بتاريخ: 10 من ربيع الأول 1438 هـ - 09 من كانون الأول 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ([الأحزاب: 45-46].
يا سادة: عندما يتحول العالم إلى ليل ضرير طامس، لا تَلوح فيه نجمة هادية، ولا تسمع فيه كلمة مؤنسة، فإن حاجة الناس فيه إلى الدليل الخبير والرائد البصير لا تُقدَّر.
عندما تشيع الخرافات وتستقر الأوهام، وتركض الجماهير إلى غير هدف أو إلى هدف باطل، فإن حاجتها إلى الغاية الصَّادقة والطريق المستقيم لا تُقدَّر.
عندما يَستحكم الهوى وتكمن مآربه في المسالك المعتادة أو في بعض صور العبادة، وتنفرد الشهوات المادية والنفسية بزمام البشر، فإن الحاجة إلى القلب النقي والباعث الشريف لا تُقدَّر.
قبل الشُّروق المحمدي كان كل شيء يرقب الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وكانت المظالم والخرافات والأهواء قد أضنت الركب السائر، وجعلته يدور حول نفسه في طريق مسدود، وبدأ الصَّباح الإسلامي مده العريض مِن فلك النبوة الخاتمة.
للجهل ظلام لا يمحقه إلا ضياء العلم, وللرذيلة سواد لا يمحوها إلا سناء الفضيلة, وللريبة ظلال لا تنسخها إلا أشعة الحقيقة, وللبغي غِشاوة لا يَحرقها إلا وهج العدل, ولنسيان الله ثم نسيان النفس ليل مُعتكر داكن طويل لا يَشُقه إلا صبح الإيمان، ولا يُمزق حُجبه إلا ضُحاه الممتد العريض, وقد كان محمد نوراً يتألق سِراجه في آفاق البشر مِثلما تتألق الشمس في كبد السماء، وكانت أقباس هذا النُّور تُخامر الأفئدة وتنساب إلى العقول لِتُخلص المؤمنين من ظلمات الحيرة والطيش والتخبط, وإلى هذا النور أشار القرآن بقوله سبحانه: )اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ([البقرة: 257], ومن ثَمَّ تميز المؤمنون الذين يتبعون محمداً بأنهم قوم مُستنيرون، يَعلمون حين يَجهل غيرهم, ويَكملون حين يَنقص غيرهم, ويَطمئنون حين يَرتاب غيرهم, ويَعدلون حين يَظلم غيرهم, ذلك بأنهم خَرجوا من ظلمات الجهل والرَّذيلة والرِّيبة والبَغي والضلال، ومشَوا في أنوار الحياة الصحيحة، وشتان بين من يمشي في النور وبين من يمشي في الظلام، وإلى هذه الحقيقة أشار القرآن بقوله سبحانه: )أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلكافِرينَ ما كانوا يَعمَلونَ ([الأنعام: 122].
إن الإسلام نور تستهدي به الأفراد والشعوب، واستمع إلى توكيد هذا المعنى فيما نَسوقه إليك مِن آيات بينات، حيث قال سبحانه: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا( [النساء: 174], وقال سبحانه: )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ([الشورى: 52], وقال سبحانه: )فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ([التغابن: 8], وقال سبحانه: )....قَدْ أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّـهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ( [الطلاق: 10-11].
إن محمداً صلى الله عليه وسلم يُحب النور، ويسأل الله في أحواله كلها مزيداً منه، ويكره الظلام وينأى بقلبه ولبه عنه لا ظلام الليل، ولكن ظلام الجاهلية ظلام النفاق ظلام الانقطاع عن الله، وهو لذلك يدعو الله أن يغمره بالنور حتى لا تعمى عليه سبيل وحتى لا يلتوي به هدف، إنه يدعو الله أن يشع من حوله هالة لا تنطفئ أبداً، بل إنه يدعو أن يغلغل هذا النور كيانه حتى يمتزج بجلده وعصبه, فقد روى الإمام أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو قائلاً: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا, وَفِي لِسَانِي نُورًا, وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا, وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي وَمِنْ أَمَامِي نُورًا, وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي وَمِنْ تَحْتِي نُورًا, اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا)).
إن الحجب المركبة والغشاوات المضاعفة هي طبقات عازلة تمنع التيار من المرور, وإذا انقطع التيار واحتُبست قواه المحركة والمبصرة فلن يَكون ثَمَّ إلا الظلام والموت والذل والندم والخسران، ولذلك تجد الخبثاء الأشرار الذين قضَوا أعمارهم في ظلمات أهوائهم وشهواتهم يَصرخون بالمؤمنين طالبين النَّجدة قائلين لهم: )انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا( [الحديد: 13].
إن محمداً نبي النور، ولسنا ندري كيف ينتسب إليه شخص مظلم أو أمة مظلمة، هناك عقول تأوي إليها الخرافة وتسكنها الأباطيل ما صلتها بالإسلام إذا القرآن الذي نزل على محمد مبنياً على الحقائق معنياً بها وحدها، إن الذين يفقدون أنوار العلم والفضيلة والحق والعدل والإيمان ليسوا من النبي العربي محمد في شيء، ولا تُغني عنهم مزاعمهم في هذا الصَّدد شيئاً.
قال أحد علماء مصر رحمه الله: سَمعت أحد النَّاس يذكر ما روي عن الرسول الكريم: ((تناكحوا تناسلوا تَكاثروا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)), فقلت في نفسي: يا ليتنا نكون أهلاً لهذه المباهاة! يا ليتنا نكون أهلاً لهذه المباهاة!.
إنَّ ظُلمات الفوضى والمذلة والجهالة التي تَلُفُّ جماهير المسلمين اليَوم تجعل نَبيهم ينظر إليهم فيأسى، أَليس هو نبي النور؟ فما للنور وأهل القبور، والله ما يبالي بكم محمد وما يتوانى عن البراءة منكم إلا أن تكونوا كما أراد الله ورسوله مؤمنين حقيقيين ومسلمين صادقين.
معاشر السادة: عندما تجلس لوحدك وتفكر ملياً وأنت حزين مستغرب عما يجري في بلدك وفي العالم العربي والإسلامي يتجلجل في صدرك السؤال المؤلم: ماذا حدث؟ ما الذي جعلنا ننحدر إلى هذا القاع؟ لقد كُنَّا صفاً واحداً فانصدع هذا الصف، الناس في شرق أوربا وغربها يتجمعون، ونحن وحدنا نتفرق، ترى اليهود يداً واحدة تَضربنا بقوة، وترى هذه الأمة تنتحر بعد أن وقع زمامها في أيدي الشيطان.
إن العربي -يا سادة- يَصطبغ وجهه بالعار عندما يرى أبناء العروبة والإسلام يَقتلون بعضهم ويسفكون دماءهم، إن العربي يَصطبغ وجهه بالعار عندما يرى ثروات الأمة وطاقاتها تُسرق وتُنهب بأيدي أبنائها وبأيدي اللصوص الغرباء.
ليس الاحتفاء بالمولد -يا سادة- توزيع حلوى ومدحاً وإنشاداً، إن الاحتفاء الحق يوم نتشبث بوحدتنا ورسالتنا وندافع عن كرامتنا وأوطاننا، إن الاحتفاء الحق بالمولد يتحقق يوم يكون المؤمنون كالبنيان المرصوص، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الاحتفاء الحق بالمولد يتحقق يَوم نُزيل الحقد والغل من قلوبنا، ونعمل جميعاً على رفع راية المحبة والتراحم والمؤاخاة، إن الاحتفاء الحق بالمولد يتحقق يوم نرفع راية الطهر والعفاف، فلا نرى امرأة تُستغل لحاجتها، ولا نرى طفلاً تُسرق وتُستغل طفولته وهو يتسول على قارعة الطريق، فعندما نَتمسك بهذه المبادئ الراقية، ونعود إلى الحياة الصحيحة؛ عندها تحف بنا أنوار الهدى والسداد، ونكون أهلاً لأن يَتباهى بنا رسول الله، ويُباهي بنا الأمم.
معاشر السادة: إننا في هذه الأيام المباركة في شهر ربيع الأنور، ونحن أيضاً على أبواب مولد عيسى عليه السلام، رسول المحبة والسلام، إننا في هذه الأيام المباركة نَعيش في ظل هذين النورين الجليلين، نور محمد ونور عيسى عليهما السلام، وفي ظِلِّ هذه الأيام المباركة يَعُمُّ الخير بفضل الله جل جلاله أرجاء هذا الوطن الحبيب، وتَعُمُّ أيضاً انتصارات رجال الله رجال الجيش العربي السوري في حلب وفي غيرها، لقد صبر أهلنا في حلب الشهباء الكثير الكثير، وتحملوا الكثير الكثير، وإن التغيير الإقليمي والدولي والعالمي سيبدأ من حلب الشهباء، بصبركم يا أهل حلب، بوعيكم يا أهل حلب، بحبكم لوطنكم يا أهل حلب، بدحضكم للأكاذيب والإشاعات يا أهل حلب، ها هي رايات النصر بدأت تلوح في الأفق، ساعات قليلة أو أيام قليلة، وحلب عيونها خُضر كما يَصفها رجال الله رجال الجيش العربي السوري، فنحن في هذه الأيام المباركة واجب علينا جميعاً أن نَلتجأ إلى الله بقلوب صافية نقية طاهرة، داعين الله عز وجل للجيش العربي السوري بالنصر والتأييد والتمكين في حلب وفي غيرها من محافظات هذا الوطن الحبيب، فنحن نقول للعالم بأسره، نقول لأعداء هذا الوطن: لن يغلب إجرامكم وحقدكم هذين النورين، نور محمد ونور عيسى عليه السلام، فنحن في الجمهورية العربية السورية في هذه الأيام المباركة مُسلمين ومُسيحيين نَلتَفُّ جميعاً يداً بيد على طاولة الحب والإخاء والتسامح والتراحم، لكي نَحتفي بهذين النورين الكريمين، ولكي نُبين للعالم بأسره مِن دمشق خَرج النور وسطع شعاعه على العالم أجمع، ومِن دمشق سُطرت الانتصارات وسُطرت الكبرياء الحق الذي تمثل به شعبنا الأبي المقاوم، هذا الشعب الذي وَقف وضحى وصمد مِن أجل أن تبقى سوريا، من أجل أن يَبقى هذا الحق، ولن نستكين، ولن نهدأ، ولن نفاوض، ولن نساوم، حتى تعود أراضينا كما كانت وأفضل بإذن الله جل جلاله، وبهمة رجال الله رجال الجيش العربي السوري, ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين, اللهم إنَّا نَسألك أن تنصر رجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تَكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنَّا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُثبت الأرض تحت أقدامهم, وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم إنَّا نسألك أن وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.