بتاريخ: 18 من ربيع الآخر 1438 هـ - 5 من كانون الثاني 2018 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ([الروم: 52-53].
معاشر السادة: واضح أن الإنسان إذا عرض عليه اعتناق منهج ما فإنَّ أول ما يَفعله أو ما يجب أن يفعله هو أن يستقبل هذا العرض بعقله ويجيل فيه فكره، فإما قبله وإما رفضه، وهذا ما طلبه القرآن الكريم مِن المشركين حيث قال سبحانه: )قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ([سبأ: 46]، والتفكير المطلوب هو تفكير الدَّارس الممحص الذي يُقلب ما أمامه على وجوهه الممكنة ليكتشف الحق مِن الباطل وليميز الخبيث من الطيب، ومِن ثم استنكر القرآن على جمهور المشركين أن يَجنحوا إلى الخرافات في تدينهم وأن يبتعدوا عن مَناهج المعرفة الصحيحة، حيث قال سبحانه: )قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( [الأحقاف: 4]، ومرحلة التفكير هذه تعتمد على التَّأمل طال أو قصر، وعلى افتراض الصدق والكذب، ولما كانت النَّفس خالية قبلاً مِن الحكم على ما ترى فإن تشككها فيه حتى تَستبينه أمر طبيعي، والأصول التي قامت عليها الدِّعاية للإسلام لم تتجاهل هذا الواقع بل توقعته، ولذلك قامت على هذه الآية المحكمة: )ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالـمُهتَدينَ( [النحل: 125]، وختام هذه الآية يُشير إلى أن الله وحده هو العليم بأهل الهدى وأهل الضلال، كما أن الآية بَيَّنت لنا أن تَحويل الناس عما وَرِثوا وألفوا يحتاج إلى قدر كبير مِن الحكمة والخبرة بطبائع النُّفوس، وليس معنى خطأ الإنسان في رأي أو اختلاط الأمور عليه أنَّه شخص فاسد يستحق المطاردة والتَّحامل والعنف أول ما يستحق، وقد قرر الإسلام مبدأ الحرية العقلية لتكون لكل امرئ الخيرة فيما يأخذ ويدع، فالإيمان الذي يُولد في هذا الجو يُولد سليماً كريماً لا غبار عليه ولا حرج فيه.
إنَّ الأخذ والرَّد والبحث والنَّقض مِن سمات الحرية العقلية، فَمِن الحمق أن نضع الحقائق جميعاً موضع شك وبحث إلى آخر الدهر، خُذ مثلاً مبدأي الحق والباطل، إنَّ الرجل الخالي الذِّهن قد يُفكر فيهما حِيناً، وقد يُفاضِل بينهما في نفسه، ومَهما طَالت أو قَصُرَت المدة التي يَستغرقها هذا التَّدبر فهو لا محالة مُنتَهٍ إلى أحد الأمرين، إما الحق وإما الباطل، أي أنَّ التَّفكير العائم سيرسو في القلب عقيدة راسخة حقاً كانت أم باطلاً، وعندما تتحول الفكرة إلى عقيدة لا يَكون عند صَاحبها مجال للشك فيها أو لإعادة النظر في بحثها، وهذا لا يعني استغلاق الفكر دون أي جديد وانتهاء الحرية العقلية وانسداد باب النقاش، أبداً لا، غاية ما هُنالك أنَّ المرء عندما تَشرب رُوحه عقيدة ما تصطبغ نفسه بلونها وتمتزج مشاعره بمعناها، ويقيس صَلاته بالأشخاص والأشياء على ضَوئها، ويمتد به العمر فيكبر وتَكبر عقيدته معه، ثم تَدعمها التَّجارب وتسقلها السِّنون، فإذا تَكلم عنها فَليس كلام المحايد عن أمر لا يأبه له، بل كَلام المعنى بما يشغله، وهو قد يناقش غيره فيشرح بوضوح ما عنده ويبسط الدلائل التي عمرت باليقين قلبه، ويفند الشبه التي قد توجه إليه ويستمع إلى الاعتراضات والافتراضات ليدحض، ويَشرح كالمعلم الذي يُفهم تلامذته حقيقة علمية مُشرقة في رأسه، فهو يَتلقى أسئلتهم وحدسهم بثقة العالم ليكشف العماء ويُزيل الخفاء، بيد أنه لا ينسى وهو يُحاور أنَّه يَحمل حقيقة راسخة لا يأتيها الباطل مِن بين يديها ولا من خلفها، ولهذا المعنى ظَواهر يجب إثباتها، ونَسوق هُنا مَثلاً لها، فالقرآن الكريم يُوجب وقد تحولت الفكرة إلى عقيدة أن يَعتز بها صاحبها وأن يتعصب لها، وأن يَرفض النيل منها والزِّراية عليها مِن السَّاخرين والمتهكمين، حيث قال سبحانه: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء: 140]، ولئن كانت هذه الظَّواهر حقوق العقيدة المرتبطة بأعلى المبادئ، إنك لتجد المسوغ لهذا المسلك مِن طبيعة الاعتقاد الخاطئ في الجانب الآخر، ذلك أن الفِكر الذي بدأ رأياً عارضاً ثم تَحول إلى عقيدة جازمة قد حلا في عيون أصحابه، وقامت عليه حياتهم وتوثقت به صلاتهم، حتى أصبح في عُيونهم كل شيء، وانظر إلى تصوير القرآن لحياة أولئك المبطلين وآمالهم، حيث قال سبحانه: )قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا * الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا * أُولـئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رَبِّهِم وَلِقائِهِ فَحَبِطَت أَعمالُهُم فَلا نُقيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزنًا( [الكهف: 103-105]، وقال سبحانه: )أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( [فاطر: 8]، والواقع أن الرأي الذي تحسبه خَطاً وتأبى القول به قد يَجعله غيرك دعامة تفكيره ومحور أعماله، ثم لا يَعتنقه فحسب بل يدعو إليه في حرارة ويستميت في الدفاع عنه، ويرى أنه هو وحده الحق المبين وأن ما عداه هو الضلال الشنيع، وعندما يتحول الخطأ إلى عقيدة ضاربة الجذور في أعماق النفس، وعندما تحاول هذه العقيدة الفاسدة أن تَفرض نفسها على المجتمع، عندئذ يتوسل الحق إلى بلوغ أغراضه بطرق أخرى إلى جانب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذه الطُّرق ليست عدواناً بل حداً لعدوان وكسراً لطغيان، فالرجل الذي طعن في السِّن وهو يَدرس الخطأ ويَدعو إليه ويُريد أن يَستمد مِن شَيخوخته وقاراً يَدعم به الباطل، ويُريد أن يستمد مِن غُروره وكبره وعناده هالة تُحيط بها الأكاذيب، هذا الرجل لا يَرى الإسلام حَرجاً مِن تجريح مكانته وخدش منزلته، لا إهانة لشخصه أبداً، لا إهانة لشخصه بل إهانة للضلال الذي يمثله ويجتهد في الإبقاء عليه، وهذا هو سِرُّ تَعنيف القرآن الكريم لبعض الأقوام والأشخاص وحملته القاسية عليهم، حيث قال سبحانه: )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ( [المسد: 1-2]، وقال سبحانه: )كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ( [العلق: 15-16]، وقال سبحانه: )وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ * وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلـكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ( [الأعراف: 175-176]، وهذه الآيات كما أنَّها قَمع للباطل في أشخاص الكِبار مِن ممثليه، هي كذلك تشجيع للناشئة من المؤمنين، حتى يشبوا وليس في نفوسهم إلا إجلال الحق مهما هانت مَنزلة أصحابه وازدراء الضلال مهما عَلَت مكانة ذويه، وهذا أسلوب مِن التربية والتَّوجيه تنهجه الدَّعوات في كل زمان ومكان، فلا غَرو إذا اتبعته رسالة القرآن، والله عز وجل أعلم بعباده وما يُخاطبون به، فهو القائل جل جلاله: )وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ - وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ - مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [البقرة: 220].
معاشر السادة: في نهاية هذا الشَّهر سيتوجه جَمٌّ غَفير مِن أبناء هذا الوطن إلى دولة روسيا الاتحادية صانعة السِّلم والسَّلام، ليقيموا في "سوتشي" حِواراً سُورياً سُورياً، يحملون في جُعبتهم رفضهم لسياسة تكسير المصابيح، ويحملون في جعبتهم أيضاً أن السُّوريين دمهم واحد حرام أن يُهدر بيد سورية، وأن أرضهم واحدة حرام أن تُقسم بيد سورية، وأن السِّيادة الوطنية هي التي تَحفظ للجميع كَرامتهم، وأن حِوار العقل هو الذي يُوصلنا جميعاً إلى شاطئ الأمان، وأن حِوار الهوى يَزيد مِن آلام المنكوبين والمستضعفين ويخدم أعداء هذا الوطن السَّاعين إلى تمزيقه وتفتيته وحرقه.
مُنذ البداية قالت القيادة الحكيمة لمن ضَلَّ الطريق، ولمن فَضَّل الدمار على البناء، ولمن فَضَّل الخراب على البناء والتعمير، ولمن فَضَّل القتل على صيانة الدم، ولمن فَضَّل أن يَخدم الصهاينة المعتدين على الوقوف بوجههم، على الوقوف بوجه اليهود الصهاينة، بَدَلَ أن يُدافع عن أرضه وعرضه قام بتنفيذ المشروع الصهيوني في المنطقة، مُنذ البداية قالت القيادة الحكيمة لهؤلاء الذين ضَلُّوا وشَذُّوا عن الطريق: تَعالوا إلى الحوار، ماذا تريدون؟ هم قلة في النِّهاية، هم قلة ليس كما صَوَّر الإعلام: قناة الجزيرة الخنزيرة، قناة العربية، قناة الوصال، هذه القنوات التي أسسها "نتنياهو" ودَعمها "جورج بوش" ودَعمتها الدُّول العربية وعلى رأسهم النظام السعودي، هذه القنوات هي قنوات قامت على الكذب، قامت على الكذب والافتراء والتضليل، لكي نُدَمِّر وطننا بأيدينا، لكي نَقتل بعضنا بأيدينا، لكي نُدَمِّر اقتصادنا ونحرقه بأيدينا، هذه القنوات مع الأسف فَتَكَت بتلك العقول، وكان هناك صوت الحق صوت العقل يُناديهم لكن هؤلاء لم يَستجيبوا لهم، وتدور السِّنون صعبة قاسية مُرَّة، على هذا الشعب، على هذا الوطن الحبيب، على هذا الجيش العملاق، هذا الجيش العقائدي، تمرُّ السِّنون صعبة قاسية، وعلى الرغم مِن ذلك وقفنا جميعاً وصمدنا خلف قيادتنا وخلف جيشنا، وقفنا جميعاً بوجه أولئك الضَّلاليين، لأننا أصحاب حق، لأننا أصحاب قضية، لأن الوطن وطننا والأرض أرضنا والعلم هو رايتنا، هو الراية المقدسة التي نعتز ونفتخر بها، وعندما نادت القِيادة هؤلاء إلى الحوار لم يَستجيبوا.
وتدور الأيام وتتدخل بِطَلب ورضا مِن الشَّعب والقيادة معاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه الدولة العظيمة، هذه الدولة الشامخة بقيادتها بحكومتها بشعبها برجالها بشبابها بنسائها، وقفت إلى جانب الحق، وقفت إلى جانبنا، لأنَّها عَلِمَت أنَّ تِلك القنوات تَكذب بما تَدَّعي وتقول، وأنَّ أُولئك الأبواق هم أبواق الصهيونية، غَايتهم حَرقُ مِحور المقاومة في الجمهورية العربية السورية، وجاءت إيران وفتحنا إليها ولها قلوبنا وصدورنا وعانقناها بالحب والأخوة والصِّدق، لأننا جميعاً في خَندق واحد، عدونا واحد هو الكيان الصهيوني، ودَعَت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى نفس الموقف وإلى نفس تلك الدعوة التي دعت إليها القيادة هو الحوار، لكن الجانب الآخر قال لهم: لا أنتم شيعة، نحن لا نقبل بكم.
وجاءت بعدها دولة روسيا أيضاً برضا ودعوة من الشعب والقيادة معاً، ودخلت القوات الروسية إلى أرض هذا الوطن الحبيب، وفتحنا لهم قلوبنا وصدورنا جميعاً، وقلنا لهم على هذا المنبر عندما جاءت القوات الرُّوسية لِتَنصر الحق في الجمهورية العربية السورية، قلنا لأولئك التَّكفيريين ولأولئك الإرهابيين: الآن جاء دورنا، سندق أعناقكم، ببندقية الحق، ببندقية رجال الله رجال الجيش العربي السوري، وها نحن ذا بفضل الله جل جلاله قد انتهينا مِن تنظيمٍ خَطير مِن أخطر التَّنظيمات الإرهابية في الوجود، هو تنظيم "داعش"، انتهت بما يُسمى بالدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، كانوا يقولون: باقية وتتمدد، قُلنا لهم: إنها فانية وتتبدد، وتبددت تلك الدولة المزيفة التي أقامها "نتنياهو" و "أوباما"، ومَن يدور في فلكهم، انتهت تلك الدولة، وها هي الجمهورية العربية السورية استعادت ما يَزيد عن تسعين بالمائة مِن أراضيها، بَقِيَ بَعض الأماكن هنا وهناك، وهذه عندما يَعزم رجال الله على أخذها يَأخذونها بإذن الله، عندما يعزم رجال الله أسود الله على الأرض أن يَأخذوها سيأخذوها، وها هو الدليل، ها هي أراضي هذا الوطن هي أكبر شاهد وأكبر دليل على ما نقول، وها نحن ذا إلى جَانب الانتصارات تقول الدولة لمن أخطأ ولمن ضَلَّ الطريق: تعالوا، أنتم إخوتنا، أنتم أبناؤنا، أبناء هذا الوطن، الأرض أرضكم، المدارس مدارسكم، الجامعات جامعاتكم، الاقتصاد اقتصادكم، العلم رايتكم، المساجد مساجدكم، الكنائس كنائسكم، لكم كل شيء، تعالوا لنحقن الدم، تعالوا لنتفق على أمر يُرضي الله جل جلاله، تَعالوا لنتفق على حَقنِ الدَّم، تَعَالوا لنتفق على كَفِّ البلاء والأذى عن المنكوبين والمستضعفين، تعالوا لِنَحمي الأطفال، تعالوا لنصون النساء، كفى تعالوا، وها هي "سوتشي" تستعد لاستقبال وفد ضخم مِن أبناء هذا الوطن مِن كافة المحافظات، لكي يتحاور السوريون مع بعضهم البعض، إذا قرأت -أيها السوري أيها العربي- كل معارك التاريخ وكل حُروب التاريخ الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرهما لم تنته الحروب إلا بِصُلح أبداً، لم تنته الحروب كلها إلا بصلح، يَجلس الكبار على الطَّاولة ويَتفاوضون، وتجلس بعدها الشُّعوب على الطاولة ويتفاوضون، وهكذا تنتهي الحروب بِعِنَاقٍ وقبلة، ويقول كل مِنهما السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعالوا أيها السوريون، تعالوا لنعود إلى حوار العقل، تعالوا لنعود إلى المنهج الذي رسمه لنا رب العالمين جل جلاله، تعالوا لِنجعل مِن هذا العام مِن عام ألفين وثمانية عشر، عام حُبٍّ، عام انتصار، عام تكاتف، عام تراحم، تعالوا لِنَجعل هذا العَام عام إجلاءٍ للقلوب مِن الحقد، من أين أتى هذا الحقد، واللهِ أَمرُنَا عجيب، واللهِ أَمرُنَا غَريب، مِن أين أتى هذا الحقد؟ هل أمر الإسلام بالحقد حتى نحقد على بعضنا البعض؟ هل أمر الإسلام بالضغينة والعداوة حتى نَقوم على بعضنا البعض فنقتل بعضنا البعض؟ قُولوا أيها الإخوة، هل أمر الإسلام بذلك، حاشى وكلا، لا، الإسلام أمرنا أن نُسالم مَن خالفنا في العقيدة، أن نحبه، أن نُجله، أن نحترم الإنسان في شخصه في كيانه، فما بالنا نحن امتلأت قلوبنا غِلاً وحقداً، حتى قتلنا بعضنا ودمرنا وطننا وسرقنا اقتصادنا وأغلقنا مدارسنا وفَعلنا ما فعلنا، ما الذي أصابنا، وإنك لتجد اليوم ما حيك للجمهورية العربية السورية مِن مُؤامرات وحِقد وضَغينة يُحاك اليوم للجمهورية الإسلامية الإيرانية، العقول التي تُخطط اليوم لطهران لِتَدميرها لِتَفتيتها لإبادتها، لِتَنعم إسرائيل أكثر بأمنها واستقرارها، هي نفس العقول التي خَطَّطت للجمهورية العربية السورية، والأصابع التي كَتبت تِلك البُنُود الحاقدة هي نفسها تَكتب اليوم البنود التي تُدمر أو تسعى إلى تدمير الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والأموال التي دَعمت مِن أجل حَرق هذا الوطن، الأموال السُعودية والأموال الخليجية بشكل عام هي نفسها اليوم تدعم وتُحرض لكي تُفكك الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكننا نقول بكل ثقة، نقول لأعداء هذا الوطن ولأعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية: خَسِئتم أيها الصعاليك، خسئتم أيها الأقزام، إنَّ إيران دولة عظيمة، وعظمتها تكمن بوعي شعبها، كيف لا وقد كان الإمام الخميني رحمه الله تعالى يقول: الشعوب تحتاج إلى بصيرة، أي إلى وعي، فشعب إيران يتصف بالوعي، وها هي المسيرات المليونية نَراها في كل ساعة تخرج إلى شوارع طهران وإلى شوارع كافة المدن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تَرفع علم بلدها علم وطنها، وتقول للملأ وللعالم أجمع وليسمع "ترامب" الذي يُحرض ويَبكي على الشعب الإيراني، ليسمع "ترامب" وليسمع "نتنياهو": أنَّ الشَّعب الإيراني سَيُلاحق كل مَن يُريد أن يُنفذ مخطط الصهاينة على أرض طهران، هذا هو الوعي، "ترامب" يبكي بكاء التماسيح على الشعب الإيراني، فُقراء جِياع كما فعلوا بنا، مُضطهدون مُظلومون، وما يُقال ويَظهر "نتنياهو" الخبيث الذي يَصطاد في الماء العَكِر لِيَقول: سندعم كل شخص مِن إيران يقوم مُناهضاً للنظام في بلاده، وأين الأمم المتحدة، الأمم المتحدة تعقد اجتماعاً سريعاً تقول فيه: واجب على القيادة في طهران أن تَستمع لشكاوى المواطنين ولحقوقهم، يا خونة، يا حثالة، "ترامب"، "نتنياهو"، مجلس الأمن، الأمم المتحدة، حثالة، كلهم حثالة، كلهم كذبة، كلهم منافقون، كلهم مُراوغون، محمد بن سلمان منافق، سلمان بن عبد العزيز مراوغ، يا خونة ويا منافقون ويا متخاذلون، ها هي "عهد التميمي" الطفلة الفلسطينية تَصفع جُندياً إسرائيلياً على وجهه، لأنه احتل أرضها واغتصب عِرضها ودنس بيتها، واعتقلها اليهود الصهاينة، طفلة كغيرها مِن المئات مِن الأطفال الذين يَعتقلهم اليهود الصهاينة في كل ساعة وفي كل يوم، لماذا لم نَرَكَ يا "ترامب" أيها المنافق تبكي على "عهد التميمي"، وتبكي على مئات الأطفال الفلسطينيين في سُجون تل أبيب؟! لماذا لم نَرَكَ تَبكي؟! أين مَجلس الأمن الذي يَجتمع مِن أجل أطفال فلسطين، مِن أجل نساء فلسطين، أين العرب الذين يخافون مِن بُعبُع التَّشيع الإيراني ولا يَخافون مِن الكيان الصهيوني الذي سَرَقَ أقصانا في وَضَحِ النَّهار كما سرق أموال بني سعود في وضح النهار، "ترامب" جاء مِن أمريكا قطع البحار وقطع الصحارى وجاء إلى النظام السعودي وسرق أمواله عَلَناً، ضحك عليه بكل سُخرية واستخفاف، وبعد فترة وجيزة سَرَقَ أقصانا مِنَّا، وبعد فترة وجيزة يُحاول أن يُدَمِّر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه المواقف أيُّها السادة، أيها العرب، تَعَلَّمنا شيئاً واحداً، أنَّ مَا خَطَّطَهُ "ترامب" بِالتَّنسيق مع الأنظمة الخليجية وعلى رأسهم النظام السعودي أصبح يُنفذ واحداً تلو الآخر، ومع كل الأسف ويا أسفاً علينا نَحن مَشغولون بِالقيلِ والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، قلوبنا امتلأت حقداً، نفوسنا امتلأت غشاً، وكأن الأمر لا يَعنينا لا هنا ولا هناك، متى نَستيقظ؟ متى نصحوا؟.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا.
اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.