1 من رجب 1437 هـ - 8 من نيسان 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين. عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين. يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ( [البقرة: 214].
معاشر السادة: نحن في عالم يَسوده المنطق المادي، ويعد المحسوسات وما يتصل بها هي الوجود الذي لا وجود وراءه، وجمهرة البشر أخذت تستكين لهذا التفكير وتبني عليه سلوكها في الحياة. إن النصر على الأعداء متعلق بالغيب، خصوصاً إذا وهنت الوسيلة وقل العون وعظمت العوائق، ولكن الإيمان بهذا النصر المأمول ينبع من الإيمان بالله وحده، ومِن ثَمَّ فصاحب الحق يمضي في طريق الكفاح المر وهو واثق من النتيجة الأخيرة، إن غيره يستبعدها أو يرتاب فيها، أما هو فمعتقد أن اختلاف الليل والنهار يقربه منها وإن طال المدى، وواثق بقول الله عز وجل: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، فإن أصحاب الحق لا تهولهم وعثاء الطريق وضراوة الخصوم وكآبة الحاضر، إن إيمانهم بالمستقبل يُعزيهم عن متاعب اليوم ويشعرهم بأنها غيمة عارضة توشك أن تنقشع والمدافعون عن الحق بشر تجيش في نفوسهم المشاعر التي تجيش في نفوس غيرهم، من تقدير للحياة وكفالة الأولاد وتأمين العيش لأنفسهم وأهليهم، بيد أنهم وازنوا بين مطالب الحق وأشواق الدنيا، فآثروا وعد الله على الحياة العاجلة، وتأمل هذا الحديث الذي يُصور الصراع النفسي لدى أنصار الحق، وكيف يخرجون من غباره أوفياء لله أَحِقَّاء بكرامته، عن سبرة ابن أبي فاكهٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال: تُسلم وتذر دينك ودين آبائِك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتذر دارك وأرضك وسماءك؟ فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد وهو جهاد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويُقسم المال؟ فعصاه فجاهد)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمن فعل ذلك فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابة كان حقاً على الله أن يدخله الجنة))، هذه طبيعة الاستمساك بالحق والتفاني في نصرته، والواقع أن إيمان هؤلاء بالغيب مثل إيمان غيرهم بالمحسوس.
إن الرجل الذي يَقطع تذكرة للسفر من دمشق إلى حلب لا يُخامره شك في أن حلب موجودة وأن القطار المنطلق ذاهب به إليها، وكذلك صاحب المبدأ يُؤمن بأن الموت نِداء الحق ينقله يقيناً إلى جنة عرضها السموات والأرض، وعندما يرتفع الإيمان بالغيب إلى هذه القِمة الراسخة فإن أصحابه ينتصرون بمبادئهم حتماً، وناشروها في الحياة نشراً لا يدركه طيٌ، ومكتسحون ما يضعه المبطلون أمامهم من عوائق، فأصحاب الحق والمثل العليا يدركون أن استشهادهم هو الجسر الذي تعبر عليه المبادئ وتشق طريقها إلى مستقبل مشرق وطيد، فهم لن يسأموا تكاليف القتال ولو كلفهم الغالي والرخيص. إن العمل الخالص والطيب هو الذي يقوم به صاحبه بدوافع اليقين المحض، وابتغاء وجه الله دون اكتراث برضى وسخط ودون تحرٍ لإجابة رغبة أو كبح رهبة، هل يدري المقاتل المعفر الجبين بسواد الدخان وغبار الجو أن كفاحه هذا نور يشرق به جبينه يوم القيامة، إذا كان نظيف النية في عمله نبيل الغاية في سعيه. لقد ذكر علماء التاريخ أن مسلمة بن عبد الملك حاصر حصناً فندب الناس إلى نقب فيه، فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد، فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل فقال للآذن: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه، فلما دخل على مسلمة قال: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثة شروط، قال: ما هي؟ قال: ألا تُسِّودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة، ولا تأمروه له بشيء، ولا تسألوه ممن هو، قال مسلمة: فذاك له، قال: أنا هو، فكان مَسلمة لا يُصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب هذا النقب. من هنا ندرك -يا سادة- أن العقائد والأوطان نتنصر بالأقوياء لا بالضعفاء، وبالمخلصين لا بالمنافقين، وبالرجال لا بأشباه الرجال، كيف يُرجى الخير مِن نفس قل إيمانها فضعفت عزيمتها وأُحبط رجاؤها ومات نشاطها!. لقد عاب القرآن الكريم على طائفة من الناس يكثر وجودها في المجتمعات، وتحتاج إلى معالجة متأنية حكيمة، إنها طائفة ضعفاء الإيمان، فصورة ضعفاء الإيمان تتضح مَعالمها في قوله سبحانه: ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّـهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 72-73]، فهذا رجل تحركه مآربه وتقترن آماله بمصالحه الخاصة لا بمصالح الأمة والمجتمع، إن قلبه مشوب يتأرجح بين الإخلاص والأثرة، ومثله رجل آخر يصلي ويصوم حتى إذا بَلغته فريضة الجهاد جزع واضطرب وطلب مهلة، وفي ذلك قال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: 77]، فالقرآن الكريم يقول لضعفاء الإيمان: إن الآجال محددة المواقيت فربما تسقط من طائرة فتنجو، وربما تموت حتف أنفك وأنت في بيتك، وتأكيداً لذلك قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: 145]. فلا تكن -أيها المسلم- فلا تكن عبد رغبة ورغبة تشدك مصلحتك الشخصية وحدها إلى الإقدام أو الإحجام، فما معنى أن تحزن لما فاتك من غنيمة عند النصر، وتفرح لنجاتك عند الهزيمة هذه دناءة لا تليق بمؤمن، إن ضعفاء الإيمان لا يمكن أن يكونوا موضع فخر واعتزاز، ولا يمكن أن يكونوا مناط أمل أو مبعث سرور. وقد ثبت من وقائع التاريخ أن القلة العاملة أفضل من الكثرة العاطلة، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نحول كثرتنا العددية إلى كثرة خُلقية، وأن نَجعل مِن نمائنا المادي طاقة على البناء والصمود، وتمكيناً لأمتنا من العمل والنهوض.
معاشر السادة: هذا الوطن الحبيب بقيادته وبشعبه، والعظيم بجغرافيته وصموده، هذا الوطن يحتاج إلى رجال مخلصين أوفياء لكي ينتصر، وقد قرأنا وسمعنا عن زعيم الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي سلطان باشا الأطرش رحمه الله تعالى، كيف تعافت سوريا من الاحتلال الفرنسي، وعُرض عليه أن يَستلم منصباً ما في هذا الوطن، فكان جوابه رحمه الله قال: كان أملي أن أرى هذا الوطن مُعافى مِن الاحتلال والإجرام الفرنسي، وها أنا ذا رأيته كذلك، فلا أريد إلا أن يكون هذا الوطن معافى، لا أريد شيئاً أبداً، أريد أن أذهب إلى عملي في بستاني، لكي أعيش من تعبي وعرق جبيني. بأمثال هؤلاء الرجال -يا سادة- وبأمثال هذه النظرة المحبة والمقدرة للوطن ينتصر الوطن، أما الذي تحركه مآربه ومصالحه الخاصة، ويرتبك بين هذا وذاك فإن الوطن لا ينتصر بأمثاله ولا بأمثالهم. ونحن اليوم في سوريا وكلنا يعلم والعالم كله يعرف، أن سوريا هي بلد الحرية والديمقراطية، هي بلد الكلمة الحق والحرة، في الأيام القادمة القريبة قادمون على انتخابات مجلس الشعب، وعندما نقوم نحن كمواطنين بهذه الانتخابات فلنعلم أن انتخابنا هو نصرة وخدمة لقضايا هذا الوطن الكبير، فمن حقنا جميعاً إذا كُنا محبين لسوريا غَيورين على هذا الوطن، إذا كنا نريد أمناً وأماناً واستقراراً كما كنا ننعم سابقاً؛ فعلينا جميعاً أن نتوجه مخلصين قاصدين وجه الله أولاً وقاصدين خدمة هذا الوطن ثانياً، أن نتوجه مخلصين إلى صناديق الاقتراع، وعلينا أن نَبتعد عن التسخيف والتسفيه بالآخرين، لا يَحق لنا على الإنترنت ولا في غير الإنترنت، أن نقول فلان حرامي، وفلان كذا وفلان كذا، هذا هو إحباط للعمل هذا هو تفشيل للوطن، كلنا نحن كلنا نحن غيارى على هذا الوطن، كل من قدم نفسه لمجلس الشعب نحن نحسن الظن به أنه يحب الوطن، وأنه رشح نفسه لكي يقوم بخدمة الوطن، أما الذين يسيؤون على الانترنت ويثرثرون ويتشدقون بألسنتهم التي لا تؤدي إلا إلى الضرر وتمزيق الوطن وتمزيق الأمة؛ فهذه جريمة خطيرة وظاهرة جليلة لا ينبغي السكوت عنها، فكفانا كفانا كفانا ما أصابنا من آل سعود القذرين، كفانا وكفانا ما أصابنا من أردوغان الأحمق والمتهور والمتدهور، كفانا ما كفانا مِن تخطيط صهيوني مخيف وأقصانا الشريف يُقتحم بعصابات الغدر والإجرام الصهيونية، ولا تجد صوتاً على الانترنت وعلى غيرها ولا حتى على وسائل الإعلام يقولون: إن نتنياهو قاتل وحرامي، عجيب والله حال العرب، عجيب والله حال الأمة التي وصلت إليه، فمتى نصحو يا سادة؟ حتى ترى بلدك كوماً من الانقاض؟ حتى ترى مزيداً من القتل والإرهاب والإجرام؟ متى نصحو يا سادة؟. فواجب عليك -أيها السوري- كمواطن أن تذهب وتُدلي بصوتك، فصوتك أمانة، وأنت أمانة في هذا الوطن، فعندما تدلي بصوتك إلى من تراه أهلاً لصيانة الوطن وأهلاً لصيانة حقوقك فأنت صنت نفسك بذلك.
معاشر السادة: هذا الوطن بحاجة إلى غيورين، بحاجة إلى محبين، بحاجة إلى صادقين، وأقسم بالله العظيم لولا صِدق القائد بشار حافظ الاسد، ولولا صدق الجيش العربي السوري، ولولا صدق الشرفاء من هذا الوطن لضاع الوطن، فنحن لا نُعول على أصحاب الثرثرة، ولا نُعول على الضعفاء والجبناء، ولا نُعول على أمثالهم في المجتمع، ولا على الطابور الخامس، إنما نُعول على الله أولاً، كما كنا نقول في بداية الحرب علينا، نحن نعول على الله أولاً، ثم نعول على الجيش العربي السوري الذي يحقق الانتصارات يوماً بعد يوم، ها هي القريتين عيونها خضراوتين كما يقول ذلك رجال الله رجال الجيش العربي السوري، حُررت بفضل الله عز وجل بعد مدينة تدمر، وما أسرع الانتصارات، وكلنا نجأر إلى الله سبحانه وتعالى أن يَزيد هذا الجيش تأييداً وتعظيماً وتمكيناً في الأرض، وأن يمده بمدده، وأن يُهيأ له الملائكة التي تسانده، لأنه يدافع عن الحق وعن الأرض وعن العرض وعن الدين.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله, اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون له معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية.
)سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(