بتاريخ: 11 من ذي القعدة 1438 هـ - 4 من آب 2017 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )اللهُ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزقًا لَكُم وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلكَ لِتَجرِيَ فِي البَحرِ بِأَمرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنهارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ * وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سَأَلتُموهُ وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ( [إبراهيم: 32-34].
معاشر السادة: إنَّ ضَمير الجمع للمخاطب تَكرر خمس مرات في هاتين الآيتين، كأنَّ الله جل جلاله يقول للسامعين: هذا كله لكم، لكم أنتم وحدكم، ومَن السَّامعون؟ أبناء آدم جميعاً، أهل الأرض كلهم جميعاً، ومع هذا كله فإنَّك تَسأل نفسك: هل العرب والمسلمون مِن بين جمهور المخاطبين أم هم مُستثنون من الناس؟ إنهم غرباء بين الأرض والسماء، حتى الزراعة، وهِي حِرفة بدائية أجادها غيرهم وأكثر ثمارها، وهم يحرزون رغيف الخبز بِشِقِّ الأنفس، في الوقت الذي صور غيرهم الخيرات في باطن الأرض، وشرع يَستخرج السَّائل والجامد مِن معادنها، ونحن ننظر مندهشين، وبعض المتنطعين ما زال يُفتي بأن التصوير حرام، وسبحت فوق ثبج البحار بوارج ومدمرات، وشقت أعماقها غواصات تحمل الردى، وناقلات نفط عملاقة وغير عملاقة، ما صنع شيء مِن هذا كله في موانئ العرب الجميلة، إننا نَرمقها مُعجبين بعد أن يتم غيرنا صنعها.
وهنا نسأل أنفسنا: أين نحن مِن دنيا الناس؟ ونسأل أنفسنا مرة أخرى: أين نحن من ديننا؟ هل نُنصِفُه أو نشرفه بهذا التَّخلف السَّحيق؟ بل هل نَستطيع حمايته يوم تسكر القوة أصحابها؟ وما أكثر سكراتها، فيتحركون للنَّيل مِنَّا والإجهاز على بقيتنا.
إنَّ العرب والمسلمين ما استفادوا مِن النِّعم التي يَسرها الله لهم، ولم ينتفعوا مِن الوحي الذي مَهَّد لهم سبيل الكمال، وعلمهم كيف يُؤدون حق الله، وكيف يَحتفظون بحق أنفسهم، هذا القرآن لا غير تلقفه آباؤنا الأقدمون، فصححوا به مسار الحياة، وأبدعوا حضارة أرقى وأعظم مما عرف السابقون، فما بالنا نقرؤه دون وعي، ونخر على آياته صماً وعمياناً!.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا نرى الاقتصاد العربي يتهاوى يوماً بعد يوم؟ لماذا نَرى المال العربي يَفقد مِن أرصدته يوماً بعد يوم؟ لماذا نَرى مَوجات الجوع والفقر والعيلة تضرب الشعوب العربية والإسلامية اليوم، مع أنَّ النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله مِن هذه الآفات، وأمر أمته أن تَستعيذ مِنها، عندما قال في الحديث الذي رواه النسائي وابن حبان: ((اللهم إني أعوذ بك مِن القلة والفقر والذلة، ومن أن أظلم أو أظلم))، وقال أيضاً في الحديث الذي رواه الطبراني: ((استعيذوا بالله من الفقر والعيلة، ومن أن تظلموا أو تظلموا)).
يجب أن تعلم -أيها المسلم، أيها العربي- أنَّه مُنذ أن استولت أوربا على قارتي أفريقيا وآسيا وضع الغُزاة الأقوياء سياسة فاجرة لإبقاء هاتين القارتين في ظلام دامس، بل إنَّهم بَنَوا غِناهم على فقرنا وتقدمهم على تأخرنا وحياتهم على موتنا، ورسمت الحياة الاقتصادية على أن يكون الشرق مورد المواد الخام، وعلى أن تكون شعوبه دائماً في منزلة التابع الضعيف للسيد القوي، والإنكليز والفرنسيون والأمريكان يُقيمون العوائق الكثيفة لعرقلة النمو العمراني في الشرق، ولا يسمحون به إلا إذا دسوا أصابعهم الخبيثة فيه لينالوا مِن ثماره النصيب الأكبر.
إنَّ للنفط العربي قِصة تبعث على السَّخط والأسى، فإن مَناجم هذا المعدن كَثرت في بلادنا، بيد أنَّنا كنَّا مَشغولين عنها بأمور أخرى، جعلتنا نَسرح بقطعان الضأن والمعز فوق هذه المناجم دون أن نُفكر في استئثارها أو ارتفاقها.
إن الذي كشف هذه المعادن هم علماء الغرب، أما نحن فكنا وما زلنا نَتنازع: هل حديث التوسل صحيح أم ضعيف؟ وهل كرامات الأولياء حق أم وهم؟ وهل الحكم لبني هاشم أم لأسر أخرى؟ وبينما نَحن مُنشغلون في ذلك كانت قِوى الغرب تَمكر بالأمة، وتُنزل بها ضربات موجعة، وتضع يدها على جهودها المادية والأدبية، وعلى أثر ذلك دخلت الأمة مرحلة الغيبوبة، مرحلة الضياع الاجتماعي والاقتصادي والفكري.
ألم يُحذر ربنا جل جلاله هذه الأمة مِن أعدائها عندما قال سبحانه: )وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً( [النساء: 102]، تَتساءل الأمم والشعوب اليوم مُستغربة مِن الفقر المتقع ومِن الغلاء القاهر ومِن البطالة التي تنتشر في المجتمعات: مَن هو المسؤول عن هذه الكوارث والآفات؟ وما هي أسبابها؟ ومَن وراءها؟.
إنَّ الكاتب الروسي "إليا إهرم بورج" عرف الحقيقة، وكشف القناع عن وجوه أصحابها، وتبين له أن أمريكا هي التي تَصنع الفقر والمسكنة في بعض دول العالم، فعندما رَشَّحَ نَفسه لعضوية المجلس السوفيتي الأعلى، قال للرئيس الأمريكي "ترومن": إنَّ شَعبنا لن يَعيش مُؤتمراً بأمر الغير، إنَّ شعبنا لن يعيش مؤتمراً بأمر الغير، وإذا كُنتم تظنون أنَّه لا يُوجد ما هو أحسن مِن نظامكم الاقتصادي ومِن غلاء المعيشة ومِن كساد الأسواق ومِن تقلبات الحالة المالية ومِن الإفلاسات؛ فلكم أن تحتفظوا بها وأن تسيروا سيرتكم التي ارتضيتموها، ثم قال: في الولايات المتحدة عدد كبير مِن المذاهب الدينية المرخص بها، غير أن أكثر العبادات انتشاراً هي عبادة الدُّولار بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
يا سادة: اندفع العالم يَبحث ويتحرى عن أسباب الحرب العالمية، وراح رجال الفكر والسياسة في جميع أرجاء العالم يُراجعون تلك الأسباب، وبعد دراسة وبحث عميق قالوا: إنَّ الحرب تَرجع إلى أسباب جَوهرية ظَلَّت تتفاعل ببطء خِلال سنوات عديدة وأجيال متعددة، أسباب نبعت عن التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في سائر أنحاء الأرض، إذ أنَّه تَبين أنَّ سَيطرة الدول على مصادر المواد الأولية واحتكارها لأكبر جَانب مِن التِّجارة قد خَلَقَ شُعوراً بِالضيق لدى الدُّول التي حُرمت هذه الخيرات، والتي عَجزت برغم تفوقها العلمي والصناعي عن الحصول عليها، حتى تتمكن من تغذية صناعاتها، كما حُرمت الأسواق التي تَستهلك إنتاجها الصناعي، وعلى ضوء هذه المعرفة والتَّجارب أدركت الشُّعوب تماماً أنَّ العالم مُنقسم إلى قسمين: شُعوب مسيطرة مستغلة، وشعوب مغلوبة على أمرها، تُسلب خيراتها وأموالها لينعم بها المحتل والمسيطر.
لقد صَرَّح أحد الأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي قائلاً لحكومته: لا يجوز أن نُرسل أولادنا ليموتوا في معركة الخليج لتحرير الكويت في سبيل بعض دول النفط، إنَّ هذا القائل يَعلم أنَّ الجيوش التي جاءت مِن أوربا وأمريكا إنَّما جاءت لِتَحمي مَوارد النفط الذي هو شريان الحياة الصناعية لبلادهم، فلماذا لا تُحافظ الشعوب العربية والإسلامية على بلادها واقتصادها؟.
معاشر السادة: حَديث الناس اليوم وشُغل الشعوب اليوم -سوريا اليمن العراق البحرين- هذه الشعوب مِن حقها اليوم أن تتكلم عن الفقر، عن الغلاء القاهر، عن الاحتكار، لأن أعداءنا رسموا سياستهم كما ذكرنا الآن مُنذ القدم، رسموا سياسة التجويع والإفقار للبلاد العربية والإسلامية، واليوم الذي يُؤلم الشعوب هو الغلاء، الذي يُؤلم الأفراد ويؤلم المجتمعات هو الاحتكار، هو انتشار البطالة بين الشباب، مَن المسؤول عن معالجة هذه الكوارث والآفات يا سادة؟ ومَن الذي صنعها قبل أن نتهم أعداءنا؟.
أيها الإخوة: يَجب علينا أن نَتهم أنفسنا، تعالوا لنتكلم بكل شفافية وصراحة، ما سمي بالجيش الحر في بداية هذه المؤامرة الكونية أو شبه الكونية على هذا الوطن الحبيب، ماذا فعل الجيش الحر؟ دَمَّروا مُؤسسات الدَّولة، أحرقوا مخافر الشرطة، أحرقوا المستوصفات الطبية، هجموا على شركة "تامكو: في المليحة، ماذا فعلتم أيها الجهلة؟ ماذا فعلتم أيها المرتزقة، بهذا الوطن باقتصاد هذا الوطن، شركة "تامكو" شركة دوائية كنتم تستفيدون منها، الآن في الغوطة الشرقية يبحثون عن حبة دواء من أجل معالجة الالتهاب لا يجدون، أما أنتم الذين دَمَّرتم الشركة الدوائية، أما أنتم الذين دمرتم الاقتصاد الهائل لهذا الدواء الوطني، والناس اليوم يقولون: الغلاء، غلاء الأدوية مخيف، غلاء الأدوية مخيف، وإذا وجدته تجده بسعر مرتفع، وربما لا تجده، في الوقت الذي كان وطننا يَنعم بالأدوية المتوفرة على كافة مستوياتها وكافة أنواعها، أما اليوم أين الدواء اليوم، نحن مَن دمر معاملنا، ونحن مَن دمر الشركات الوطنية والمعامل الوطنية التي تُنتج الأدوية وتصدرها إلى أرجاء العالم.
فالمواطن العربي اليوم عندما يَسير في طريق الجهل، عندما يسير في طريق الغباء، عندما يُغلق عينيه عن الحقيقة والواقع، فإنه يُسبب الكوارث لنفسه ثم لغيره، مِن حيث يدري أو لا يدري، مَن الذي جعل ارتفاع البيوت يُعاني منه الناس، أليس التَّشريد، أليس الإرهاب، أليست تلك البندقية التي خَدمت الكيان الصهيوني، تلك البندقية الجبانة الحاقدة الغاشمة التي هَجَّرت الملايين مِن بيوتهم، سبعة ملايين ويزيدون مُهجرون داخلياً في سوريا، مَن الذي هجرهم، أليس الإرهاب والإجرام، أليس الكفر والعربدة التي مارسها أولئك المرتدون، نعم إنهم مرتدون، كل مَن يَبتعد عن الإسلام عن أخلاق الإسلام عن تعاليم الإسلام هو مرتد، فماذا فعلتم، ماذا قدمتم، ماذا عملتم، بأي شيء خدمتم دينكم وعقيدتكم.
والغلاء اليوم بأيدينا نحن نستطيع أن نداويه، أن نعالجه، أن نتعامل معه بحسن وإحسان، عندما نتصف بالوعي، عندما نتصف بأخلاق العروبة وأخلاق الإسلام، نستطيع أن نتخلص من هذه الآفة الخطيرة، نستطيع أن نتخلص من هذه الكوارث التي حَلَّت بنا، عندما نُحافظ على اقتصاد بلادنا، على اقتصاد أوطاننا.
ألا تستغرب -أيها المسلم، أيها العربي- مِن تَصرُّف "ترامب" عندما جاء إلى السعودية، وحَلَبَ تِلك البقرة الحلوب، وأخذ أموال العرب والمسلمين لكي ينعم بها هو وشعبه، وأنت أيها العربي تعاني بعدها مِن الفقر والقلة والغلاء ما تعاني، وتموت جوعاً، واذهب بعدها إلى الجحيم، لا يهم "ترامب" ولا الغرب إن عشت أم لا تعيش، لا يهمهم ذلك، الذي يهمهم أنهم يَجدون دائماً أفراداً ومجتمعات تتصف بالغباء، تقوم على خدمتهم والتمهيد لمرور مشروعهم الخطير والمخيف.
فتحلوا -أيها العرب، أيها المسلمون- بالوعي وبالحكمة، وحافظوا على اقتصادكم، فعندما نصون آبار النفط، عندما ننتفض جميعاً في وجه داعش، ونعيد جميعاً مدينة دير الزور وريف دير الزور المحاصر، وأهلنا في دير الزور، وكل التحية والحب والإجلال لهم، يُعانون الكثير الكثير، يعانون مِن الفقر، من الجوع، من الإذلال، ولكنهم على الرغم مِن تلك الآلام تَجدهم صابرين وصامدين، عندما نَسترد جميعاً موارد النفط، عندما نُحافظ جميعاً على معامل الأدوية، عندما نُحافظ جميعاً على اقتصاد الوطن المتناثر هنا وهناك، تجد نفسك -أيها المسلم، أيها العربي، أيها السوري- قد تخلصت مِن الفقر، تخلصت من القلة، وكنت سبباً فعالاً في إحياء اقتصاد وطنك، فالاقتصاد هو روح الشعوب، وهو حياة الشعوب، وهو حياة الأمم، وعلى قدر وعي الشعوب والأمم تَعيش الشعوب عِيشة طيبة هنية كريمة.
إن الإسلام دين بناء لا دين هدم، دين عطاء لا دين حرمان، دين تعاون وحب وإخاء لا دين احتكار، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً, اللهم إنا نَسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نَسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.