بتاريخ: 3 من شوال 1437 هـ - 8 من تموز 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ( [محمد: 22-23].
معاشر السادة: بئس الرجل الذي يعيش لنفسه وحسب، لا يهتم إلا بمآربه ولا يغتم إلا لمتاعبه، ولا يعرف إلا من يقرب له مصلحة، ولا يجفو إلا من لا حاجة له عنده، إن هذا النوع من البَشر أدنى إلى الحيوان منه إلى الإنسان، ذلك أن الإنسان يفضل الحيوان بأمرين:
أولهما: عقله المتحرك الجواب في الأرض والسماء.
والثاني: عاطفته الرحبة التي تشغله بأمر نفسه وأمر الآخرين.
إن الدَّابة قد تمتد عاطفتها إلى ذريتها حيناً مِن الزمن، ثم يَنسى كلاهما الآخر وينطلق كما يشاء، وفي الناس مَن يُصبحون ويُمسون لا يخرجون من القوقعة التي يَحيون داخلها، وهي أنانيتهم المطلقة المطبقة، والإسلام شديد الحرص على إيقاظ المسلم إلى غيره، وتعريفه بحقه وإيصائه برعايته، وأول أولئك بعد الوالدين ذوو الأرحام، فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحب أن يُبسط له في رزقه وينسئ له في أثره فليصل رحمه))، ومن حكم النبوة ولطائفها ما رواه أبو ذر قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير، أوصاني أن لا أنظر إلى مَن هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم وأن أصل رحمي، وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأن أقول الحق وإن كان مُرّاً، وأوصاني أن أكثر مِن قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة).
والأقارب ليسوا سواء ففيهم السيء الخلق القريب الشر، وفيهم الودود المقر بالجميل الناشر للمعروف، وبما أنهم يتفاوتون بين الإساءة والإحسان أمرنا النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم أن نُعامل المسيء بالإحسان، فقد روى الإمام مسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويَجهلون علي، فقال: ((إن كنت كما قلت فكأنما تُسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك))، وقد فَسَّر العلماء قوله سبحانه: ﴿خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ﴾ [الأعراف: 199]، أي أن تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك.
ونريد أن ننظر إلى دائرة الأرحام كما رسمها الإسلام، فإنها أوسع بكثير مما يظنها المرء لأول وهلة، إنها تمتد وتنداح حتى تتجاوز الأرحام لكي تشمل الكثيرين، وقد نظر الإسلام إلى النَّاس على أنهم إخوة لأب وأم، وأن هذه الصلة المشتركة لا يَجوز أن تُهمل وإن طال الزمان، وإلى هذه الناحية الخطيرة أشار القرآن بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، فالناس ينتمون جميعاً إلى أب واحد وأم واحدة، وهم رضوا أم كرهوا إخوة تجري في عروقهم دماء مشتركة، فعلى ما التقاطع والتناحر والاستكبار والاحتقار، وقد أهدر القرآن الكريم كل ما توهمه الناس مبعث انقسام وخلاف عندما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
يا سادة: إن النزعات العرقية قسمت البشر قديماً وحديثاً، ولا تزال هذه النزعات تجعل أبناء آدم كأنه لا رحم بينهم ولا قرابة، إن العالم اليوم أحوج ما يكونوا إلى حضارة يسودها الإخاء والمحبة والتعاون، ويحدوها الإصلاح، والعصر الذي يُظلنا يُوجب علينا أن نقدر مستقبل الإنسانية، وأن نُقصي عنها نوازع الإثم وأسباب الهوى، وأن ندع مكاناً للحق المجرد يفصل في قضاياها، فيريح المعذبين ويكف يد الظالمين.
لقد دعا الله المؤمنين إلى الدخول في السِّلم، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، حيث قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 208-209]، هذا النداء يتجه لكل من له دين يردع عن المحارم ويصد عن المظالم.
إننا نحن المسلمين نحمل في هذه الحياة رسالة الحق والخير والنور، ونُريد أن نَعيش بها وادعين، وأن تكون بها بلادنا مَثابةً للسكينة والطمأنينة والسلام، فهل يفقه هذا صانعوا الحروب ومشعلو العداوة والضغائن حيناً بعد حين؟.
والرسالة التي اصطفى الله العروبة لأدائها ليست بدعاً في تاريخ الحياة، ولا هي حدثاً ترمقه الأبصار بدهشة، إنها التعاليم النبيلة التي سبق أن هتف بها موسى وبشر بها عيسى، ودعا إليها الأنبياء قاطبة، وبذلوا الجهود المضنية لإقناع الناس بها وسوقهم إليها.
إن رسالة الإسلام تَرديد لكل صوت كريم دوى في القرون الأولى وتوكيد لكل منهج عظيم تنتعش بها الإنسانية وتسمو، ولذلك قال الله لنبيه: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ [فصلت: 43]. وقال لأمة الرسول العربي: ﴿يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: 26].
وبهذه الوحدة في المنهج والهدف، وبهذه الاستقامة على الجادة الممهدة والغاية الممجدة؛ يتآخى المؤمنون ويتعاونون على مرضات الله وصيانة الحقوق، ولكن نفراً من أتباع الأنبياء قد يَجهلون أو يجحدون الحدود التي وقفهم الله عندها، فإذا هم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، وإذا هم يخضعون لسياسات جائرة تقوم على التظالم واستمرار البغي.
إن العدوان على الشعوب كارثة خلقية ومَأساة إنسانية، وجرح عميق في صميم الإيمان، وتحدٍ خطير لرسالات الله، وعمل يستحيل أن يبقى معه هدوء أو تستقر عليه حال، كم تشعر بالحزن والأسى -أيها المسلم, أيها العربي- عندما تَرى بلاد العروبة والإسلام تتآكل يوماً بعد يوم، وتُنتقص من أطرافها يوماً بعد يوم، كم تشعر بالحزن والأسى -أيها المسلم, أيها العربي- عندما تَجد أبناء الدم الواحد يقتلون بعضهم ويحقدون على بعضهم.
فالعيد الحقيقي يوم يَصح مِنَّا العزم وتتوحد الكلمة، فلا ضغائن ولا أحقاد.
والعيد الحقيقي يوم تعود القدسُ لأهلها وفلسطين لشعبها، ويَخفِق علمها فوق كل شبر من أرضها.
والعيد الحقيقي يوم تتحر اليمن والبحرين من الاحتلال السعودي.
والعيد الحقيقي يوم نرى أراضي الجمهورية العربية السورية مُطهرة من كل فاجر وحاقد وماكر.
من ريف دمشق الشرقي إلى ريف حمص الشرقي يتجول الأب القائد الرحيم بشار حافظ الأسد، يتفقد جيشه على جبهات القتال وفي الخطوط الأولى، ليبين للعالم بأسره وليبين للمنافقين والمخادعين والمكذبين والكاذبين أن جيشه متحد مع القيادة والشعب معاً، وينطلق بعدها إلى ريف حمص لكي يزور جرحى الجيش العربي السوري، ويجلس أمام تلك البيوت، وإنك عندما تنظر -أيها السوري, أيها المسلم, أيها العربي- إلى هذا الزَّعيم الكبير عندما تراه جالساً بكل بساطة وتواضع أمام عَظمة أولئك الرجال وأمام تقديم وتضحيات أولئك الرجال، فإنك تَقول في نفسك وتُفصح بها مفتخراً ومتباهياً تقول: هذه ليست ببيوت متواضعة، إنها قلاع، هذه البيوت كانت قلاعاً وهي التي حمت ودافعت عن هذا الوطن الحبيب، لولا تضحيات هؤلاء الرجال، لولا صبر أهليهم الكبار والعظماء، لولا تقديمهم لهذا العطاء الكبير؛ لما ضاعت سوريا فقط بل لضاعت الأمة العربية بأسرها، هذا الجيش وأعداؤنا يقولون ذلك الصديق والعدو والقريب والبعيد يقول: إن الجيش العربي السوري يُقاتل الإرهاب ويقاوم الإرهاب عن العالم أجمع، فمهما نحن فعلنا أمام هذا الجيش الكبير فإنه لا نَستطيع ونعجز -نعم نعجر- أن نقدم لهم أي شيء اتجاه تضحياتهم، ماذا يعلو دم الشهيد -يا سادة- قولوا لي بربكم، هل يوجد شيء يعلو دم الشهيد؟ هل يوجد هناك مَن يزاود على دم الشهيد؟ هل يوجد هناك من يزاود على شرف أهل الشهيد وكرامتهم؟ أبداً، لا يُوجد لذلك كرم الله الشهداء، لذلك كرم الله الشهداء وجعلهم عنده في أعلى عليين كيف لا وقد قال جل جلاله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
فاليوم لا يُوجد مَكرمة ولا يَوجد شرف ولا يوجد كرامة إلا طريق الشهادة وطريق الدفاع عن أرض هذا الوطن، فشتان بين مَن يقدم ويضحي ويقف بنفس حار ويقف بكل ما يملك بدمه بأهله بماله بكل ما يملك وبأغلى ما يملك وبأرخص ما يملك دفاعاً عن أرض هذا الوطن، شتان بينه وبين من يغرب، شتان بينه وبين من ينافق، شتان بينه وبين من يتلاعب، شتان بينه وبين من يتذبذب، فالقضايا لا تنتصر بالمنافقين ولا بالمذبذبين، والشعوب لا تنتصر بالمتخاذلين، والأوطان لا تفتخر بالمتخاذلين، إنما تنتصر القضايا وتنتصر الأوطان وتنتصر العقائد بالتضحيات الجسام، وهذه التضحيات لها أهلها ولها رجالها.
يا سادة: إننا في ثالث أيام عيد الفطر، هذا العيد الطيب المبارك الذي هو بمثابة جائزة للمؤمنين الصائمين، الذين قاموا ليلهم وصاموا نهارهم، لا يسعنا في هذا اليوم المبارك إلا أن نَتوجه مُباركين للقائد المؤمن، هذا القائد المحب لوطنه، المحب لشعبه، هذا القائد الذي يَصل صلة الرحم التي تمتد مشارق سوريا وغربها وشمالها وجنوبها، هذا القائد الذي يَقوم اليوم بصلة الرحم، ويذهب إلى المناطق الحساسة والخطيرة، نعم لا نبالغ فيما نقول، لكنه يقول: أنا هنا أؤمن بالله وأؤمن بوطني، ومِن أجل ذلك آتي إلى كل مكان، من واجبي أن آتي إليه، لكي أقول لهؤلاء الجرحى ولهؤلاء الشهداء: نحن مَعكم، نحن نفتخر بكم، نحن نعتز بكم، أنتم أمل الدين الإسلامي، وأنتم أمل الدين المسيحي، وأنتم أمل الأوطان حتى تتحرر من براثن الغادرين، ومِن مكر الماكرين.
كل عام وسيادة الفريق الدكتور بشار حافظ الأسد هو وعائلته ومحبيه، وكل من يعرف قيمة بشار الأسد، وكل من يحترم ويحب بشار الأسد، كل عام وأنتم بألف خير، وكل عام وجيشنا العقائدي ضباطاً وجنوداً بألف ألف خير، وكل عام لهذا الشعب المقاوم الصامد الذي لم يرَكع ولم يخنع لاسيما أهلنا الشرفاء في حلب الشهباء كل عام وأنتم بألف ألف خير، والحمد لله رب العالمين.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, وأن تُثب الأرض تحت أقدامهم, اللهم وفق السيد الرئيس القائد المؤمن بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية.
)سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(