين والمقهورين والمشردين.
قال الأديب والفيلسوف الأمريكي "رالف والدو إميرسون": ]الانتصارات الحقيقية والدَّائمة هي انتصارات السَّلام، وليست انتصارات الحروب[.
وقالت المربية الإيطالية "ماريا مونتي سوي": ]إقامة السَّلام الدَّائم هو عمل تربوي، كُلُّمَا يُمكن للسياسة أن تفعله هو أن تبعدنا عن الحرب[.
وقال الشاعر "ميخائيل نعيمة": ]السَّلام لا يُولد في المؤتمرات الدولية، بل في قلوب الناس وأفكارهم[.
تأمل بهذه الكلمة العميقة والدقيقة والخطيرة في معانيها، أيها السوري، أيها المسلم، أيها العربي: ]السلام لا يُولد في المؤتمرات الدولية، بل في قلوب الناس وأفكارهم[، أي عِندما تتطهر قُلوب النَّاس مِن الأحقاد، وعِندما تعرف الشُّعوب والأمم الحق مِن الباطل، وتُميز بين العدو والصَّديق، ويترسخ هذا المعنى وتلك المعاني السَّامية في قلبها وفكرها ولُبِّها، عِندها تُصبح مُهيأة لإقامة السَّلام، وبها يُقام السلام، فالحقد لا يُوصل إلى سلام، الضَّغينة لا تُوصل إلى سلام، العداوة والتَّفرق والتَّمزق والتَّشتت لا يُوصل إلى سلام، مهما حدث مِن مؤتمرات ومهما حدث من خطابات، لكن الشعوب عندما تعرف معاني السلام من خلال معاني القرآن الكريم وتوجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتنظر بعدها في تاريخها الطويل في المعارك القديمة والحديثة، عندها تجد هذه الأمم وهذه الشعوب أنَّ السلام حقيقة هو في القلوب وليس في السطور على صفحات الورق أبداً، [السَّلام لا يُولد في المؤتمرات الدولية، بل في قلوب الناس وأفكارهم[.
قيل لعنترة: صِف لنا الحرب، قال: ]أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى[.
وقال الحكماء -اسمع أيها المسلم، أيها العربي، اسمع بقلبك لا بأذنك، قال الحكماء: ]نَتيجة كل حرب: جيش مِن المعاقين، وجيش مِن الأرامل، وجيش مِن اليتامى والمشردين، وجيش مِن اللُّصوص[.
وقال رئيس الجمهورية الفرنسي "شارل ديغول": ]مَن لا يَستطيع أن يَكسب الحرب لا يستطيع أن يَكسب السلام[، كلمة عظيمة كلمة قِيلت مِن خلال تجارب حُروب هائلة طالت سنين طويلة، هؤلاء القادة هؤلاء الحكام الذين خَاضوا الحروب قالوها مِن خِلال تجربة وخِبرة لا مِن باب النظريات أو التَّنظير على الإطلاق، ]مَن لا يَستطيع أن يَكسب الحرب لا يَستطيع أن يَكسب السَّلام[.
وإننا في الجمهورية العربية السورية بِفضل الله جَلِّ جَلاله نقف رافعو الرُّؤوس جميعاً ونمشي ونحن نتباهى ونفتخر بجيشنا المعطاء، بقائدنا بشار الأسد الصامد والمقاوم، ونفتخر بعلم الجمهورية العربية السورية، الذي يَضم تحت رايته الطاهرة والمباركة جميع أطياف هذا الوطن الحبيب، نحن في هذا الوطن ذَهبنا إلى مدينة "سوتشي" مَدينة السِّلم والسَّلام، وأجرينا حواراً طويلاً مع المعارضة، وكان بعد أخذٍ وَرَدٍّ وَصَدٍّ أن اتفق السُّوريون بفضل الله جل جلاله، أن اتفق السوريون جميعاً على الرَّغم مِن تلك المحاولات التي كانت تبث وتنفخ في سُمومها بين صفوفنا لكنها باءت بالفشل، اتفق السوريون جميعاً على أنَّ صِيانة الجيش هو في الدرجة الأولى، وصيانة وحفظ مكانة هذا الوطن في الدرجة الأولى، وأن الحفاظ على السِّيادة الوطنية خط أحمر.
وفي نهاية المؤتمر تَعانق السوريون مع بعضهم البعض، وجَلسوا تحت راية هذا العلم، ألم نَقُل لكم أيها الإخوة هذه الراية هي التي تجمعنا؟! ألم نَقُل لكم هذه الراية هي التي تجمعنا؟! هذه الراية هي التي تحببنا ببعضنا البعض، هذه الراية هي التي تُشعرنا بكرامتنا وعزتنا وقوتنا ووحدة صفنا، وقف السوريون جميعاً وهتفوا، هتفوا لرجال الله رجال الجيش العربي السوري النشيد الوطني، (حُماة الدِّيار عليكم سلام)، مِن مَدينة "سوتشي" صَدَحَت الحناجر المؤمنة بالله جل جلاله والمؤمنة بوطنها الحبيب، تُحيي رجال الله رجال الجيش العربي السوري، قائلة: (حماة الديار عليكم سلام)، وإنَّ الذي ربما تَستغرب منه أنَّك تجد هذه الراية في مدينة "سوتشي" موضوعة أو مرفوعة في كل مكان على مَداخل المدينة وهنا وهناك، ومكتوب على هذه الراية السَّلام للشعب السوري، هذه الراية رُفعت في "سوتشي" بدمائكم يا رجال الله يا رجال الجيش العربي السوري، هذه الراية رُفعت مِن دمشق، وامتدت إلى العراق الحبيب، ثم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقاومة، حتى وصلت إلى "سوتشي"، لِتقول للعالم أجمع: انظروا إلي، أرادوا أن يَحرقوني فارتفعت، أرادوا أن يُذلوني فارتفعت، ليس فقط في سوريا، إِنَّما في دول أوربا، هذه هي الحقيقة أيها السوريون، ونحن اليوم بفضل الله جل جلاله نَعيش فرحة انتصار الحوار، نعيش فرحة الحُبِّ والتَّسامح فيما بيننا.
يا سوريون: والله لا يُزيح عنَّا الهم والغم إلا الله جل جلاله، بعد أن نُحقق الشروط التي يَجب أن نحققها، وهي أن نُزيل مِن قلوبنا جميعاً الحقد والغل، وأن نُدرك تماماً أنَّ السوري أخ للسوري، دعونا مِن المظاهر، دعونا من المناصب، قال لي أحد الناس حتى أُرسلها شخصية كريمة فاضلة أرسلها لي مَرة في رسالة عن مُطرب تونسي: )خُذوا المناصب والمكاسب ولكن اتركوا لي الوطن)، (خُذوا المناصب والمكاسب ولكن اتركوا لي الوطن)، إذا ضاع الوطن -يا سادة- أين نذهب؟ أين نعيش؟ أترضون أن تعيش نساؤكم في مخيم الزعتري في الأردن؟ لكي يشحد عليكم النظام الأردني، ويتسول على أعراضكم وكرامتكم؟ أترضون يا سوريون أن تَعيشوا في مخيمات تركيا تحت سلطة النظام الغادر والغاشم والقاتل والمجرم والسفاح أردوغان؟ ويُعربد ويفعل ما يفعل وهو يبكي علينا بدموع التماسيح؟ لا أبداً، كرامتنا ليست هناك، كرامتنا هنا تحت راية هذا العلم، كرامتنا هنا في دمشق في الجمهورية العربية السورية، لا نريد أبداً على الإطلاق مصالح، لا نُريد غايات، نريد الوطن، خذوا ما تريدون وأعطونا الوطن، نريد الأمان، نريد السعادة، نريد الحياة، نريد الاستقرار، نريد الكرامة، نريد العزة، تعالوا إلى الوطن، لا كرامة إلا في الوطن، لا عِزَّة إلا في الوطن، لا سَتر للأعراض والفضائل إلا في هذا الوطن.
تعالوا، ها هو الحوار مفتوحة أبوابه منذ بداية الحرب، منذ بداية الحرب قال لنا القائد الصابر المؤمن بشار حافظ الأسد حفظه الله تعالى ورعاه: [تعالوا إلى الحوار، أنتم أهلنا، أنتم إخوتنا، تعالوا لنتصالح، تعالوا لنتسامح، إياكم أن تعبث بكم أصابع الصهيونية العالمية، إياكم أن تغتروا ببريق الدولار، كرامتكم أعظم من الدولار، عِرضكم أغلى من الدولار، وطنكم أغلى شيء في هذا الكون، تعالوا]! لكن البعض كانت قلوبهم تميل إلى بريق الدرهم والدينار والريال والدولار، فانجرف، ومع انجرافه تقول له الحكومة: امدد يدك لكي لا تغرق نحن إخوتك، أعطنا يدك نحن ننقذك، ها هي القيادة، ها هي الحكومة، ها هو الشعب، يقول لك سوري ما زال مُتمسكاً بموقفه الذي لا يُرضي الله جل جلاله ولا يرضي أحداً من خلقه، تقول له: تعال اترك البندقية، تعال لنتصالح، تعال لنتسامح.
طوبى لمدينة "سوتشي" التي رَفعت هذه الراية فوق سمائها، وهنيئاً لها وشكراً لها، وسيمتد الحوار إن شاء الله إلى دمشق، الحوار القادم هنا في دمشق، ولا نُريد حوار واحد واثنين وثلاثة وأربعة أبداً، ولا نُريد جنيف واحد واثنين وثلاثة وعشرة أبداً، ولا نريد أستانا واحد واثنين وثلاثة أبداً، سَئِمنا تَعِبنا، أطفال قُتلت، أناس ماتوا من الجوع، إلى متى يا سادة، أناس يموتون من الجوع، أناس محاصرون في كل مكان، إلى متى؟ لا نريد واحد ولا اثنين ولا ثلاثة، نُريد الوطن، نريد أن ننتفض في وجه الإرهابيين، نُريد أن نقاتل كل سعودي جاء إلى أرضنا لكي يغتصب أرضنا ويغتصب وينتهك عرضنا، ولكل ليبي ولكل مرتزق ولكل شيشاني، تعالوا يا سادة يا سوريون، تعالوا لننتفض في وجه هؤلاء الصهاينة، في وجه هؤلاء المرتزقة الخائنين الماكرين، مَن هذا الشيشاني الذي طردك مِن بيتك وجلس مكانك؟ مَن هو؟ لماذا نَسكت عنه، أنا أُناشد الذين يَسكنون في المناطق السَّاخنة كما يُقال: لِمَ لا تنتفضون في وجه هؤلاء الصهاينة الذين انتهكوا عرضكم وأجاعوكم وأذلوكم؟ لم لا تنتفضوا في وجههم؟ لم لا تنتفضوا أنتم؟ تجعلون نفوسكم أُسوداً على الدولة فقط! أما عِندهم أذناب، عندهم أذناب مع الأسف، ألا تَنتفضون في وجههم الطفلة الفلسطينية في فلسطين الحبيبة قاومت الترسانة الصهيونية بِصَفعة على وجه اليهود الصهاينة، والطفل الفلسطيني قاوم دبابة مركافة التي تفتخر بها إسرائيل وتتباهى بحجر صغير، أما أنتم لماذا تركعون لهم؟ لماذا تسكتون عنهم؟ تنتظرون الجيش؟ أعان الله الجيش، تنتظرون الجيش أن يُحرر منطقتكم؟ أعان الله الجيش، رحم الله الشهداء، أنتم انتفضوا، بدل أن تموتوا مِن الجوع موتوا بكرامتكم وموتوا بعزتكم، أَرُوا أولئك أروهم لأولئك الصهاينة والمرتزقة والمأجورين مِن الشيشانيين والسعوديين والتونسيين والليبيين لكل مرتزق مِن هؤلاء، أروهم أنكم أنتم أصحاب الأرض، أنكم أنتم الرجال، أنتم الأسود، وهذه هي رايتكم.
مَن هؤلاء الصعاليك الذين جاؤوا مِن هنا وهناك حتى شردونا مِن بيوتنا؟ سبع سنوات ونحن نُعاني مِن الآجار، ونعاني من الغلاء، ونعاني من قذائف الحقد التي تتساقط على مدينة دمشق هنا وهناك، إلى متى يا سوريون، إلى متى يا سوريون، إلى متى يا مسلمون، أين النخوة، أين الغيرة، أين الغضب، انتفضوا وثوروا كالبراكين، انتفضوا وثوروا كالبراكين، فأنتم مَن يصنع السلام، وأنتم مَن يُطهر الأرض مِن هؤلاء الأنجاس الأوغاد.
نحن هنا في دمشق نقولها للعالم أجمع: نفتخر ونتمسك ونتباهى بهذه الراية، ونفتخر بالقائد المقاوم حاقن الدم القائد بشار الأسد، ونفتخر بدولة روسيا الاتحادية التي وقفت بحق إلى جانبنا، ونفتخر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونفتخر بجمهورية الصين الشعبية، وبكل دولة صديقة وشقيقة وقفت إلى جانبنا، لكن هذا لا يغني عن أن نسكت عن ظلم الذين يجحفون في حقنا ليلاً ونهاراً، تعالوا أيها السوريون لننضم جميعاً إلى قافلة المقاومة، لنكون مقاومين، لكي ندحر أولئك المرتزقة الخائنين.
كم هناك -يأتيني كثير مع الأسف أقولها بصراحة- يأتيني كثير من الإخوة من النساء والرجال إلى هذا المسجد، يقولون لي: نريد أن نُخرج أمي من الغوطة، إنها تصيح من البكاء، إنها تئن من الجوع، الجوع يأكلها، يأتي الآخر يقول: أريد أن أرى ولدي، أنا مريض وربما أموت لا أراه، كأننا في قارة أخرى، كيلو متر، اثنين كيلو متر، تصل إليه، كأنك في قارة أخرى، نُريد أن ننتهي من هذه الآلام.
يا سوريون: لا نريد أن نسمع أن فلاناً أو فلانة ماتوا من الجوع، لا نريد أن نرى طفلاً يبكي ويئن يقول: أين أبي؟ لا نريد أن نرى رجلاً مشرداً يبحث عن غرفة ليقول: أريد أن آوي زوجتي وأولادي، لا نريد ذلك، سئمنا والله وتعبنا، لكننا لن نتراجع، لكننا لن نتراجع حتى نُطهر أرض هذا الوطن جميعاً بإذن الله جل جلاله مِن غدرهم ومكرهم، ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
واعلموا أيها السوريون أن هذه الراية هي التي ستجمعكم دائماً، على حب الله، وحب أنبيائه، وعلى حب هذا الوطن، وحب القائد المؤمن الذي حُبُّه فرض علينا، القائد بشار حافظ الأسد.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.