بتاريخ: 28 من رمضان 1438 هـ - 23 من حزيران 2017 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ( [المؤمنون: 52].
ورد عن سيد الخلق الناطق بالحق أنه قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)).
معاشر السادة: في كل بلد عربي ومسلم -إلا مَا عصم الله- تَجد فتناً مائجة وشعوباً نَسوا الله فأنساهم أنفسهم، ووسط هذا الشتات السياسي والعسكري يرسخ اليهود أقدامهم في الأرض التي أغاروا عليها وهم آمنون مطمئنون، ولنعلم أن اليهود النازحين إلى فلسطين طليعة لعالم كبير طويل عريض، يعج بحاقدين على العرب، ليس لحقدهم نهاية، وهذا الحقد يذكرنا بقول الشاعر:
من كان يسألني عن أصل دينهم *** فإن دينهم أن يُقتل العرب
إن للنزاع جذوراً تاريخية عميقة، جعلت وراء اليهود مُستودعاً من الرجال والأموال في أوربا وأمريكا، يَستندون إليه عندما يهاجمون ويعتدون، أما البائسون من عرب فلسطين فماذا وراءهم؟ وهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم، وراءهم عرب متخاصمون أو مسلمون بأسهم بينهم شديد، شغلتهم حزازاتهم عن نجدة إخوان العقيدة.
لقد أكد القرآن الكريم على ضَرورة تماسك الأمة وتعاضدها ووحدتها ووقوفها في صف واحد، حتى تستطيع مقاومة الأعداء الحاقدين، حيث قال سبحانه: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة: 2].
إن الوحدة بين العرب والمسلمين هي الطريق الوحيد الذي يَستطيعون مِن خلالها أن يستردوا حقوقهم المغتصبة وكرامتهم المدنسة.
إن الغرب يُدرك خُطورة هذه الوحدة، فهو يَحرص جاهداً على تفتيتها وتمزيقها، وإيقاع الخلافات والنزاعات بين صفوفها، حتى يستطيع الوصول إلى مآربه وأهدافه بأقل ثمن، وتتجلى هذه الحقيقة بقول "الماريشال اليوتي" عندما قال: ]إنه على الغرب أن يجعل العربي المراكشي أجنبياً على العربي الجزائري، أجنبياً عن العربي التونسي، وعن العربي الليبي، والعربي المصري أجنبياً عن العربي السوري وعن العربي العراقي[، بل إن "الماريشال" في هذا الشأن قد ذهب إلى أبعد مِن ذلك، فنادى بضرورة خلق جنسيات جديدة بين العرب، تتميز بالخلاف في المذاهب، وتطويرها بحيث تحول العرب من القومية العربية والرابطة الإسلامية إلى طوائف إسلامية متنافرة متخاصمة.
لقد تناول الغرب بالدراسة والبحث موقفه مِن الحركات الوطنية في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي، وذلك بعد انهيار الدولة العثمانية وزوال الخلافة الإسلامية، ومِن ثم زوال تلك الرابطة المعنوية التي كانت تجمع المسلمين، وبقي على الغرب عندئذ أن يَأمن خَطر بعث القومية العربية كحركة ذاتية وقوة دافقة يمكن لتيارها أن يجرف أمامه كل ما يَعوق نهوض العرب، قوة تستنهض العزائم وتلهب الشعور، وتذكر العرب بأمجادهم، وتكون بمثابة انطلاقة قوية للأمة العربية لكي تطلع بدورها الذي يفرضه التاريخ عليها.
وقد أعد الغرب خُططاً ودراسات لمواجهة العرب، والجدير بالذكر أن هذه الدراسات تولتها الحكومات وتولتها المؤسسات ذات النزعة العنصرية، وتولتها الجامعات في حلقات دراسية، وإن ما نقدمه في هذا الشأن إنما هو خلاصة ما سُمح بنشره من آراء قادة الاحتلال وفلاسفته وساسته، كأمثال "الماريشال اليوتي" والجنرال "فيجان" و"كامبون" و"رينيه بينون" و"الكونديسان تولر" والمستشرق "ماسينيون"، وغيرهم في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، انتهت دراسة الغرب إلى نظريات وآراء تؤكد نعم تؤكد أن العرب قد فقدوا السلطة، أن العرب في مراحل تاريخهم قد فقدوا السلطة السياسية المركزية التي تشرف وتهيمن على قضاياهم ومصالحهم، وتدافع عن ديارهم دفاعاً شاملاً، كما فقدوا الزعامة والقيادة التي توجههم وتبصرهم بعواقب إغفالهم لحقوقهم، وللمكانة التاريخية التي كانوا جديرين بها، وقالت تلك الآراء: ]إن إيقاظ وتحريك الشعور القومي بين العرب لن يوفر لهم القوة التي هم في أمس الحاجة إليها ليواجهوا بها الغرب فتوافرها لا يمكن أن يتأتى للعرب إلا عن طريق تحقيق الوحدة بينهم، والوحدة هي الخطر الحقيقي الذي يُهدد مصالح الغرب بل يُهدد حياته ووجوده في الشرق[.
إنَّ هذه المكائد والدَّسائس -يا سادة- لا نَستطيع مواجهتها إلا بالاعتصام بحبل الله والتمسك بالأخوة وصيانة الجماعة من الفرقة والعداوة، من أجل ذلك خاطبنا ربنا بقوله سبحانه: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( [آل عمران: 103].
وقد علمنا النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم أن الانفصال عن الجماعة ضياع وشتات وهلاك، عندما قال في الحديث الذي رواه أبو داود: ((فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية)).
إن العرب والمسلمين عانوا ألواناً مِن الغَمط والحيف لا حصر لها، بل تعرضت أجيال لعذاب الاستئصال دون سبب، وقد كان العرب والمسلمون يحسبون أن هيئة الأمم ومجلس الأمن سيكونان حكومة عالمية تطارد العدوان وتقيم الموازين القسط بين الناس كافة، ولكنهم استيقظوا على واقع أليم، فماذا يقول العرب والمسلمون وفلسطين تُغتصب منهم جهرة، ويعين على اغتصابها أكبر دول العالم، وماذا يقول العرب والمسلمون وهم يُعانون ضيماً يُوشك على إبادتهم، والغريب أن الولايات المتحدة قاطعت هيئة اليونسكو، وعملت على تقويضها، لأن الهيئة لم ترض عن جور اليهود في فرض طابعهم على أرض ليست لهم، لقد غاظ العرب والمسلمين أن تعترف الأمم المتحدة بإسرائيل فور إنشائها، وغاظهم أن تُصرَّ على إهدار حق العرب برغم تفانيهم في استرداده.
إن هذه المؤسسة العالمية لا شرف لها، والعالم كله يعرف عن دول أوربا أنها أقصت كل أثارة للشرف والخلق في علاقاتها السياسية بأمم الشرق، وأن سياسية الغربية قد أسقطت مكانة الضمير الإنساني، سواء فيما يدور بينها من خلافات أم فيما يدور بينها وبين غيرها من مشاكل وخصومات، وكلنا يَعلم أن السياسة الغربية مُتخصصة في الكذب والنفاق والاحتيال، وقد سقطت همتها الخلقية، فبدلاً من أن تجاهد هواها اعتبرت الهوى شريعة، وسارت بإيعاز إلى ما تشتهي، وهي تريد أن تسير الدنيا كلها معها في هذا المضمار الملوث، والعالم كله يعلم أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا لوثوا تاريخ العالم بغدرهم وخيانتهم، ومضوا في طريق شائنة، وحولوا المفاوضات والمؤتمرات إلى أسواق تباع فيها الذمم، بل حولوها إلى مزايدات علنية خسيسة تقدم فيها الأصوات لمن يدفع أكبر ثمن، هذه المواقف الخسيسة جعلت الإمام الخميني ينتفض في وجه الظلم والاستكبار العالمي.
ففي السابع من شهر آب من عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين جعل الإمام الخميني رحمه الله تعالى وطيب ثراه الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوم القدس العالمي، لقد أيقظ هذا اليوم الإحساس في قلوب العرب والمسلمين، وعلى أثر ذلك الحدث الجليل فإننا نلحَظ إحساساً عاماً بين جماهير العرب أنهم تخلفوا، وكان ينبغي عليهم أن يتقدموا، وأن كرامتهم جُرحت جراحات عميقة وكان ينبغي أن يصان ويعز، وأن خيراتهم استلبها عدوهم وحرمهم منها وكان يجب أن يمتلكوها وينتفعوا بها، وأن مبادئ معوجة انتشرت بينهم وكان يجب أن يستغنوا برسالتهم عن كل مذهب مستورد وقانون مجتلب، وقد اضطرم هذا الإحساس في أفئدة العرب والمسلمين، فكان مصدر ثورات هائلة ضد الاحتلال الجاثم على صدورهم، ومصدر حركة دائبة لاستعادة أمجادهم التي فقدوها.
معاشر السادة: إننا في هذا اليوم الأغر المبارك في هذه الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، من العشر الأخير الأواخر من هذا الشهر الكريم، عشر العتق من رمضان، في هذا اليوم الجليل نحتفل بيوم القدس العالمي، وكل عربي ومسلم وشريف على ظهر هذه الأرض وموجود في القارات الخمس يُعظم ويُقدس هذا اليوم، ويَضع نُصب عينيه ويُعلم أبناءه ويُعلم الأجيال القادمة أن عدونا الوحيد هو الكيان الصهيوني، وأن هدفنا الوحيد في هذا الكون وغايتنا الوحيدة هو أن نرى أقصانا الشريف مُطهراً مِن براثن الصهيونية العالمية، وهو أن نرى أرض فلسطين الحبيبة عادت إلى أصحابها عزيزة كريمة، ونحن نُؤمن وليس ذلك على الله بعزيز، سيأتي يوم وستجتمع بإذن الله كلمة العرب على الله جل جلاله، وستنطوي تحت راية الإسلام وراية المسيحية لتسير بعدها القوافل جحافل مخيفة إلى أرض فلسطين لتطهرها من نجس أولئك الأقزام الذين دنسوا الأرض وانتهكوا العرض وداسوا الأديان السماوية تحت أقدامهم وبأقدامهم، وستبقى دمشق قلب العروبة والإسلام بقيادة الزعيم العربي الشريف المؤمن بشار حافظ الأسد، ستبقى دمشق رمز المقاومة والمقاومين، ستبقى دمشق عرين الأسد وعرين الأسود، وستبقى المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله شوكة في حلوق أعدائها وأعداء كل من يكيد لها ويمكر بها، وستبقى الجماهير العربية تقول: نعم للقدس، لا "لأورشيليم"، مهما تآمر العرب على قدسهم وعلى أقصاهم، ومهما باع الأعراب من كرامتهم وأموالهم للشيطان الأمريكي، فالشعوب اليوم تعول على الحكام الشرفاء، تعول على المقاومين الشرفاء، تعول على القائد المقاوم حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونحن اليوم قد زارنا سعادة السفير سفير الجمهورية الإسلامية بدمشق "جواد تركبادي"، السفير المقاوم السيد المقاوم، وزارنا أيضاً القائد المجاهد "أحمد جبريل" القائد العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، وزارنا وتشرفنا بزيارته أمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق المقاوم "حسام السمان"، هذه الثلاثية التي ترونها أمامكم هي محور المقاومة، وهي رسالة أن دمشق ما ركعت في الماضي لأعدائها وحسادها، وانهزم أعداؤها وحسادها على أسوارها، ستبقى دمشق منارة الصمود ومنارة المقاومين، ونحن نقول لسيد المقاومة حسن نصر الله: يا سيد المقاومة، إننا نقسم بالله العظيم أننا خلفك، أننا مع سياستك التي تعمل في ليلها ونهارها على دك تل أبيب بصواريخ المقاومة بصواريخ رجال الله رجال هذه المقاومة الشريفة والنزيهة.
أيها السوري, أيها العربي: انتصارات جيشنا تزداد يوماً بعد يوم وتتوسع يوماً بعد يوم، ومرحلة قليلة بإذن الله سيرتفع علم الجمهورية العربية السورية فوق سماء الغوطة الشرقية، لتُعلن غوطتنا الحبيبة أنها تخلصت من دنس المجرمين المارقين ومن خدام نتنياهو ومن خدام سلمان بن عبد العزيز ومن خدام أردوغان، لكي نُعلن للعالم مِن جديد فصلاً جديداً ودرساً جديداً في الانتصارات أن سوريا هي التي صنعت الانتصارات وهي التي تسير في طريق الانتصارات فإن جيشها جيش مؤيد من عند الله، لمَ أيها السوري، لمَ أيها العربي؟ لأنه جيش على الحق، صان الأرض وصان العرض.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا كريم, اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا كريم, اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا كريم.
(فقوا أيها الإخوة، فقوا من بعد إذنكم لندعوا لرجال الله رجال الجيش العربي السوري، يَستحقون مِنا كل إجلال كل محبة كل تقديس).
اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الله رجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثَبِّتَ الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم إنا نسألك أن تنصر القائد المؤمن والقائد المقاوم والجندي الأول بشار الأسد، وأن تأخذ بيده إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن تجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, وأن تجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.