خطبة الجامع الأموي لفضيلة الشيخ مأمون رحمة
17 من جمادى الأولى 1437 هـ / 26 من شباط 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسورة مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ([الزخرف: 51-53].
معاشر السادة: يرى علماء النفس والتربية أن الآفات النفسية أخطر من الرذائل المادية، ومن المقرر أن معاصي القلوب أخطر من معاصي الجوارح، فالكبر كبيرة من الكبائر وهو شر، وذلك لأن المتكبر يجتاح حقوقاً ويظلم مستضعفين، ولا يقف دائرة عدوانه عند حدّ، ولا تحسبن الكبر أن تصعر الخد وتثاقل الخطوة، لا، فهذه مظاهر طفولية، فالكبر بطر الحق وغمط الناس، وانتهاج مسلك يِفرض شهوة فردٍ على جماهير غفيرة، وتدبر سياسة هؤلاء المرضى المعتوهين، وهم يَقلبون الحق باطلاً والباطل حقاً.
قال موسى لفرعون: ﴿قَد جِئتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكُم فَأَرسِل مَعِيَ بَني إِسرائيلَ﴾ [الأعراف: 105]، فكان جواب الطاغية وأتباعه: ﴿إِنَّ هـذا لَساحِرٌ عَليمٌ * يُريدُ أَن يُخرِجَكُم مِن أَرضِكُم فَماذا تَأمُرونَ﴾ [الأعراف: 109-110]، رجلٌ يريد الفرار بقومه من العذاب فيُتَّهم بأنه يُريد إخراج المواطنين من أرضهم، فلما عرف الأتباع الحق وآمنوا به قال لهم فرعون: ﴿آمَنتُم بِهِ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم﴾ [الأعراف: 123]؟ سبحان الله, لماذا يُنتظر إذنك؟.
قديماً وحديثاً وُجد هؤلاء المستبدون، فكانوا بلاء على شعوبهم وأممهم, ودفعت الشعوب آلافاً من القتلى ثمناً للمجد الشخصي الذي يَزعمه رجل يقول: (أنا الملك)، والاستبداد السِّياسي هو البيئة الخصبة لإنبات هؤلاء الفراعنة، ويُؤسفنا أن نقول: إنَّه في الشرق أكثر منه في الغرب.
من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه لا لِمن يبصره، ومنذ أمدٍ بعيد أحوال الأمة تجري على هذا النحو, مُصلحون يرون الأخطار ويرفعون أصواتهم بالتحذير منها، وعميان يَقودون القافلة إلى هذه الأخطار نفسها، يبذل هؤلاء المصلحون جُهودهم بالعلم واللسان، لتبيين الرشد من الغي وتمييز الحق من الباطل، فإذا هذه الجهود تذهب بدداً تحت وطئة الطغيان الحاكم بأمره هنا وهناك، وكثير من بواكير الإصلاح أُهيل عليها التراب قبل أن تنبثق وتنمو فلحقها الموت في مهدها.
قُتل جمال الدين الأفغاني وهو يُحارب استبداد الملوك على عهده، ومَات عبد الرحمن الكواكبي مُنكمشاً بعدما صُودرت كتبه وحُوربت مدرسته، والحق أن نهضات شتى تعثرت ثم تلاشت أمام ما بعثره الاستبداد السياسي من عوائق وسدود هنا وهناك، ويا للعجب! رجل واحد يَملك هذه الصولة كلها فيُدمِّر أمة ويميت تاريخاً وحضارة, نقول ذلك ونحن نذكر هنا ما دَوَّنَه الأمير شكيب أرسلان، وهو يعالج إصلاح الجزيرة العربية، ويتقدم بالمقترحات النافعة لرفع مستواها وتدعيم شأنها، ولكنه مات ولم ينفذ له رأي، قال الأمير شكيب: (إن الحجاز فيه بقاع كثيرة في الدرجة القصوى من الخصب والذكاء، ولكن ينبغي لها المال والعلم، فلا بد من بناء السدود وحفر الآبار لاستخراج المياه وغيرها من المشاريع، أما المال اللازم لهذه المشاريع فلا بد منها، وله طريقتان: الطريقة الأولى: تنظيم الميزانية لحكومة الحجاز، فمن المعروف أن الحجاز ليست له ميزانية عامة لمصالح الشعب، وأخرى خاصة لشؤون القصر الملكي، بل المال الوارد كله للجيب الخاص، وقد كان من المفروض أن تنفق هذه الأموال التي تأخذها ثمناً للبترول في إصلاح الحالة الاجتماعية، ولكنها بدلاً من أن تفعل ذلك حولت هذه الأموال عن الطريق القويم الذي كان يجب أن تسير فيه إلى الطريق الأخرى، أما الطريق الثاني لتنظيم واستثمار موارد الحجاز: فهو تأليف شركات إسلامية -كما قال الأمير شكيب- من مصريين وعراقيين ونجديين، ولكن الشركات الأمريكية تولت أعباء الاستغلال وأعمال التثمير والإنشاء، ومن وراء هذه الشركات زحفت الأطماع الغربية، ووضعت أيديها على شرايين الحياة ودعائم الاقتصاد في بلاد الحجاز، والذين استقدموا هذه الشركات ومنحوها أوسع الامتيازات على حساب العروبة والإسلام هُم خُدَّام الماسونية العالمية.
ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أقواماً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة))، هل تعلم -أيها المسلم، أيها العربي- أن الأسرة المالكة أو الحاكمة في مملكة الرمال تحتفظ من عائدات النفط براتب معلوم لكل مولود؟ بل تتخذ كل أميرة من هذه الأسر وكيلاً لأموالها يدعى: وزير مال الأميرة؟.
إن صاحب ألف ليلة وليلة والسندباد البحري لم يستطيعا تخيل هذا، أما كبار الموظفين وهم من الأسر المحظوظة فحسب فلهم راتب غير راتبهم العائلي، ولكن خازن المال الذي لا دفتر عنده مكلف بتسليم ما يطلبون، ولا عجب! فهذه الأسر تنفذ منهاجاً رسمته السياسة الغربية لها بعد أن خنقتها في بحر من الذهب، وجعلتها تدرك أن بقاءها ووجودها موقوف على بقاء ووجود المصالح الغربية.
ليت قومي يعلمون! أنما تنفقه هذه الأسر في عام واحد وفي سبيل القتل والعار والرذيلة كافٍ لتمويل السد العالي، بل كاف لإعادة الأمة العربية أعز مما كانت أيام عمر بن الخطاب.
يا سادة: إن أموال مملكة الرمال تَدفع سفينتنا لما فيه حَتفنا، وخنجر يَقتطع من جسمنا، وغِلٌّ في عنق نهضتنا، وجرثومة في غدير سعادتنا.
إن أموال المملكة السعودية مركزها المدينة المقدسة واشنطن، عاصمة التيجان ومزرعة الجلالات والسمو والسعادة، وظيفة هذه الأموال: أن توجه عن طريق لا يعود على عربي أو مسلم إلا بجرعة سموم، فهل تستطيع الأسر المحظوظة مخالفة الشروط والوصايا التي تفرضها عليها الوصاية الغربية؟ وكيف تستطيع وقد أقامت الثعالب والعقارب لكل فرد من تلك الأسر خصوماً ومعارضين لتهدده بالتنكر له إن خالف توجيهها.
رحم الله الإمام الجليل علي بن أبي طالب عندما قال: (المال الخبيث لا يُنفق إلا في السَّرف) فإنك تعجب عندما ترى شهوات البطون والفروج مُشبعة ومضلات الهوى مسيطرة على المشاعر والنهى، وعيب هذه النزوات يقع على عاتق الخزينة العامة وحدها، فإن الاستبداد السِّياسي لا يُبالي من أين يأخذ المال ولا أين يَضعه، لقد بَيَّن الله عز وجل أن المال في يَدِ الفاجر يُؤدي إلى طغيانه في المجتمع، وتحوله في مجال الاقتصاد إلى مركز قوة خطر يعبث بمصالح ومصاير المواطنين، حيث قال سبحانه: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6-7].
والطامة الكبرى يا أسف، يا أسف، ويا حزناه، والطامة الكبرى أن العلماء الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ساروا في ركاب أولئك الملوك الطاغين، ويَسَّروا لهم الفتاوى المغشوشة، فكانوا سبباً خطيراً في قتل الأمة وإبادة وجودها.
هل تعلم -أيها المسلم، أيها العربي- أن عادل الجبير ليس كبيراً في عمله ولا خُلقه، ليس كبيراً في رجولته ولا مروءته، ولكنه مع هذا الصَّغَار اللازب، ومع هذا الإقفار من الخُلق الحسن، معدودٌ نعم معدود من كبراء المملكة، لأن المملكة كثيراً ما يكبر فيها هؤلاء بسحر ساحر، ولا تبعد عن الصواب إذا قلت: لا يَكبر فيها إلا هؤلاء، وبهؤلاء تَحمَرُّ جوانب الليل بما يُذبح من أعراض ويداس من حرمات، وبهؤلاء تَحمرُّ الشوارع بالدماء البريئة التي تُسفك في سوريا ومصر والعراق واليمن وليبيا وفلسطين وغيرها، مَاذا نقول لهذا الصنف الرَّقيع من الناس؟ إنا لا نَملك إلا التعليق على مُجونهم وترفهم وإجرامهم بإهداء هذه الآية إلى كل آثم منهم: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر: 8]، فعسى أن يأتي يوم -ونسأل الله ذلك، ونسأل الله القدير العزيز الجليل ذلك- فعسى أن يأتي يوم ينفذ فيهم حكم الله، فتطهر الأرض من هذه الأرجاس، ويطهر الجو من هذه الأنفاس.
تنوجه بأحر التعازي إلى أهلنا في حمص، في حي الزهراء, نتوجه إلى أهلنا بأحر التعازي في منطقة السيدة زينب, قتل آل سعود، قتل هؤلاء المجرمون، طلاب العلم، طلاب الجامعات، المواطنين الذين ذاهبون ويذهبون إلى أعمالهم للقيام بشؤون حياتهم، أموالكم يا آل سعود قذرة، كما بيناها لكم في هذه الخطبة السريعة والمتواضعة، وأنتم قذرون في أفعالكم وفي إجرامكم، لقد سخرتم الأموال التي أعطاها الله إياها في القتل والعربدة والشذوذ الجنسي والانحلال الخلقي، ماذا تريدون أن تفعلوا أكثر من ذلك؟ ماذا تريدون أن تقدموا للكيان الصهيوني أكثر من ذلك؟ قتلتم شعوباً، قتلتم تاريخاً وحضارة، في اليمن، في ليبيا، في العراق، في سوريا، في مصر، في كل بلد عربي، وتدعون بعد ذلك أن العدو الأخطر والأكبر هو إيران؟.
اسمعوا أيها القذرة كما وصفكم الله جل جلاله في سورة التوبة: ﴿الأَعرابُ -وأنتم الأعراب- أَشَدُّ كُفرًا وَنِفاقًا﴾ [التوبة: ٩٧], كم ينافقون، نحن عندما نستمع إلى المحللين السياسيين السعوديين والخليجيين لا نستغرب بما يقال وبما يقولون وبما يتشدقون، لأن الله جل جلاله بين لنا أنهم هم رأس النفاق: ﴿الأَعرابُ أَشَدُّ كُفرًا وَنِفاقًا وَأَجدَرُ أَلّا يَعلَموا حُدودَ ما أَنزَلَ اللَّـهُ عَلى رَسولِهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ * وَمِنَ الأَعرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنفِقُ مَغرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ﴾ [التوبة: 97-98], اللهم إنا نسألك أن تجعل دائرة السَوء عليهم كما وعدتنا في وقت عاجل، ﴿عَلَيهِم دائِرَةُ السَّوءِ وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 98].
لكن هذا الشعب الذي يعاني ما يعاني، من أموال السعوديين، من غدر السعوديين، من غدر الطاغية سلمان، من غدر المعتوه ظالم الجبير، ومن غدر أردوغان الأحمق، يقف المواطن السوري يقول للعالم بأسره: ما ركعت في تاريخي ولا في حياتي حتى أركع لكم اليوم أيها الجرذان، فأنا عربي وأنا سوري ومن قبل أنا مسلم، لن نركع حتى نرى سوريا بإذن الله جل جلاله مُطهرة من براثن غدرهم ومكرهم.
والذي يؤرق آل سعود والقطريين والأتراك والأمريكيين هذه الانتصارات، انتصارات الجيش العربي السوري، أيها الجيش، أيها الجيش العربي السوري، لا يسعنا في هذا اليوم المبارك إلا أن نخاطبك من على أعواد منبر رسول الله، منبر مسجد بني أمية الكبير بدمشق، نقول لكم: يا رجال الله على الأرض، أنتم لكم الصدارة، لكم الحب، لكم الوفاء، لكم الاحترام، لكم كل التقديس والإجلال، وكل الحب والاحترام والإجلال للمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، التي أعادة للأمة العربية والإسلامية عزتها وكرامتها، عندما حررت الجنوب، وكسرت شوكة الجيش الصهيوني، الذي كان يَصفه رجاله أو أشباه الرِّجال بقولهم: إنه الجيش الذي لا يُقهر, لكنه تحت أقدام المقاومة اللبنانية تحطمت دباباتهم المرغافة، وتحطمت أسطورتهم التي اخترعوها واصطنعوها وآمنوا بها، فوجدوا أن المقاومة لا يكسرها شيء في هذا الوجود، أن المقاومة لا يكسرها شيء، لأنها على الحق، والله جل جلاله مع الحق وناصر الحق، ولو بعد حين، فإنه مَن تمسك بالحق فإنه ينتصر ولو بعد حين.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تجعل عملهم هذا نصرة وخيراً للأمة العربية والإسلامية، اللهم وفق السيد الرئيس المؤمن القائد بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.