الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2016-05-22 الساعة 14:29:00
تفشي الحقد في المجتمعات
الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 13 من شعبان 1437 هـ - 20 من أيار 2016 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ( [الحشر: 9].

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن وقاتل نفس)).

معاشر السادة: من أهداف الإسلام توثيق العلاقات بين أجيال البشر، وإقامتها بين الأولين والآخِرين والأقربين والأبعدين على الأخوة العامة، الأخوة التي لا تتعصب لجنس ولا تتنكر للون، الأخوة التي تجهل كل نسبة عدا النسبة لآدم.

إن الإسلام يتحسس النفوس بين الحين والحين، ليغسلها من أدران الحقد الرخيص، وليجعلها حافلة بمشاعر أزكى وأنقى نحو الناس ونحو الحياة.

في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل عام تمر النفوس في مصفاة تحجز الأكدار وتنقي العيوب، ولا تُبقي في الأفئدة أثارة من ضغينة:

أما في كل يوم فقد بين الإسلام أن الصلوات المكتوبة لا يحظى المسلم بثوابها إلا إذا اقترنت بصفاء القلب وفراغه من الغش والخصومات، فقد روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون, وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط, وأخوان متصارمان)).

وأما في كل أسبوع فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الشحناء تحجز مغفرة الله عن العبد الحقود، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا)).

وأما في كل عام فإن لله في دنيا الناس نفحات لا يظفر بخيرها إلا الأصفياء السمحاء، ولا ينبغي للمؤمن أن يبقى مأسوراً في سجن العداوة مغلولاً في قيود البغضاء، فقد روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين، ويأخر أهل الحقد كما هم)).

إن العفو والتسامح من أخلاق الأنبياء والمرسلين، فالأنبياء لم يحملوا في قلوبهم حقداً على أحد، على الرغم من الأذى الذي أصابهم من أقوامهم، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في محبته للناس براً ودوداً، تنبثق من فؤاده النبيل عواطف جياشة لا ينضب معينها ولا يتعكر صفوها، فحسبك من نقاء صدره أن ابن أُبي الذي طعن الرسول في شرفه وافترى الإفك على أهله كفن يوم مات في قميص النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرفض النبي السمح الاستغفار له عندما طُلب منه، لكن الله نهاه عن ذلك، عندما طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يتأهب لصلاة الفجر، أدرك أنه ميت لا محالة، فإن الطعنات كانت نافذة أدت إلى تمزيق أمعائه، فأوصى الخليفة الذي سيأتي بعده بهذه الكلمات حيث قال: (أوصي الخليفة من بعدي بذمة الله وذمة رسوله، أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يُكلف إلا طاقتهم).

أرأيت -أيها المسلم- كيف يوصي عمر وهو يموت بمخالفيه في الدين ومعارضيه في المعتقد فيصفهم أولاً بأنهم ذمة الله وذمة رسوله، متناسياً الخلاف القائم في أصل الإيمان، ويطلب من الحاكم المقبل ثلاثة أمور محددة: الوفاء بعهودهم، وإقامة سياج يمنع كل عدوان عليهم، ولا يكلفون إلا بما يطيقون.

فهل وعى التاريخ أشرف من هذه المعاملة؟!

وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لا تتحلى نفوسنا بهذه الأخلاق الجليلة والفضائل النبيلة؟ ولماذا يستشري الحقد في قلوبنا ويمشي في عروقنا؟.

زعموا أن الثعلب أراد مرة أن يختطف عنقوداً من العنب، فأعياه أمره وأحس بالعجز عنه، فارتد عنه وهو يقول: إنه حامض، وتحقير الشيء الذي لا يُستطاع إدراكه شيمة الطبائع الخسيسة في البشر، وهو الذي أوحى إلى المشركين قديماً أن يَطعنوا بالمؤمنين، وأن يستهينوا بقيمة الدين الذي اعتنقوه قائلين: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: 11]، أي إنه عنب حامض.

هذه الثعلبية -يا سادة- متفشية بيننا تفشياً واسعاً، فإذا نجحنا في عمل ما تجد نظرات البرود محيطة به، وتجد هذا يهز كتفيه استخفافاً، وتجد هذا يقول: إن كثرة مشاغلي هي التي منعتني من أن أقوم بخير منه، فهناك صنف من الناس يعكفون على هدم الآخرين، والبحث عن عيوبهم والتسلي بآلامهم، ولا ندري لماذا يتخيل بعض الناس أنه لا يبني نفسه إلا إذا هَدم غيره، وهناك متملقون يقبعون تحت أقدام السادة، منتظرين الأوامر ليمدحوا هذا ويشتموا ذاك، ولولا أن عظائم الأمور تندفع بقوتها الذاتية لماتت في هذه الأجواء الخانقة.

إن فقدان التربية السليمة والتدين الحق جعل الدنيا جحيماً، وجعل العلاقات البشرية في الحضيض، والحل الفذ أن نعود إلى أخلاقنا، وأن نعمل على تنقية نفوسنا من الحقد والعداوة.

إن الحقد والعناد والعتو كانت رذائل تفصل بين القبيلة والقبيلة بل بين الفرد والفرد، حتى جاء الإسلام فمحى هذه الفواصل، وفي ذلك يقول الله لنبيه: ﴿لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلـكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيم﴾ [الأنفال: 63].

إن الله وحده بهذه الرسالة الخاتمة وذلك الدين العظيم هو الذي أقام من العرب دولة تتماسك بالإخاء الإسلامي، ويشد بعضها بعضاً في صف مرصوص أو بنيان صلب، وتواجه الأعداء في المشارق والمغارب، فلا تُنكس لها راية ولا يُسود لها وجه.

لقد استطاع اليهود -مع الاسف- أن يُشعلوا نار الفتنة بين أبناء الدم الواحد، ولا يَزالون يَمدونها بالوقود، وتزداد الخسائر وتتضاعف الضحايا، ويرمق الفلسطينيون جماهير العرب والمسلمين بين المحيطين الأطلسي والهندي، فيرونهم مشغولين بحرب الأحقاد عن إسعافهم واستنقاذهم من اليهود الغاصبين المجرمين.

إن حرب الإبادة التي يشنها النظام السعودي ضد الشعب اليمني حرب لا معنى لها، فمن المؤسف والمحزن أن تجد العرب يسارعون إلى قتل بعضهم ويتركون اليهود يسرحون ويمرحون في أرض الإسراء والمعراج.

لقد صدق الشاعر عندما قال:

سريع إلى ابن العم يلطم خده *** وليس إلى داع الندى بسريع

يا سادة: إننا حصدنا الفرقة والخصومة والعداوة والبغضاء من أصحاب الألسنة العمياء وشيوخ الفتنة، ولا نعرف أياماً العرب والمسلمون فيها فقراء إلى التعاون والتواد من هذه الأيام النكدة، فنحن في شهر شعبان المبارك، وسمي شعبان لأن أعمال البر والخير تتشعب فيه، ومقبلون بعد أيام قليلة على شهر رمضان المبارك، "اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران" ومقبلون بعدها على شهر رمضان المبارك، فإنه حري بنا كمسلمين ومؤمنين وعرب أن نعود إلى أخلاق الإسلام، إلى أخلاق العروبة، إلى أخلاق الديانات السماوية، التي دعت جميعاً إلى الأخوة، إلى المحبة، إلى التآلف، إلى التكاتف، إلى التعاضد، إلى التساند، حياة بدون محبة بدون أخوة بدون تعاون لا قيمة لها ولا معنى لها.

ونحن اليوم كسوريين نعاني ما نعاني من الإرهاب والإجرام الذي ضرب أمننا واستقرارنا وسعادتنا وحياتنا، أحوج ما نكون إلى الحب إلى الأخوة، إلى أن نكون متكاتفين ومتعاونين متراحمين، وإلا فالطامة كبيرة إذا كنا نحقد على بعضنا في الداخل، فلا عتب على العدو أن يفعل بنا ما يفعل من الخارج، فعيب على المسلم أولاً أن يحقد على أخيه المسلم، وعيب على العربي أن يحقد على أخيه العربي، فالحقد والكراهية ليست من أخلاق العروبة والإسلام ولا الأديان السماوية أبداً، ونحن اليوم ينبغي علينا أن نعلن صلحاً مع الله أولاً، بالتوبة والرجوع إليه جل جلاله، وأن نتصالح ونتسامح ونتصافح فيما بيننا، حتى نزيل الحقد والغش من قلوبنا والكراهية والعداوة، وأن نصطلح مع الوطن، والاصطلاح مع الوطن يكون بالحب له، بالعشق له، بالموت فيه، بالدفاع عنه، بإثار كل رخيص ونفيس من أجل الوطن، من أجل حماية الوطن.

ألا ترون -أيها السادة- عندما حقد البعض على الوطن ماذا فعلوا بأرضهم ووطنهم، دمروه، هدموه، ضربوا مؤسساته، حرقوها، دمروا البنى التحتية، بحجة ماذا؟ أنهم يريدون حرية، هذا حقد وكراهية، ليست بحرية، هذا عقوق للوطن، أنت تحقد عليه، ألم تتربى في هذا الوطن؟ ألم تتعلم في مدارسه ومعاهده وجامعاته؟ ألم يُقدم لك الوطن كل شيء حتى تُصبح في المستقبل رجلاً مرموقاً لك مكانتك بين الناس وفي المجتمع؟ أهذا جزاء الوطن في النهاية أن نحقد عليه وأن نتعاون مع الخونة ومع أعدائه ومع المتآمرين على دماره وإبادته؟ فهذا ليس من أخلاق الإسلام أبداً، وليس من أخلاق العروبة في شيء.

يا سادة: نحن أحوج ما نكون إلى الأخوة، إلى التعاون، إلى التراحم، إلى التكاتف، لا سيما في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية التي يتكالب علينا فيها أعداؤنا من كل جانب، ألا ترون إلى ذاك القزم عادل الجبير، ألا ترون إلى هذا القاتل المجرم عارض الأزياء عادل الجبير، ألا ترون إلى سياسة مملكته الفاشلة، كيف يُجيش علينا وكيف يُهيج، يُريد أن تسيل الدماء أكثر فأكثر في أرض هذا الوطن، يُريد أن يزداد الدمار أكثر فأكثر في أرض هذا الوطن، من أجل ماذا؟ حتى يحقق مخطط أسياده الأمريكان في البيت الأبيض، ولا حل لنا ولا مَخرج لنا -أيها السوريون- إلا بالحب إلا بالأخوة إلا بالتكاتف والتعاضد والتساند، وإنني أناشد كل سوري حمل السلاح من أجل المال ومن أجل شهوة عابرة هابطة أن يعود إلى أرض الوطن إلى حضن الوطن، فكرامته وعزته وأهله هنا يبقون في الوطن، عُد أيها السوري، يا من حملت السلاح، حمل السلاح في وجه أخيك ليس برجولة، حمل السلاح من أجل دمار وطنك ليست برجولة، الرجولة أن تعود إلى أهلك، إلى أبناء وطنك، إلى إخوتك، أن تقف مع كل أبناء وطنك، مدافعاً عنهم، محامياً عنهم، لا أن تكون منفذاً لمخطط سعودي صهيوني أمريكي، تفعل مجزرة في منطقة الزارة، وتفعل مجزرة في البغيلية، وتفعل مجزرة في السيدة زينب، هذه ليست رجولة، إنها دناءة وخباثة، وتنفيذ لمخطط صهيوني آثم ظالم أثيم.

معاشر السادة: عودة إلى الله، عودة إلى الأخلاق، عودة إلى الأخوة والتراحم، عسى الله أن يرحمنا، فالرحمة مرتبطة بنا نحن، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله, اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك, ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, اللهم وفق القائد المؤمن بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير للأمة العربية والإسلامية.

)سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 969
تحميل ملفات
فيديو مصور