خطبة الجامع الأموي لفضيلة الشيخ مأمون رحمة
2 من جمادى الثانية 1437 هـ / 11 من آذار 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين. عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ( [التوبة: 105].
معاشر السادة: يعتبر الإسلام المسؤولية أمانة ثقيلة يخاف منها الأقوياء، فكيف يرنو إليها الضعفاء، لذلك نجد أبا ذر رضي الله عنه عندما رشح نفسه أن يكون عاملاً أو أميراً في مكان من الأماكن، صارحه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ضعيف لا يصلح للعمل الإداري، وقال له: ((هذه أمانة، وإني أراك ضعيفاً)), فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بأن الأمانة ستكون يوم القيامة خزياً وندامة، إن لم يأخذها بحقها ويؤدي الذي عليه فيها، فقد تكون مواهب الإنسان فنية، فيستطيع أن يكون بارعاً كبيراً في ناحية من النواحي، ولكن لا طاقة له بالناحية الإدارية، فالرياسة والقيادة العسكرية مسؤولية كبيرة تحتاج إلى صبر ومجالدة. لقد دخل خالد بن الوليد الإسلام بعد أربع سنوات فقط من النكبة التي نزلت بالمسلمين في معركة أحد، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إخلاصه وقدر مواهبه وعرف إمكانية الرجل الكبيرة، فقلده القيادة العسكرية، وجعله من سيوف الله المسلولة على أعداء الله، بينما يوجد أناس كثيرون بقوا في الوظائف العادية، لأن مواهبهم وقدراتهم الفردية محدودة، فربما يصلح الإنسان لشيءٍ ويبدع فيه، وربما يفشل في شيء آخر ولا يبدع فيه، فلا معنى لأن يضع الإنسان نفسه حيث لا يصلح، أما الذي يجد من نفسه القدرة على أنه يصلح لِتحمل المسؤولية والقيام بأعبائها، فله الحق أن يُرشح نفسه لذاك المنصب. لقد قص علينا القرآن الكريم أن ملك مصر أدرك أن يوسف أحق الناس بولاية البلاد في أثناء السنوات التي تتحقق فيها الرؤيا، إنه مستقبل شعب كبير، وأحق الناس برعايته مَن تنبأ بمستقبله، ﴿وَقالَ المَلِكُ ائتوني بِهِ أَستَخلِصهُ لِنَفسي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ اليَومَ لَدَينا مَكينٌ أَمينٌ﴾ [يوسف: 54]، وهنا أباح يوسف لنفسه طلب المنصب، لأنه ليس هناك من هو أحق به منه، ﴿قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ﴾ [يوسف: 55]، ونلحظ أن يوسف عليه السلام عرض الخصائص النفسية والعلمية التي ترشحه للمنصب، فهو ليس عابداً عفيفاً فقط، بل هو صاحب خبرة في شؤون المال يعرف كيف يحصله وكيف يوزعه، فهو يطلب منصباً ترشحه له مؤهلات خاصة: الحفظ والعلم، ولو كان لا يستجمع هذه الصفات ما أهل ولا طلب، وما ينبغي له أن يطلب وهو لا يحفظ ولا يعلم، وبعد أن نال يوسف هذه الوظيفة قال سبحانه: ﴿وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ يَتَبَوَّأُ مِنها حَيثُ يَشاء﴾ [يوسف: 56]، فالتمكين في الأرض وظيفة لها مؤهلات، وما يستطيع الإنسان أن يكون مكيناً في الأرض إلا مَن استجمع الخصائص الأدبية والمواهب العقلية والإمكانات المادية التي تجعل له هذا التمكين المطلوب، فمن المصلحة العامة أن تُوضع الأمور في يد القوي الأمين بدل أن توضع في يد عاجز قليل الخبرة، وهذا هو السبب الذي دفع خالد بن الوليد أن يقود المسلمين في معركة اليرموك، لأن غيره من القادة أعجز من أن يواجه فنون الروم العسكرية، والتجارب هنا فادحة الخطأ، لذلك طلب خالد أن يمنح القيادة أول يوم، فأعاد تعبئة الجيش ووضع خطة ذكية لمواجهة العدو، وكان النصر. لذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم وضع رجل في مكان لا يستحقه خيانة، فقد روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين))، والمعنى أنك يوم تعلم أن فلاناً يصلح لعمل فتأتي بمن لا يصلح وتضعه مكانه فإنك تخون الله والرسول والناس أجمعين. إن الذي يتولى منصباً ما يجب عليه أن يُدرك أنه مسؤول بين يدي الله وبين الناس, فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).لما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة والمسؤولية صعد المنبر وقال: (أيها الناس كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم، فأنا الآن أحترف لكم فافرضوا لي من بيت مالكم)، وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير، بل هو قد وضع أساسه فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة، فإن أحسن فله أجره وإن أساء فعليه وزره، فالإسلام دعا إلى حرية الرأي وبذل النصح بين أبناء المجتمع الواحد، والمجتمع الواعي والصالح هو الذي يقوم على التناصح، فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة, قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).لقد أمر الله المسؤولين بالتمسك بمبدأ الشورى حيث قال سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، وأثنى به على المؤمنين خيراً فقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38]، لذلك قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من رأى فيَّ اعوجاج فليقومه).يا سادة: إن الزلل لا يستغرب على طبائع البشر، والزلل في المجتمع النقي ينكمش ويتلاشى كما تختفي الأقذار في بيئة تَستمتع بجو مشمس ورياح متجددة، أما الزلل في بيئة تُقره وتُرحب به وتختلق لوقوعه المعاذير فهو يتحول إجراماً ووقاحة، والإسلام شَديد الحرص على مطاردة الخطأ إذا استعلن، ومن أهدافه دعم الفضائل وقمع الرذائل في أرجاء المجتمع. إن طلب الإمارة خَطيئة كبيرة يوم تكون استجابة لجنون العظمة ورغبة في الوجاهة والاستعلاء، وأغلب مصائب الأمم من أولئك المتطلعين المرضى، فكم مِن طالب شهرة وجاه يؤزه إلى نشدان السلطة حب الذات وطلب الثناء وجنون العظمة، ومعاذ الله أن نتهم أحداً بسوء النية، ولكننا نريد تحسين نهضتنا من العلل التي لا تَبلغ القصد ولا تُحقق الهدف، عندما تكون السلطة قائمة أداة لتقرير الحق وتحقيق الخير، وعندما ينظر الشعب إلى رجال السلطة على أنهم منه وإليه، شرفهم بثقته ومنحهم حبه، وقاموا حراساً على مصلحته ومنفعته، عندئذ لا يتصور في الصلة بين المواطن والمسؤول إلا الإخلاص العميق والتأييد المكين، لكن الدنيا قديماً وحديثاً عرفت وتعرف أن هناك رجالاً من أصحاب المثل العليا يتولون الحكم والمسؤولية، فيفنون فيهما من دوام الخدمة للأمم التي وَثقت فيهم، ويكون هذا الحكم نوعاً من التضحية وضرباً من الجهاد، فهل تحسب أن يوسف الصديق عليه السلام سعى إلى الحكم ليقال له: صاحب المعالي والسمو يوسف ابن يعقوب؟! وهل تحسب أن خالد بن الوليد عندما طلب أن يولى قيادة الجيش في معركة اليرموك فعل ذلك ليقال له: خالد باشا صاحب الأوسمة والشارات؟! والواقع أن يوسف عليه السلام طلب المجال الذي يحسن خدمة الناس فيه، وأن خالداً طلب العمل الذي يقرب النصر به.
يا سادة: إننا في الجمهورية العربية السورية بلد الحرية والديمقراطية، ذاهبون إلى القيام بواجبنا في انتخاب من يُمثلنا في مجلس الشعب، وكلنا أمل أن تَكون هذه الانتخابات دَعماً للحق وعوناً للضعيف وسنداً للمروءة، كما قال عروة بن الورد: أليس عظيماً أن تلم ملمة *** وليس علينا في الحقوق معول.
مجلس الشعب يمثل الشعب، فنحن عندما ننتخب فلاناً أو زيداً من الناس نضع ثقتنا فيه، لأنه سيتكلم عن آلامنا، سيوصل صوتنا، سيعمل على حل مشكلات المواطن، نحن نريد آذاناً مفتوحة وأبواباً مفتوحة، لكي يدخل المواطن إلى كل جهة وإلى كل مكان، ويجد من يستمع له ولشكواه، فإن كان محقاً أنصفته الجهات المعنية، وإن كان مسيئاً حولته إلى قضاء العدالة، لا نريد -يا سادة- أن تكون هناك خنادق بين المواطن والمسؤول أبداً، نريد أن يشارك المسؤول المواطن في كل مرحلة من مراحل حياته، وفي كل مشكلة وفي كل قضية من قضايا حياته، من أجل ماذا؟ من أجل بناء هذا الوطن، نحن نريد غيارى على مصلحة الوطن، نريد غيارى على مصلحة سوريا، لاسيما في الأيام القادمة، فالأيام القادمة هي أيام نصر وأيام بناء وإعمار معنوي ومادي، نحن بحاجة إلى غيورين، يعملون من أجل الله أولاً، ومن أجل الوطن ثانياً، ومن أجل خدمة المواطن ثالثاً، فسوريا بلد الحرية والديمقراطية، وهذا أمر معروف لا نبالغ فيها ولا نشطح فيه، أما الذين حاربونا ودمرونا بحجة أنه لا يوجد عندنا ديمقراطية ولا انتخابات، فعلى سبيل المثال: أردوغان الأحمق القذر تجده يعتقل في تركيا القائمين على صحيفة "زمان"، لماذا؟ لأنهم يتكلمون صوت الحق، لأنهم يقولون: يا أردوغان يا فهيم، إلى أين تأخذ تركيا؟ في أي دوامة تضع تركيا؟ بلد آمن وشعب مستقر، من أجل من تريد أن تدمره فوق رؤوس أهله وأصحابه؟ فما كان منه إلا أن قام باعتقالهم ومنع صوتهم، وهذه ليست بالحادثة الأولى ولا الأخيرة، فقد فعل ذلك مرات عديدة مع صحيفة زمان وغيرهم من السياسيين والمفكرين والمحليين السياسيين أيضاً، وهكذا أيضاً فعل النظام السعودي عندما قام الشيخ النمر رحمه الله ليتكلم كلمة حق، ليطالب بإصلاحات تجري داخل المملكة "مملكة الرمال"، ما كان من النظام الغاشم إلا أن قام بقطع رأسه، أي حرية؟ أي ديمقراطية؟ من أراد أن يتعلم الحرية والديمقراطية فليأت إلى دمشق، ليرى المواطن في الجمهورية العربية السورية كيف يعلمه ما هي الديمقراطية وما هي الحرية؟ فنحن في هذا الوطن الكبير، وفي هذا الوطن المعطاء، نتمتع بفضل الله عز وجل برجال لهم كفاءات كبيرة وجليلة وعظيمة، هؤلاء واجب علينا أن ننتخبهم، هؤلاء يجب علينا أن نضعهم ممثلين عنا في مجلس الشعب، ولا ينبغي علينا أبداً أن نزهد في الانتخابات، لا في انتخابات مجلس الشعب ولا في غيرها، وحذاري وكل الحذر من أن ننتخب إنساناً لا يستحق ذاك الكرسي أو ذاك المقعد، لأنه سيخون به الوطن أولاً، وسيخونك ثانياً أيها المواطن، فأنت مسؤول، وصوتك أمانة، أنت مسؤول أمام الله أن ترشح من كان قديراً وجديراً بهذا المنصب، فنحن اليوم كما قلت بحاجة إلى غيورين على مصلحة الوطن، بحاجة إلى رجل ينظر إلى أناس مشردين ينامون في الشوارع، نحن بحاجة إلى رجل غيور يتألم على آلام المواطن الذي لا يجد راتباً يكفيه حتى يسد أجرة بيت يأوي أو يؤوي فيه زوجته وأولاده, نحن بحاجة إلى رجل مسؤول ينزل إلى الساحة، ينزل في الشوارع، ليسمع ليرى ما يعانيه الناس من غلاء الأسعار، ما يعانيه الناس من تجار الأزمات، ما يعانيه الناس من تجار الدولار، تجار الدولار حرقونا، تجار الدولار دمرونا، تجار الدولار شتتونا، نحن بحاجة إلى هؤلاء، إلى المخلصين، إلى الأوفياء، حتى ننهض بوطننا. والله يا سوريون سوريا أمانة في عنق كل واحد منا، وأمانة في عنق كل عربي شريف، حرام والله أن نضيعها من أجل دراهم معدودة، ومن أجل منصب لا يدوم لأحد. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله, اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر حزب الله، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.