16 من جمادى الثانية 1437 هـ / 25 من آذار 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الْمُجرِمونَ( [يونس: 17].
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُطبَع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب)).
معاشر السادة: أحق امرئٍ بوظيفة ما مَن كمل استعداده لها وتمت طاقته عليها، فَمَنصب القضاء يُرشح له المبدعون في دراسة الشرائع والقوانين، وأعمالُ الهندسة الكبرى والصغرى يُقَدم لها من أوتوا حظاً موفوراً من الدراية والخبرة، وكذلك سائر شؤون الحياة الأخرى، لا يُعد أحدٌ من الناس أهلاً لها حتى يَستجمع الأسباب الميسرة لمباشرتها، وإلا نُحِّي غير مأسوف عليه.
إن الإنسان في هذا المجال كالثمرة لا تنضج إلا بعد مراحل متأنية، فإذا أينعت صلحت لما خلقت له، أما قبل ذلك فإن فجاجتها تغري بإطراحها لا محالة، وإذا كان الفرد لا يُحمد في منصبه إلا إذا نهض بأعبائه فكذلك الجماعات والأمم.
إن إصلاح الأرض وتَرشيد الحياة ليسا أعمالاً هينة، ليس ادعاءً يملكه أي قبيل من الناس، إن الأقدار التي تتبرم بموظف مُهمل في عمله تتبرم أشد وأوسع بأمة مهملة في واجبها، وكما تَطرد الدولة الموظف الكسول المتلاف، كذلك تُأخر العناية الإلهية كل أمة أعجزها القصور وشلها الفساد، نعم تأخرها وتقدم من هو أكفأ منها على إصلاح البلاد ونفع العباد.
إن السيادة التي واتت المسلمين الأولين لم تجيء عفوَ الخاطر أو محض الصدفة، لا، إن الدولة التي أقامها المسلمون الأوائل بنتها نفوسٌ بلغت شأواً بعيداً في الأخلاق والعدل والرحمة، ومِن وراء هذه النفوس تلمح صاحب الرسالة العظمى يتعهد القلوب بالصقل ويأخذ النفوس بالأدب الشامل، ويُنسق الصفوف بالوعي لا بالغباء وبالحق لا بالهوى.
إنك لتعجب مِن أناس يَجهلون الدين ثم يزعمون أنهم يريدون إقامة حُكم لله، بما؟ وكيف؟ بأدواتٍ مَعطوبة ووسائل مقلوبة وغرور بعيد.
إن الأمة المسلمة إذا لم تدعُ للإسلام بسيرتها صارت وبالاً عليه، فإن عبثها بالنصوص التي بَين أيديها واضطراب أمورها سَيكون فتنة تَصُدُّ الآخرين عن حب واعتناق هذا الدين، وقد فسر العلماء قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الممتحنة: 5]، قال مجاهد: أي لا تُعذبنا وأيدينا ولا بأيديهم، حتى لا يقولوا: لو كان هؤلاء على حَقٍّ ما أصابهم هذا.
إن الرجال الذين يحملون الحق يجب أن يُشرفوه بعملهم لا أن يشوبوه بهواهم، فإن إهانتهم له تُبعد الكثير عن قبوله، وقد يُدخلهم ذلك في نطاق مَن عنتهم الآية: ﴿لِيَحمِلوا أَوزارَهُم كامِلَةً يَومَ القِيامَةِ وَمِن أَوزارِ الَّذينَ يُضِلّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرونَ﴾ [النحل: 25].
يا سادة: إن العَالَم شَهِدَ قديماً ألوفاً من المجرمين المرتزقة يسيرون في ركاب العصابات الغازية ابتغاء السلب والنهب، وهؤلاء المغامرون من طلاب المنافع، فهم ليسوا أصحاب دعوات ولا حَمَلة رسالات، وما كان محمد صلى الله عليه وسلم لِيَجمع أمثالهم حوله، بل ما كانوا هُم ليطيقوا السير معه وهو يكلفهم بالصلاة والزكاة والعبادة، فطبيعة الارتزاق لا تَقبل دروس التربية، وإني لأذكر هنا ما كتبه الأستاذ أحمد حسن الزيات في التنديد بما يصطنعه البعض من أساليب مخزية تُسيء للإسلام، حيث ذكر أن عصابات مُسلحة تألفت في أندونيسيا باسم الدين، وسمت نفسها جماعة دار الإسلام، وسيلتها الإهاب والقتل والنهب والتدمير، وغايتها إقامة دولة إسلامية تحكم بدستور القرآن وتقضي بشريعة الله، وقد بدأت جهادها بغارات دامية على بعض القرى في غرب جاوى، قتلت فيها عشرين جندياً ومدنياً، ودَمَّرت أربعة وستين منزلاً بعد أن سلبت ساكنيها الحياة والمال، فما زادها الحنيفية السمحة حتى تبدلت سنتها في هذه النفوس، فارتد نورها ظلاماً وترياقها سماً وسلامها حرباً ونظامها فوضى، هل يرى هؤلاء الضالون ما زعمه الباطنية مِن أن للقرآن ظاهراً هو ما يعلمه الناس وباطناً هو ما يعلمونه هم، فالحلال هو الحرام والحرام هو الحلال، والمعروف معناه المنكر والمنكر معناه المعروف، حقيقة الأمر وواقعه أنهم لا يعلمون من القرآن ظاهراً ولا باطناً، ولا يَفقهون من الدين أصلاً ولا غاية، إنما هم كقتلة عثمان طغامٌ مثل النعام، يتبعون أول ناعق، والناعق قد يكون طماعاً يريد المال، أو طماحاً يريد الملك، فهؤلاء المارقون يفترون على الله ما لم يوحِ، وينسبون إلى رسول الله ما لم يقل ويفعل، ويأولون آيات القرآن على الوجه الذي يدنيهم من الثمرة الحرام ويؤديهم إلى المنفعة، ويحشون رؤوسهم ورؤوس الأغرار والسذج بأفكارٍ عفنة تشوه العقيدة والعقول والفطرة, لذلك اختلف مفهوم الإسلام في أذهان أهله اليوم عما كان في أذهان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
لقد أصبح مفهوم الإسلام -يا سادة- في أذهان الخادعين والطامعين من طلاب الغم أو الحكم الإرهاب والفرقة والتزمت والتعصب، وكان مفهومه في أذهان صحابة رسول الله وخلفائه العدل والإحسان والسلام والوئام والمحبة والتسامح، أترى أحداً يجمع هذه الشيم الرفيعة ثم يَضل أو يَزيغ، أو يقاتل لمغنم عاجل؟ لا، ولو حرصنا على اتباع منهج الإسلام في عملنا لانتهى بنا إلى خير كثير.
يا سادة: إن التأسي برسول الله لِزامٌ علينا، فلنعد إلى أنفسنا، ولنستأنف السير على بصيرة، ولنجدد مفهوم هذا الدين في أذهان الناس، ولك أن تسأل: مَن الذي يستطيع أن يُجدد هذا المفهوم على النحو الذي أنزل الله القرآن به وأصلح أمر الأولين عليه؟ إن الذي يَستطيع ذلك هم علماء الأمة العربية والإسلامية، نعم، يستطيعون ذلك يوم تتوحد جهودهم وهدفهم، ويوم يشعرون بالغيرة على دين الله، ويوم ينتفضون في وجه الإرهاب وداعميه لا يخافون في الله لومة لائم، ثلاث سنوات مرت على استشهاد العلامة المربي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، شهيد المحراب رحمه الله تعالى، قتله تنظيم القاعدة، قتلته ما تُسمى بالدولة الإسلامية المزيفة، بحجة أنه عوايني للجمهورية العربية السورية، ونحن نقول: إذا كان الإمام الجليل والفاضل والمربي عواينياً لبلده ولوطنه فقتلتموه، فأنتم عواينية لصالح من؟ تعملون لصالح من؟ تقتلون لصالح من؟ وتجرمون لصالح من؟ وتُدمرون الأمة العربية والإسلامية لصالح من؟ فالدولة الإسلامية المزعومة لا كما يقولون هم، ولا كما يحلمون أنها باقية وتتمدد، انتفض الشرفاء في وجههم، في وجه القذرين وقالوا لهم: لا إنها فانية وتتبدد، فنحن في دمشق قلب العروبة والإسلام لا نقبل إلا بالإسلام الذي ارتضاه لنا ديناً، ولا نرضى إلا أن نسير على نهج القرآن والسنة التي خطها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو العالم اليوم بأسره، ترون أوربا يا سوريون، ترون أوربا كيف تستنهض الهمم، كيف تستنكر ما حدث في بروكسل من قتل وإرهاب وإجرام، ونحن في سوريا خمس سنوات نبكي ونئن من قذائف الهاون التي أمطرت على مدينة دمشق بالآلاف، نبكي ونئن على أناس أبرياء أطهار فقدوا من هذه الحياة بغير ذنب، نبكي ونئن من ضرب البنى التحتية التي طالتها يد الإرهاب الغاشم، لكي نعيش على مرارة وغضاضة، أما العالم الغربي اليوم وقف ليقول: يجب علينا أن نحارب داعش، يجب علينا أن نحارب تنظيم الدولة الإسلامية، هذه الدولة التي أساءت للإسلام مع الأسف، رفعت راية الإسلام والراية منها براء، ادعت الإسلام وادعاؤها كاذب وباطل، فنقول لهؤلاء: دولتكم المزعومة إلى زوال، ومجرموكم إلى ذل وهوان، وإننا بفضل الله جل جلاله في الجمهورية العربية السورية كمواطنين نعتز ونفتخر بالانتصارات المذهلة التي يحققها رجال الله على الأرض، رجال الجيش العربي السوري في تدمر وغيرها، وعندما سقطت تدمر أصبحت نفوس كثير من المواطنين في الأرض، وقالوا: ضاعت البلد، وها هي الدولة الإسلامية تتوسع يوماً بعد يوم، وها هي المحافظات تسقط واحدةً تلو الاخرى, فأروني بربكم -أيها السوريون، أيها الرجال- أين أصبحت هذه الأقاويل وأين أصبحت هذه الآراء؟ أصبحت في طي النسيان، ونحن كما قال عمر المختار رحمه الله عندما قال له السنوسي محبطاً لهمته ولمعنوياته ولإرادته: يا عمر, يا عمر أنت لا تستطيع أن تقاوم الطليان، لقد أنزلوا الدبابات في الصحراء، وطائراتهم تقصف شعبك, وشعبك يموت جوعاً في المعتقلات وفي المخيمات، فقال له: إن الأرض التي يأخذها الطليان في النهار نستردها في الليل, وإن جيشنا العقائدي الجيش العربي السوري، ها هو يسترد الأراضي يوماً بعد يوم، وكل التحية والإجلال للقوى التي تساند الجيش العربي السوري، للعشائر ولشيوخ العشائر الذين يساندون الجيش العربي السوري، كنت أنظر إلى مقطع منذ يومين حول عمليات الاقتحام التي تجريها عشيرة الشعيطات في تدمر، أذهلتني كثيراً وقلت: ما دامت سوريا تتصف برجال لا يعرفون الخنوع والذل فإننا ماضون بإذن الله جل جلاله وكلنا عقيدة وأمل بأننا منتصرون، وكل الحب وكل الاحترام وكل التقدير للمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، هذه المقاومة الشريفة التي يحاربها آل سعود الأقزام، والتي يحاربها الخليجيون الخونة، والتي تحاربها الصهيونية العالمية، لن تثنيها تلك المحاربة ولا تلك التهديدات، فإن حزب الله يقاتل عن عقيدة يقاتل عن شرف يقاتل عن وفاء، ويقف إلى جانب الجمهورية العربية السورية لأنه يدرك أنه لولا وقوف الجيش العربي السوري في أيام الثمانينيات لضاعت لبنان، لولا وقوف الجيش العربي السوري إلى جانب اللبنانيين لضاعت لبنان، عندما كان يَحرق شارون بيروت كان حافظ الأسد رحمه الله تعالى يَحميها.
فهذه الدولة الإسلامية المزعومة أرونا أيها العالم أرونا أيها الغربيون الذين دعمتموها وأنشأتموها ومولتموها وربيتموها، أرونا ماذا قدمت للعروبة وللإسلام أولاً، ثم ماذا قدمت لكم، فحربكم واضح على الإسلام، فقد قرأنا في كتاب بروتوكولات حكماء الصهيون أن الصهيونية لم تجد طريقاً لضرب الإسلام إلا من خلال ضرب الإسلام بالإسلام، كما صرح ذلك أحد زعماء بني صهيون، فهل من يقظة أيها السوريون؟ وهل من يقظة أيها العرب؟ وهل من يقظة أيها العالم؟ حتى نعيش حياة آمنة مستقرة، تنعم فيها بلاد العروبة والإسلام، وتنعم فيها بلاد الغرب أيضاً، فنحن شعب مسالم، نكره الإرهاب والإجرام، ونكره فاعليه وداعميه، ونحب الخير والأمن والاستقرار لكافة بلدان العالم، فدعونا نعيش، فخلقنا لنعيش لا لنموت.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله, اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً, اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, وأن تكون لهم معيناً وناصراً, اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.