بتاريخ: 27 من جمادى الأول 1438 هـ - 24 من شباط 2017 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب( [ص: 26].
روى ابن حبان في صحيحه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع)).
معاشر السادة: إن الزعامة في طبيعتها هي قيادة المجتمعات الإنسانية في مراحل تطورها قيادة تنير الطريق أمام المجتمع، كما تكون له بمثابة المحرك القوي الذي يحركه ويلهب شعوره، والزعامة دائماً سِمات نفسية ومواهب ذهنية وخصائص خُلُقية، لا يُمكن أن تتوافر للإنسان العادي، ومِن شأن هذا التكوين النفسي والذهني والخلقي أن يربط شعور صاحبه أتم الارتباط بشعور أفراد مجتمعه، بحيث ينفعل تماماً بآمال أمته وبآلامها، وبحيث يخفق قلبه بخفقات قلوب أبنائها، كما أن هذا التَّكوين بطبيعته يُؤهل الزعيم بالعديد من الإمكانيات الذاتية التي يَنفرد بها، فتأهله بالقدرة الخارقة على تحري الحقائق في كل الأمور وعلى تفهم الأسباب الجوهرية للمشكلات والسبيل إلى حلها، وتأهله بالقدرة الخارقة أيضاً على تحويل آمال الشعب وأمانيه إلى حقائق وإلى واقع ملموس، ومِن ثم فقد كانت للزعيم موهبته الخارقة التي بها يُعالج في يُسر ودون عناء أشد المشكلات تعقداً أمام الإنسان العادي، ويُدبر الحلول الملائمة لها، والتي لا يرقى إلى إدراكها إلا الذين خصهم القدر الأعلى بميزات الزعامة، وهو بهذا يجد في نفسه القدرة التي تمكنه من مواجهة الصعاب بالغة ما بلغت شدتها، وتحويل صعوبتها إلى سهولة.
ثم إن ملامح الزعامة الأصيلة تتضح تماماً في قُدرة الزعيم على التمييز بين الصعب من الأمور وبين المستحيل منها، مما يَجعله قادراً تماماً على اتخاذ أشد وأخطر القرارات في أحرج المواقف دون تردد أو إحجام، وهو مُدرك كل الإدراك آثار قراراته ونتائجها، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما مات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رأى الناسَ قد تزلزلت أقدامهم واضطربت قلوبهم، فجمعهم ووقف بهم خطيباً فقال: (أيها الناس، مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وكما فعل عندما حارب المرتدين مانعي الزكاة حيث قال: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، وهذه الخصائص والمواهب الزعامية لا تطرأ على حياة الإنسان ولا يكتسبها بل إنها تولد مع صاحبها وتنمو في نفسه مع الزمن، والأحداث والمواقف العصيبة والحرجة هي التي تتولى كشفها، وهي التي تشير إليها ليراها صاحبها في نفسه وليراها المجتمع في صاحبها، فالفضل في اكتشاف الزعيم يَرجع دائماً للشدائد والمحن والأحداث التي تُلِمُّ بالأمم وتنزل بالشعوب.
إن دور هذه الشدائد والأحداث لا يقف عند حد الكشف عن المواهب الزعامية، بل يَظل دورها قائماً في حياة الزعيم بَعد أن تضعه على المسرح، فهي التي تُشير إلى مدى طاقة هذه المواهب على الاستمرار في الصمود والثبات أمام الأحداث.
إن مواهب يوسف عليه السلام كشفها القَحط والجفاف الذي ضَرب مِصر، واستطاع نبي الله يوسف بصبره وثباته وحكمته وأناته أن يَدحض مَزاعم المشككين وكذب المفترين.
وإنه لجدير بنا أن نشير إلى الغذاء الذي يَكفل للزعامة بقاءها واستمرارها، هذا الغذاء هو الجبهة الداخلية، فكما أن الزعامة تفرض على الزعيم واجباته نحو الشعب لكي ينهض بها، فإنها أيضاً تفرض على الشعب واجباته لكي يَتَّطرد هذا النهوض، ومن أجل أن يستمر الزعيم في أداء رسالته نحو الأمة، ولا بد في سبيل هذا الواجب من أن يحمل أفراد الشعب جميعاً ألوية رِسالات صغيرة تَندفع في موكب تخفق عليه راية الرسالة الكبرى التي يحملها الزعيم، وهذا ما عاناه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عندما قال: (أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حَقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسَدِّدُوني)، أي ضموا راياتكم إلى رايتي، وكونوا عوناً لي على أمور دينكم ودنياكم.
لقد أكد القرآن الكريم على دعم الجبهة الداخلية لزعيمها ومساندتها له، وذلك لكي يستطيع هذا الزعيم أن يُخرجها من ورطتها ومن المآزق التي وقعت فيها، ولكي يَكُفَّ عنها عدوان المعتدين، حيث قال سبحانه: )قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا( [الكهف: 94-95].
إن القيادات الزعامية منذ أن كانت هي التي سطرت صفحات التاريخ، وهي التي غيرت مجراه في شتى مراحله، وهي التي حددت أبوابه وفصوله، بل هي التي قررت مصاير الشعوب وأدارت دفة الحرب ودفة السلام.
وإن الأمم التي توافرت لها الزعامة الصالحة عرفت طريقها إلى المجد والرخاء والسيادة، وإن الأمم التي حُرمت من الزعامة الصالحة ضَلَّت طريقها وابتعدت عن المجد والعز والسيادة، على أن أثر الزعامة الحقيقي لا يبدو جَلِيَّاً في سير الحياة العادية للشعب، وإنما يَبدو حين تُلِمُّ بالشعب ملمة أو تنزل بالأمة كارثة عامة لتعصف بمبادئها ونظمها وأمنها واستقرارها، فعندئذ وحِين يهتز كيان الشعب ويُحدق به الخطر يَبدأ دور الزعيم، وتَظهر خطورة العبء الذي يكلف به لدرء الخطر وانتشال الأمة من كبوتها والدفاع عن قضيتها.
لقد بَيَّنَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا ينبغي للزعيم أن يتخلى عن شعبه وأمته عندما تحتاج إليه، بل يجب عليه أن يَقف إلى جانبها ويدافع عن حقوقها حيث قال: (إني كُلفت بإمامة هؤلاء الناس حين كان النكوس إضاعة والخذل تفريطاً)، أي أنَّه ما رغب في الإمارة ولا أحبها، ولكنه أحس أن الجبن عن قبول المنصب المعروض سيعرض الأمة لفتن شِداد.
يا سادة: إن اليهود الصهاينة على مر التاريخ لم يَرُق لهم أن يروا هذه الأمة تظفر بزعماءَ شرفاء يتصفون بالعبقرية وبالصلاح والرشاد، وهذا الأمر دفعهم إلى حِياكة الفتن لضرب الإسلام في صَميمه، وللقضاء على الزعماء الشرفاء.
إن التاريخ البشري لم يعرف حاكماً أعدل مِن عمر، ولا أنبل من عثمان، ولا أطهر من علي، وجماهير المسلمين تعرف هؤلاء الرجال، على أنهم أئمة هداة وأعلام في طريق الحق، وما يَنحرف عنهم إلا شقي، ومع ذلك سعى اليهود إلى الكيد بهم والطعن بهم ليتخلصوا منهم، وهذا المسلك الدَّنيء يجعلنا ألا نأمن لأعداء الله، وأن نجعل دولة الحق وراء سياج من الحذر واليقظة.
هل تدري -أيها المسلم أيها العربي- أن الغرب يَحرص دائماً على مراقبة مُجريات الأمور في الشرق، وذلك حتى يحول دون وصول الموهوبين والشرفاء إلى مراكز القِيادة والتوجيه في الشعوب، حيث يعتبر الغرب أن تبني مثل هؤلاء الزعماء لِقضايا العرب خَطراً دائماً على مَصالحهم ومِن الطبيعي أن هذا الخطر يُملي على الغرب العمل من أجل التخلص من هذا الطِّراز مِن الزعماء مُستعيناً في ذلك بكل الوسائل، ومن بين هذه الوسائل الالتجاء إلى قوة السلاح عند الاقتضاء، وليست حرب السويس التي شنتها بريطانيا وفرنسا على مصر إلا صورة واضحة لما يُمكن أن يقدم عليه الغرب من المغامرات في سبيل أن يتخلص من زعيم قوي يَرى الغرب في زعامته كل الخطر على كيانه وعلى وجوده في الشرق.
معاشر السادة: إن الجبهة الداخلية في الجمهورية العربية السورية أدركت مُنذ بداية هذه الحرب الحاقدة الماكرة والفاجرة، أدركت أنها تستهدف ثلاثة أركان في هذا الوطن الحبيب:
الركن الأول: هو القائد المؤمن بشار الأسد.
والركن الثاني: هو علم الجمهورية العربية السورية.
والركن الثالث: هم رجال الله رجال الجيش العربي السوري.
فعملت الجبهة الداخلية بكل ما تستطيع، وصبرت وتحملت من البلاء والتشريد والآلام ما تحملت في سبيل أن تساند هذا الحاكم هذا القائد الذي وقف بحق والذي ناضل من أجل الدفاع عن شعبه وعن قضيته وعن وطنه.
وإن اليهود الصهاينة اليوم يَسعون بكل ما أُوتوا مِن قوة وجبروت هم وأسيادهم الأمريكان والغرب بشكل عام بالتنسيق مع خُدامهم وأذنابهم مِن المرتزقة المسلحين أن يُدمروا هذا الوطن أكثر وأن يضعفوه أكثر حتى ينهار، وذلك لِكَي يُعلنوا من عند أنفسهم كما يزعمون وكما هم يتوهمون قائداً يتعاون مع الكيان الصهيوني، وكَثير ما سمعنا مِن المرتزقة المسلحين أنهم قالوا لليهود: [انهوا النظام في سوريا ونحن نتعاون معكم، ونحن نطبع العلاقات معكم، نحن نفعل كما تريدون وأكثر، نحن خدم صغار لكم]، هكذا هم قالوا هذا بالحرف الواحد، لكن الجبهة الداخلية هي التي تصدت لهذه المؤامرة الخطيرة، وبَيَّنت للعالم بأسره أن سوريا هي بلد الأسود والرجال، لا يُمكن أن تركع ولا أن تخنع ولا أن تنحني إلا لله عز وجل.
وإننا لنستغرب واستغربنا أيضاً من تلك الوفود التي جاءت من فرنسا وبريطانيا وغيرها، وقابلت السيد الرئيس قائد الوطن، وسألته وكان كلهم يسألون، لأنهم يعزفون على وتر واحد، يسألون السيد الرئيس عن وضعه تجاه هذا الوطن، كان يقول لهم -وقالها مِن قبل ومن بعد-: {بما أن شعبي هو يُحبني وهو يريدني فأنا أقف إلى جانبه}، وهذا هو مبدأ هذا الشعب، وهذا هو مبدأ القيادة مع الشعب، من أنتم يا خونة حتى تتدخلوا في شؤوننا، لماذا تخافون من صناديق الاقتراع، لماذا تخافون من الانتخابات، ما الذي تريدونه؟ قالت لكم الحكومة: اذهبوا إلى صناديق الاقتراع، جبنتم وفشلتم وخسئتم وخبتم، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ هذا دليل -أيها السوري أيها الدمشقي- أنك شريف وعريق، أنك وقفت بحق وبأمانة من أجل أن تحقن الدماء أولاً، ومن أجل أن تصون العقوبة والمسيحية والإسلام ثانياً، إنك وقفت بحق وهذا الموقف يجب علينا أن نُجسده بصدقنا مع هذا الوطن، بصدقنا أيضاً مع قائد هذا الوطن، وبدعمنا أيضاً لرجال الله رجال الجيش العربي السوري، وسنبقى نقول دائماً لأعدائنا كما قال عمر المختار وهو يُقاتل في الجبال وفي الصحراء المترامية الأطراف، عندما قالوا له: إن كريستيان قد حشد لك الحشود الهائلة، وماذا تستطيع أنت يا عمر أن تقف أمام الطائرة الإيطالية والدبابة الإيطالية بدابة متواضعة وبندقية متواضعة؟ قال لهم: (ننتصر أو نموت), ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأعطنا ولا تحرمنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين, اللهم إنا نسألك أن تنصر رجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم, وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.