الاثنين 10 ربيع الثاني 1446 - 14 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2017-09-24 الساعة 10:28:01
أعظم العبر من هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 2 من المحرم 1439 هـ - 22 من أيلول 2017 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا( [النساء: 113].

معاشر السادة: في حادثة الهجرة يوجد دروس وعبر ينبغي أن نقف بإزائها حتى نُصلح على ضَوئِها حَاضِرَنَا، فنحن لا نذكر تاريخنا الماضي إلا لنقتبس منه أضواء تحدد لنا الهدف وتجنبنا الزَّلل.

إذا أمعنا النَّظر في أحداث الهجرة فإننا نجد قانون السببية قد فرض نفسه على الهجرة وأحداثها، فإن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنني ومَن معي أوذينا في الله كثيراً، وأُخرجنا من ديارنا كرهاً، فعناية السماء يجب أن تلاحقنا، ولا حرج من بعض التَّفريط أو بعض التَّواكل، فإن الله يَجبر الكسر ويُكمل النقص. لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذا، وإنما وضع الخطة كاملة، كل ما يمكن أن يصنعه الإنسان العادي ليتجنب الأخطار وليبتعد عن مكائد العدو فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالطاعون في أرض الشام أبى أن يدخل البلد الذي قصد أن يدخل إليه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أَتَفِرُّ مِن قدر الله؟ فغضب عمر غضباً شديداً وقال: يا أبا عبيدة، لو غيرك قالها، أَفِرُّ مِن قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو أنَّ عِندك قطيع غنم فتركت المكان المجدب إلى المكان المخصب، ألم تتركه بقدر الله إلى قدر الله، هذا المعنى يَشرحه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة، عندما سُئل: أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: ((هي مِن قدر الله))، والرُّقية هي دعاء المريض لنفسه بالشفاء، أو تلاوته بعض سور القرآن للاستشفاء ببركتها، كما صح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كَفَّيه ثم نفث فيهما، فقرأ "قل هو الله أحد" و "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"، ثم يمسح بهما على وجهه وما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

اتخاذ الأسباب إذاً دِين، وهذا هو الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفكر في الاختباء بالغار وفي تضليل أعدائه، فكان يتجه إلى الجنوب وهو يُريد أن يتجه إلى الشمال، واتخذ راحلتين قويتين مستريحتين حتى تتمكنا من السفر وتحمل وعثاء الطريق وطول المدة، واتخذ دليلاً مُدَرَّباً حتى يَعرف ما هنالك مِن وجوه الطرق والأماكن التي يمكن التَّعريج عليها، بعيداً عن العيون المبثوثة هنا وهناك، لقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك حتى يُضَلِّل مَن يبحثون عنه.

قضية السَّببية قضية فَرَغَ الإسلام منها، وقَرَّرَ أنَّها حَقّ، ولكن موقف المؤمن والكافر مِن السبب يختلف تماماً، فالمؤمن بعد أن يَتخذ الأسباب كاملة لا يُعَوِّلُ عليها ولا يَربط نفسه بها، ولا يعتقد أنَّها هي التي تَفعل أو تترك أو تَضر أو تنفع، بل يُؤمن بأنَّ الأُمور بيد الله، وأنَّ النَّتائج تتم بقدرة الله، فالله جل جلاله هو الذي يُوفرها ويُكثرها لمن أراد له التوفيق والنجاح، ولذلك قارن العلماء بين مَوفقين للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا في الغار عندما أحسَّ أقدام المطاردين تقترب، وعندما بدأ أبو بكر رضي الله عنه يقلق ويشعر بالوجل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسَكِّنُ رَوعه ويُبَدِّدُ قَلقه، ويقول له: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما! قال العلماء: هذا الموقف يُغاير الموقف في معركة بدر، عندما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتجه إلى الله بقلبه ولُبِّه، في ضراعة حارَّة ودُعاء مُتتابع واستغاثة موصولة، يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنَّك إن تُهلك هذه العصابة مِن أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض، فما زال يَدعو رَبَّه مَادَّاً يديه الشريفتين مُستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، قال العلماء: ما هو السبب في تفاوت الموقفين هنا وهناك؟!.

كان الجواب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في الغار كان قد اتخذ الأسباب كلها وأفرغ ما في طاقته عملياً، فاطمأن إلى أن الله هو الذي سَيَكفله، وهو الذي سيحقق ما يصبو إليه من أمل في إنجاح الهجرة وبلوغ غايتها، أما في معركة بدر فإن الأسباب لما تكتمل مِن ناحية، ورُبما تعلقت الهمة بها وعولت عليها وانتظرت النصر منها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتجرد مِن هذه الأسباب، مِن الجيش الذي خرج للقتال، ومِن العدو الذي أحاط به.

الفرق بين المؤمن والكافر أن المؤمن يَرى الأسباب أدوات للقدرة العليا ومفاتيح لخزائن الرحمة الإلهية، وأن أي شيء انقطع عنه الإمداد الأعلى فإنَّه لا يصنع شيئاً ويتوقف في مكانه، أما الكافر فإنَّه ينظر إلى الأسباب بأنها هي الوسيلة الوحيدة الفعالة التي مِن خِلالها يستطيع أن يصل إلى ما يُحب وما يريد.

إنَّ القارئ لأحداث الهجرة يَجد أن الدعوة الإسلامية قد اعتمدت على الإقناع المجرد، وعلى التفكير الحرّ، وعلى رفض الضغط في جعل الناس يعتنقون ما يشاؤون من عقائد، ولكن بعض المستشرقين أرادوا أن يزوروا حقائق الهجرة وأحداثها، فقالوا: إن الدعوة الإسلامية قد تغير مسارها بعد الهجرة، فلما أصبح السَّيف مُتماسكاً في أيدي المسلمين أَخذوا يحكمون السيف ويبتعدون عن منهج العقل، وهذا الكلام يحتاج إلى نقاش وبيان صحيح.

إن الدعوة قبل الهجرة كانت تعتمد على الإقناع المجرد، وعلى المنطق العقلي الواعي، وعلى ترك المعارضين يأخذون طريقهم كما استحبوا لأنفسهم، ففي سورة الأنعام وهي مكية نقرأ قوله سبحانه: )قَد جاءَكُم بَصائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيها ([104]، وفي سورة الكهف وهي مكية أيضاً نقرأ قوله سبحانه: )وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر ([29]، وفي سورة يونس وهي مكية أيضاً نقرأ قوله سبحانه: )وَإِن كَذَّبوكَ فَقُل لي عَمَلي وَلَكُم عَمَلُكُم أَنتُم بَريئونَ مِمّا أَعمَلُ وَأَنا بَريءٌ مِمّا تَعمَلونَ ([41]، هذا مَنطق الإسلام في مكة، فهل تغير هذا المنطق في المدينة؟ الجواب على هذا يتقاضانا أن ننظر في الوحي الذي نزل في المدينة، لنرى أترك المسلك الأول أم بقي في هذه الوجهة يسير دون أدنى تغيير؟ نقرأ سورة البقرة وهي سورة مدنية بيقين، فنجد فيها قوله سبحانه: )قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّـهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ([139]، ونقرأ سورة آل عمران وهي مدنية بيقين فنجد فيها قوله سبحانه: )فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد( [20]، ونقرأ سورة النساء وهي مدنية بيقين، فنجد فيها قوله سبحانه: )مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ([80]، ولا نريد أن نستعرض القرآن كله لنبين أن المكية تمهيد للمدنية، وأن المدنية تصديق للمكية، وأن مسلك الدعوة بعد الهجرة هو مسلكها قبل الهجرة، وأن الدِّين الذي اخترع في العالم الحرية الدينية وبَسط رعايته على كل مَن يُخالفونه، فما أحرجهم ولا اضطهدهم ولا استذلهم ولا نال منهم قليلاً ولا كثيراً، ولكن هناك مَن على أبصارهم وبصائرهم حُجب يُريدون أن يكذبوا وأن يزوروا التاريخ، وأن يقولوا كلاماً لا أصل له في تصور الإسلام وتصويره للأمور.

إن دمشق دماغ الإسلام وقلبه، وأن نجاح الإسلام فيها نجاح له في العالم أجمع، وأن ضياع الإسلام فيها ضياع له في العالم أجمع، بل الأمر ليس أمر ضياع إنما الأمر أمر مكانة، يوم يدحرج الإسلام من مكانته كدين أول وموجه أول وأساس أول لكل بناء خلقي وثقافي واجتماعي وتشريعي، يوم يدحرج الإسلام من هذه المكانة لتكون له مكانة ثانوية، فمعنى هذه الدحرجة أن الإسلام سيمضي إلى الغروب، وسيصبح في طَيِّ النسيان.

يجب أن نعرف أن الإيمان أساس نهضتنا، وأن المسيحية والإسلام سياج عِزِّنا، وأن راية الحق هي التي ينبغي أن ترفرف علينا.

إنَّ الذين خدموا الصهيونية من الوهابية وإخوان الشياطين إنما يريدون تعكير صفونا وتسيخ فكرنا.

يجب أن نبني على قواعدنا وأن ننطلق من مبادئنا وأن نتجه إلى غاياتنا وأهدافنا.

إن الجيش العربي السوري قد حمل عبء دعايات مُرَّة ومواقف مصنوعة، لكي تبقى راية الإسلام والمسيحية ترفرف على أرض بلاد الشام، التي دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير والبركة، وها هو الإيمان بعد مرور ما يُقارب عن سبع سنوات عجاف، يُعلن عن وجهه الصَّبيح وحقيقته الحلوة.

اعلموا -أيها العرب أيها السوريون- أنَّ للجيش العربي السوري كان دوراً فعالاً وجليلاً وعظيماً في محاربة الفكر الوهابي والإخواني، ولو استطاع هذا الفكر الإخواني والوهابي الذي يَقوم على خدمة الموساد الصهيوني وعلى خدمة الصهيونية العالمية لو استطاع هذا الفكر أن ينتشر في سوريا لانتشر في بقاع العالم، ولعمت الفوضى والقتل والخراب والدمار في كل مكان، لكن أُسود الله على الأرض، رجال الله على الأرض، رجال الجيش العربي السوري، وقفوا بكل إيمان وبكل حب لله وبكل إخلاص لدينه العظيم، وقفوا بوجه أولئك الجرذان الذين أرادوا أن يُشوهوا الإسلام باسم الإسلام، والذين أرادوا أن يضربوا الإسلام باسم الإسلام، كما نَصَّ على ذلك اليهود الصهاينة وحكماء بني صهيون في كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، فالفضل الكبير والفضل الجليل والفضل العظيم لهذا الجيش العقائدي، الذي يُؤمن بالله جل جلاله، والذي يُؤمن بوطنه.

وها هي أحداث الهجرة اليوم تتجلى على أرض هذا الوطن الحبيب، لَتَقُل للعالم أجمع: لقد اندحر الفكر الوهابي والإخواني، اندحرت وثنية القرن الحادي والعشرين مِن أرض سورية، كما اندحرت عبادة الأصنام والأزلام في مكة المكرمة، فأحداث الهجرة تُعيد نفسها في كل يوم وفي كل زمان وفي كل مكان.

هلموا أيها المسلمون، هلموا أيها العرب، إلى أحداث الهجرة واقرؤوها بتفكر وتمعن وتدبر، إذا أردتم أن تكون لكم عِزَّة ومنعة وقوة في هذه الحياة، وأن تكون لكم كلمة قوية بين الأمم، هلموا واقرؤوا أحداث الهجرة، ولماذا فعل النبي كذا وكذا، ولماذا قال كذا وكذا، فهي المنهج الدائم إلى يوم القيامة، وهي المنارة التي تهتدي بها الأجيال إلى يوم القيامة.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.


 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تَكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1201
تحميل ملفات
فيديو مصور

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *