الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2017-08-20 الساعة 09:44:28
الإخلاص في شتى الأعمال
الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 25 من ذي القعدة 1438 هـ - 18 من آب 2017 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ([الفجر: 1-5].

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)).

معاشر السادة: العمل الصالح يَجب أن يَخلص لله، وأن يصان من الشوائب الدنيئة، وحبذا بعد أن يُتِمَّه صاحبه أن يَكتمه، وألا يتحدث بفخر عنه، وألا يتطاول به على غيره، فإن الله حَذَّر مِن ذلك بقوله سبحانه: )وَلَا تَمْـنُن تَسْتَكْثِرُ( [المدثر: 6]، أي مهما كان مَا أعطيتَ أو أسديتَ من نعمة جَسيماً فلا تَمتَنَّ به على مَن أخذه، وَادَّخِرهُ عِندَ رَبِّك.

إنَّ بعض الناس يعمل الخير ثم يُبطله بالمن والأذى، يقول لصاحبه: لولاي لهلكت جوعاً وعرياً، إن هذا المسلك يُحبط الأجر ويبطل العمل، ومِن الحماقة أن يعمل الإنسان خيراً ثم يُضيعه بالنفاق والرياء.

تأمل -أيها المؤمن- في المثل الذي ضربه الله جل جلاله لمن يَقعون في هذه الورطات حيث قال سبحانه: )أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ( [البقرة: 266].

إن الكهل الضعيف يتمنى أن تكون له في أواخر حياته حديقة تمده بالحبوب والفواكه، يأكل منها ويطعم منها أولاده، فكيف يكون حاله إذا احترقت هذه الحديقة؟ يكون حاله المسغبة والعجز والخسران، كذلك يُحرم المرء ثَمرة عمله إذا هو أَبطله بالرياء والإيذاء والخيلاء، فالمؤمن العاقل هو الذي يُحافظ على عمله بعد أن يُتِمَّه، حتى يبقى ذُخراً له يوم اللقاء والحساب، والمحافظة على العمل لا تقل خُطورة عن أداء هذا العمل، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله سبحانه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ([محمد: 33].

لقد بَيَّنَ لنا ربنا جل جلاله أن العمل الصالح نور وبرهان، وسعادة للمرء في الدارين، وأن المؤمن إذا أراد أن يَعيش حياة طيبة كريمة تَسودها الطمأنينة والسكينة فعليه بالعمل الصالح، حيث قال سبحانه: )مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ( [النحل: 97]، وخاطب سبحانه الرَّسل بقوله: )يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وهنا إشارة إلى أن اللُّقمة الحلال والمال الحلال هما اللَّذان يُوصلان إلى العمل الصالح، وخاطب سبحانه نّبِيَّه داود بقوله: )أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: 11]، وخَاطب جمهور المؤمنين بقوله سبحانه: )مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَـئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر:10].

هناك أناس يَجمعون بين المتناقضات، قد يُؤَدُّون العبادات الظاهرة، ولكنهم يلمون بالخطايا ويستمرؤون ستر الله عليهم في الاستخفاء بالشر والاستعلان بالخير، ولعلَّ أولئك هم المعنيون بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه، عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله هباءً منثوراً))، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا حَلِّهم لنا، حتى لا نكون منهم، قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، يأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها))، فهؤلاء أناس غَرَّهم حِلمُ الله عليهم وجهل الخلق بهم، فمضوا في طريقهم بسيرة مُزدوجة، باطن قبيح وظاهر جميل، وخطورة هؤلاء تكمن في سهولة الانخداع بهم، أو ترجع إلى سهولة الانخداع بهم والوقوع في شباكهم، ولذلك قال الله فيهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23].

إنَّ صلاح المرء في الظاهر وفساده في الخفاء جريمةٌ غَليظة، وكثير مِن الناس يَحرصون على سلامة ظاهرهم، حتى نَشهد لهم بالخير والصلاح، وربما ائتمناهم على أموالنا وأعراضنا لاعتقادنا أنهم مستقيمون، ثم تَكشف معاملتهم عن خبيئتهم، فإذا هم سَيِّؤُون خَوَنَة، وهناك أناس يُخطؤون ويَشعرون أنهم أساؤوا، ويريدون أن يبقوا في سبيل الله، وألا يمضوا مع وساوس الشيطان.

إنَّ الله لم يُكلفنا بالعصمة، وإنما كلفنا إذا عثرنا أن ننهض، وإذا أسأنا أن نُحسن، وإذا أذنبنا أن نتوب ونستغفر، إنَّ الإصرار على العمل السَّيِّء هو طريق البوار والخسران، ولذلك قال الله لنبيه: ﴿وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُم سوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعدِهِ وَأَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ ]الأنعام: 54].

إنَّ ضعف العزيمة في الخير لا يَجوز أن يتحول إلى عزيمة على الشر، والعودة إلى الله أجدى وأرشد، فالله جل جلاله لا يَطرد مَن أقبل على بابه، ولا يطرد مَن أقبل عليه وأخلص في عمله، فقد وعد ربنا جل جلاله العبد المذنب بالمغفرة والرحمة والرضوان إذا هو تاب وآمن وعمل صالحاً، حيث قال سبحانه: ﴿وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى﴾ ]طه: ٨٢[.

سُئل أحد الحكماء: أي الأصحاب أبر وأوفى؟ قال: العمل الصالح، وسئل: أيُّهم أضرُّ وأبلى؟ قال: النفس والهوى، قيل له: فأين المخرج؟ قال: في سلوك المنهج، قيل له: وَفِيمَ ذاك؟ قال: في خلع الرَّاحات وبذل المجهود.

وقال الأديب مصطفى صادق الرافعي: عملك شخصك الحقيقي.

وقال الفيلسوف الأمريكي "ألبرت هوبر" أعلى مكافأة يُعطينا إياها الله على عملنا الجيد هو أن نُصبح قادرين على العمل الأفضل.

معاشر السادة: لقد جعل الإسلام القيام بواجبات الحياة مِن الأعمال الصالحة، فالإسلام لم يبني الآخرة على أنقاض هذه الحياة، بل إنَّه جعل صلاح الآخرة مرتبطاً بصلاح الأولى، حيث جعل الجنة لأولي الأيدي والأبصار ولم يجعلها لأولي العجز والخذلان.

إنَّ العمل للحياتين الدنيا والأخرة قد وصل الإسلام أطرافه وربط بعضه ببعض، فإذا رأيت طاقات معطلة وأعمالاً مهملة وواجبات مهددة، فَثِق أنَّ الذي ضاع مِن دين الله لا يقل عن الذي ضاع من دنيا الناس، وَثِق أنَّ الانهيار النَّفسي الذي جَرَّ هذا الضَّياع قد أصاب الإيمان والخلق بمثل ما أصاب الحضارة والعمران.

ها هي الجمهورية العربية السورية تفتتح معرض دمشق الدولي، الذي يشارك فيه ما يزيد عن أربعين دولة، ورسالتها للعالم مِن خلال هذا المعرض المبارك أنَّ سوريا ستبقى قِبلة الصناعة والتجارة للعالم أجمع، وسيبقى هذا المعرض رِئَةَ التَّنفس وشَريان الحياة لهذا الوطن الحبيب.

أيها العرب: تعالوا إلى دمشق، تعالوا إلى دمشق قلب العروبة والإسلام، وزوروا معرضها الكبير والعظيم، هو أقدم معرض في الشرق الأوسط، زُوروا هذا المعرض لكي تُدركوا أنَّ كلَّ ما أُشيع عن هذا الوطن الحبيب أنَّه إلى خراب وإلى دمار وإلى زوال، وأنَّه أصبح مُفككاً ومُنحلاً تجدون الحقيقة بأعينكم وتنطقون بها بألسنتكم، أنَّ هذه الإشاعات والأكاذيب كانت باطلة جائرة فاسدة، الغايةُ منها تقوية الإرهابيين والمجرمين، وإظهار هذه الدولة العظيمة أنها في حالة تَرَهُّلٍ وضعف.

إنَّ إقامة هذا المعرض الجليل والمبارك -يا أيها السوري ويا أيها العربي- هو أكبر دليل على أن بلدك تسعى -من قبل وكانت وما زالت تسعى- إلى العلم، إلى الحضارة، إلى البناء، إلى الاختراع، وها هم إخوتنا العرب مِن جميع بلاد الدول العربية تقريباً جاؤوا إلى دمشق، ليقولوا للعالم أجمع: نحبك يا دمشق، أنت قبلتنا يا دمشق، في الحب، في السلام، في الصناعة، في التجارة، في الثقافة، أنت قبلتنا يا دمشق، يا قبلة العروبة والإسلام، لأنك عظيمة بقيادتك، عظيمة بحكومتك، عظيمة بشعبك، الذي صبر وتحمل ما تحمل مِن الإرهاب والإجرام.

أيها السوري: زُرْ هذا المعرض لكي تُدرك بعينيك وتَلمس بيديك أنَّ وَطنك ما زال وسيبقى شامخاً، وأنَّ عَلَم هذا الوطن سيبقى مُرفرفاً فوق هذه السماء الطيبة المباركة، لأن رجال الله رجال الجيش العربي السوري قَدَّموا دِماءهم الطاهرة وأرواحهم الزكية العطرة، لِكَي تَبقى دمشق علماً يُرفرف فوق سماء هذا الكون، وليبقى هذا العلم الجليل يُرفرف فوق سماء دمشق، ما أجمل هذا العلم في هذه الأيام، وهو يَزداد قوة ويزداد تألقاً ويزداد انتصاراً، فإنَّ الله هو الحق، والحق هو الذي ينصره الله ولو بعد حين، والباطل والفساد والكذب والإجرام إلى مزبلة التاريخ.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

 


 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم إنا نَسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1025
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *