السبت 06 جمادى الثانية 1446 - 07 ديسمبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2017-07-03 الساعة 08:39:34
التربية الإيمانية والخلقية
الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 6 من شوال 1438 هـ - 30 من حزيران 2017 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبلُغَ الجِبالَ طولًا * كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكروهًا( [الإسراء: 37-38].

معاشر السادة: إن الإيمان يمنع الفوضى والتشويش والتسيب، ويُقيم نظاماً خُلقياً دقيقاً، يَصوغ الفرد والجماعة في أوضاع مُحكمة.

إنَّ المرء المحبوس داخل رغباته لا يعرف غيرها، ولا يبالي بشرع ولا وضع، إنما هو وحش مُقنع، وقد وصف القرآن حياتيه الداخلية والخارجية -أي النفسية والاجتماعية- بقوله سبحانه: )وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا( [الكهف: 28]، نعم لقد انفرط أمره كله كعقد انقطع خيطه وانتثرت حباته فما يدري أين ضاعت.

هناك أناس كثيرون نفوسهم رجراجة، تسودها ميوعة مطلقة، يجرون نحو الخير ونحو الشر، لأنهم لا ينبعثون من داخل أنفسهم، بل يتحركون في الدنيا وفق التيارات التي تعلو بهم وتهبط وتتقدم بهم أو تتأخر، أمثال هؤلاء يَظلون في طفولة خلقية لا وزن لها حتى تُولد لهم شخصية محددة ويَستقل بقيادة أنفسهم.

وهنا سؤال يطرح نفسه: ما هي الوسيلة التي نَستطيع مِن خلالها أن نَصون النفس البشرية مِن هذا التَّشوه الخلقي الذي يصيبها؟

إنَّ الوسيلة الفعالة في هذا المجال هي التربية الإيمانية والخلقية، وكلنا يعلم أن التربية معاناة وتعب، وهي لا تتم إلا بعد مراحل طويلة وعلاج النفس البشرية، قد يَكون أصعب مِن علاج الحجر الصلد أو الحديد ذي البأس الشديد، ولكن ما منه بُدٌّ إذا شئنا الكمال.

أما إذا رَغبنا في الحياة على ما نَستحلي فلن يُكلفنا ذلك إلا أن نَرتع كما تَرتع البهائم، والمصير أخيراً إلى الذَّبح.

لقد قَصَّ علينا القرآن الكريم أن لقمان عليه السلام كان يَحرص على نُصح ولده وتربيته، ويحذره مِن الكبر والعلو في الأرض واحتقار الآخرين، )وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ( [المؤمنون: 52].

وجاءت السنة النبوية تُؤكد على التربية، وتحث الآباء والمربين على إقامتها والتمسك بفضائلها ومبادئها، فقد رَوى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نحل والد ولداً أفضل مِن أدب حسن)).

يا سادة: إنَّ التربية المنشودة لَيست شيئاً سهلاً، إنها مُعاناة وجهد يَقوم بهما المربي والمربى معاً، وتَشترك في تحقيق النتيجة عناصر أخرى في مقدمتها البيت والبيئة والمدرسة والسلطة الحاكمة، كما يَشترك الماء والشعاع والحر والبرد في إنضاج الزرع، والذي يَهمنا في مجال التربية تَكوين الأخلاق الحميدة بكل ما تَفرضه العادة على ذَويها مِن نظام ورقابة، فإن انعدام الأخلاق أو وجود بذرتها في حال بدائية رِخوة لا يُغني شيئاً، لأن الطباع السيئة في النَّفس تتحرك دون كابح قوي يَصدها، نعم نحن نريد تكوين الأخلاق، لأن الأخلاق وحدها هي التي تَهزم نوازع الضعف ووساوس الهوى، وتأمَّل في قول أبي تمام يَصف البطل الذي آثر الشهادة على الحياة الدنيا:

وقد كان فوت الموت سهلاً فرده *** إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

ولهذا قال شوقي:

وليس بعامر بنيان قوم *** إذا أخلاقهم كانت خراباً

إنَّ أنواع الكمال كثيرة، وقد علمنا أنها لا تنشأ ارتجالاً، وقد تتكون على مُكث ومع عوامل متراخية، فإذا كان اكتمال الإنسان يحتاج مثلاً إلى أخلاق النظافة والإخلاص والنظام، وأنه لا يَطهر جسداً وروحاً إلا بما يَغرسها في كيانه، فلتربط هذه الأخلاق بالصلوات الخمس المكتوبة على كل مؤمن، وجه يُغسل في كل صلاة خمس مرات لم لا يكون وضيئاً؟! إنسان يَعرض قلبه على ربه طرفي النهار وزلفاً من الليل لم لا يكون مخلصاً؟! مجتمع تصطف فيه المناكب والأقدام في كل صلاة لم لا يكون منتظماً؟!.

قال أحد علماء مصر رحمه الله: أَؤُم الجماعات في المساجد أحياناً، فأرى وراء الصفوف أشخاصاً مُنعزلين يقفون فرادى في منظر يدل على الفوضى والشذوذ، فأناشدهم أن ينضموا إلى إخوانهم، وكان ينبغي أن تكون نية العبادة ورتبة الإمامة وروح الصلاة أسباباً تجعل هؤلاء يُسرعون بالإجابة، ولكن هيهات، إنها تعجز عن أي تغيير في طبيعة البلادة التي تقيد حركاتهم، وتجعل النصح كأنه موجه إلى غيرهم، فإذا لمحت الصفوف نفسها وجدت أقلها مرصوصاً مستقيماً وأكثرها معوجاً مضطرباً، وذلك برغم الإلحاح في ضرورة النظام والتكتل، وإذا علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((استقيموا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم))، علمت أن السِّرَّ في تفكك الأواصر الاجتماعية يعود إلى هذه المشاعر المنعزلة البادرة، وعلمت كذلك السِّرَّ في أن الجماهير التي تركب العربات والسيارات لا تحترم نظام الصف ولا تحرص على أخذ دورها فيه، كل لا تهمه إلا نفسه ولا يتعلق إلا بمصلحته، ثم هو مِن قبل ومن بعد مَذهول عن حقوق الآخرين وعن مصالحهم.

إن المجتمعات العربية والإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى قواعد مِن التربية، تنهض على أصول دينية ثابتة، تَشد النفوس إلى عرى الإيمان الراسخ، كما تَشُدُّ السُّفن في مَوانِئِها إلى صخور لا تتزحزح في أمة يَكره دِينها الأمر الفرط.

لماذا يَنتشر التَّسيب في إداراتها في أمة يُبنى فقهها على النظافة؟! لماذا تنتشر القمامة والوساخة في شوارعها وساحاتها وحدائقها في أمة يَكره دينها العلو في الأرض والتميز على الآخرين؟! لماذا نرى جمهوراً غفيراً من الناس يُؤثرون الكبر والأنانية على التواضع وخفض الجناح؟!.

يَذكر علماء الأدب أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أراد إصلاح مصباحه، فقام وفعل ما أراد، فقال له أحد الجالسين: هَلّا أمرتَ أحدنا بذلك، فأجابه عمر: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر. نَعَمَ، إن الرجل العظيم لم يَشعر بغضاضة في تصرف يأنف منه الصغار في عصور الانهيار.

فَبناء الأفراد على الأخلاق الفاضلة، وبناء المجتمعات على التقاليد الرشيدة ركن ركين في دين الله، وإذا أردنا إنبات أجيال كريمة الشمائل نامية الفضائل؛ فإن ذلك يَقتضي هيمنة ورقابة صارمتين على البيت والبيئة والمدرسة، ويَقتضي أيضاً تهيئة البيئة الصالحة، إذ أنَّ البيئة السَّيئة تَهدم الإيمان والشرف والخلق، فإذا ساءت البيئة وسادت أجواءها الشَّكوك، فهيهات نعم فهيهات، فهيهات أن تَنشأ أجيال يُوثق بأدبها وأخلاقها وعفافها وعدالتها.

إنَّ الأمة المرباة -يا سادة- يَتبعها أدبها كظلها، فهي لا تنفك عنه في قول أو عمل، والفرق كبير بين مجتمع عابث صاخب ومجتمع جاد وقور، وبين مجتمع متراحم ومجتمع متحاسد حقود، وبين مُجتمع مُكلف بإماطة الأذى عن الطريق فهو يُمهده للسائرين دون قمامات ولا حُفر وبين مُجتمع لا يُبالي بسكب الأقذار في جوانبه وتَضييق الخناق على السائرين فيه.

لما خَفَت قَبضة الإيمان على زمام السلوك والتربية شَرع كل امرئ يتصرف في حياته الخاصة ومع غيره بِدافع مِن طبيعته، ومِن الظروف المحيطة به، ونشأ عن ذلك انحدار مُخوف في المستوى الخلقي، ولعل الحروب التي ضربت بلادنا زادت الطين بِلة، لأن هذه الحروب تَعمل في دأب وعناد على تَشتيت قوى الإصلاح كلما تجمعت، وعلى غمر الأرجاء بصنوف الفساد والإغراء، حتى تخرج أجيال تَستحلي اللَّذة في ظل الفوضى الهمجية، أو تتقبل الفساد باسم الحرية.

معاشر السادة: إنَّ المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي دعا إليه القدوة الأولى القائد المؤمن بشار حافظ الأسد حفظه الله تعالى ورعاه هذا المشروع هو دعوة لنا لكي نعود إلى أخلاقنا، دعوة لنا لكي نعود إلى أخلاق إسلامنا، وإلى نظام إسلامنا، وإلى نظام عروبتنا، وإلى نظام مسيحيتنا، وهذا المشروع يخدم شرائح المجتمع كافة، وينهض بالوطن نحو التقدم والازدهار والحضارة والعطاء، فأنا وأنت عندما نحترم القانون وعندما نحترم الدستور الذي يُصدره قائد هذا الوطن أو الحكومة الرشيدة، فإننا بذلك نكون قد احترمنا هذا الوطن، لا يأنف الإنسان مِن تطبيق حق أو قانون.

ونحن اليوم بفضل الله جل جلاله نَشعر في ارتياح كبير على امتداد أراضي الجمهورية العربية السورية، ها هي "داعش" بفضل الله جل جلاله قد زالت وانتهت مِن العراق، كم كانوا يقولون: الدولة الإسلامية في الشام والعراق باقية وتتمدد؟ وها نحن ذا نَرى الدولة الإسلامية المزيفة قد انتهت ومزقت نهائياً، وداس رجال المقاومة الشعبية في عراقنا الجليل دَاسوها تحت أقدامهم ونعالهم، داسوا ما يُسمونه بالخلافة الإسلامية تحت أقدامهم، والله إنَّ الخلافة الإسلامية التي يتحدثون عنها مِنهم براء وبعيدة عنهم وعن أخلاقهم، فالانتصارات التي تحققت في عراقنا الجليل جعلت السوريين هنا في ارتياح كبير، لأن المصيبة واحدة والألم واحد والعدو واحد، فالانتصارات التي تتحقق يوماً بعد يوم هنا وهناك جعلت القيادة الحكيمة تدعو المواطنين في الوقت المناسب إلى أن تكونوا أنتم عوناً للمقاومين الشرفاء من الحشد الشعبي العراقي، وأن تكونوا عوناً جليلاً وصادقاً لجيشكم الكبير ولجيشكم المقدس، الذي نشر الأمن والأمان في ربوع وعلى أرض هذا الوطن الحبيب.

كم هو عظيم -يا سادة- أن يَقتدي الإنسان بأخلاقه، بأخلاق عروبته، بأخلاق إسلامه، بأخلاق مسيحيته، وأن نُطبق القانون جميعاً مِن غير غلظة ولا حرج ولا فظاظة، وأن نكون جميعاً محترمين لبعضنا البعض، الاحترام في البداية، والاحترام في المقدمة، لا يُمكن أن يُطبق قانون بدون احترام، لا يمكن أن يقوم قانون بدون أخلاق، وهذا ما صرح به فلاسفة الغرب واعترفوا به، كيف لا وقد قال القاضي "ديننج" القاضي البريطاني، عندما عقب على فضيحة وزير بريطاني بفضيحة جنسية قال: لا يُمكن أن يَكون هناك أخلاق بدون دين، ولا يمكن أن يكون دين بدون أخلاق، فالأخلاق هي أولاً وآخراً.

تعالوا أيها السوريون جميعاً لكي نَكون قدوة حقيقة، لكي نظهر أخلاقنا الحقيقية، لنتعاون جميعاً على تنظيف شوارعنا، لكي نَقضي جميعاً على ظاهرة الميوعة والتفسخ الجنسي الذي نراه في الشوارع وفي الحدائق العامة، ميوعة غليظة، ميوعة منكورة في الإسلام، تمجها الأخلاق، تعالوا لنعود إلى أخلاقنا، تعالوا لنحترم دماء شهدائنا، تعالوا لنقف جميعاً في خندق النظافة والإخلاص والنظام، تعالوا لِنُعطي الصورة الحقيقية عن أنفسنا بأننا سوريون حقيقيون، نحترم بعضنا البعض، نمجد بعضنا البعض، ونقيم القوانين والدساتير فيما بيننا على هذا المبدأ.

المشروع الوطني للإصلاح الإداري يخدمك أولاً وأخيراً أيها المواطن، لِنتحلى جميعاً -أيها الإخوة- بالأخلاق وبالحلم وبالصدق، ولنكن خلف هذا الزعيم العربي الذي يَأخذ بأيدينا إلى الحضارة إلى الازدهار إلى التقدم، لتكون لنا في السنوات القريبة القادمة كلمة في المحافل الدولية، ولِنُعطي العالم أجمع أن السوريون أو أن السوريين هم أصحاب أخلاق وأصحاب مبادئ وأصحاب فضائل عبر تاريخهم الطويل، كانوا وما زالوا وسيبقون، وصدق النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)).

 


 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً .

اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه, واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1220
تحميل ملفات
فيديو مصور