خطبة الجامع الأموي لفضيلة الشيخ مأمون رحمة
10 من جمادى الأولى 1437 هـ / 19 من شباط 2016 م
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا( [النساء: 71]. ورد في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين)).
معاشر السادة: لقد لُدغ المسلمون مراراً مِن جُحر واحد، وإذا كان المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين كما علمنا رسول الله، فإن من حق الإيمان علينا ألا نَسأم من تبصرة الناس بمواطن الأفعى، وأن نحذرهم بشدة من تكرار الإصابة، خصوصاً إذا كان عدوهم قد بَدَّل زِيَّه، وتعلم كيف يخفي شراكه، وكيف يحتال لبلوغ غايته، ويخفي مكره وخداعه.
إن الأمة اليوم بحاجة إلى الرواد الذين يجمعون إلى الفقه وحسن الدراية أن يتصفوا بالتجربة الميدانية، ليضعوا أيدينا على مواطن ومكمن الخطر، وإن الجماهير الغفيرة في كل مكان تَنتظر هؤلاء الرواد الصادقين، ليلقوا الأضواء الكاشفة على المسائل الغامضة، وذلك لأن بعضهم قد التبس عليهم الأمر فلم يستطيعوا أن يميزوا بين الغث والثمين والعواطف والحقائق والأماني والوقائع.
لقد مرت الأمة العربية والإسلامية بظروف قاسية، وخرجت بثروة هائلة من الأحداث الجسام والوقائع العظام، وكان أن تشرذمت الأمة وسكلت كل سبيل وسارت وراء كل ناعق، حتى أعيتها وعورة الطرق وأجهدها الصراع، ومزقتها الأهواء والنزوات الشخصية، وهناك كثيرون من الغيورين على مصلحة الأمة يتساءلون: لماذا عندما جاءت روسيا إلى سورية بِطلب ورغبة من القيادة والشعب معاً علت الأصوات في الخليج وتركيا وقطر وبعض وبعض الدول الغربية مُستنكرة ذلك ووصفته بالتدخل السافر؟.
مع الأسف، لقد تصدى كثيرون ممن يحسنون ومن لا يحسنون التقييم والتنظير، حتى تقاطعت الخطوط وتشعبت السبل، وكان أن تشرذم الأمة وسلكت كل سبيل وسارت كل ناعق، حتى أعيتها وعورة الطرق ومزقتها الأهواء والنزوات الشخصية، ولكننا نَرُدُّ على هؤلاء الناعقين بأن هذه الأصوات التي ارتفعت ضد روسيا اليوم ارتفعت من قبل، ولماذا؟ هل قرأت أيها المسلم، أيها العربي، عن مشروع الرئيس الأمريكي "دوايت آيزن هور"، حيث أعلن في مشروعه إقرار السلام في العالم، ولو أن الرئيس "آيزن هو" أراد حقاً إقرار السلام في العالم على أسس تقابل بالارتياح التام لبنى مشروعه على تصفية الاحتلال، ورد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها، وإعادة الجيوش المحتلة إلى مواطنها، وإعطاء كل شعب حريته المطلقة في تقرير مصيره، ولو أن "آيزن هور" فعل ذلك لقلنا: إن الولايات المتحدة تَقوم بعمل إنساني مُتجرد تستحق به أعظم التقدير والثناء، وأنها تتحدث عن قوتها لإرهاب المعتدين، وعن مالها لمواساة المحتاجين، لكن مشروع "آيزن هور" يجيء وسط ملابسات تخذله ويتضمن فروضاً وعروضاً لا ينبغي التسليم بها، ولا يُمكن التسليم بها، وإلا فما معنى أن يُقال: إذا جاء جَيش مِن المريخ أو من روسيا لمهاجمة الشرق فستنهض أمريكا لرده، وعلى دول الشرق أن تتهيأ مُقدماً لاستقبالنا أو لاستقبال عوننا المالي، ومتى يقال ذلك؟ في الوقت الذي تنكل فيه إسرائيل بعرب فلسطين، وفي الوقت الذي تَفتك فيه فرنسا بإخواننا في الجزائر فتكاً ذريعاً، وذلك كله يقع دون أن تقول الولايات المتحدة لزبانية الاحتلال الغربي: كُفُّوا أيديكم، إن هذا المشروع لا يَرعى عدلاً ولا يُقرُّ سلاماً، ولا ينتج خيراً للعرب والمسلمين، إنما يهدف إلى توطيد مصالح بعض الدول الأوربية، وربما ضمن لإسرائيل مزيداً مِن الحماية وضمان المستقبل، بيد أننا نبحث في ثناياه جاهدين، هل قدم لعرب فلسطين أملاً في حياة آمنة بعد أن مزقتها الأطماع شَرَّ ممزق؟ بل نَجد تصريحات الرئيس الذي وَضع هذا المشروع كاشفة عن رأيه فينا وحكمه علينا، حيث قال: لقد خلقت إسرائيل لتبقى، وإن بلاده تكفل بقاءها بقوتها ومالها، أي أن بلاده مصرة على إفناء فلسطين وتشريد أهلها إلى الأبد، وعلى أنقاض هذه العروبة المضرجة بالدَّم الممرغة بالثرى يُبنى السلام الأمريكي المنشود لشعوب الشرق الأوسط، والآن فلنُلقي نظرة فاحصة على المشروع الأمريكي كما كتبه صاحبه وكما ترجمته إلى اللغة العربية سفارة الولايات المتحدة في مصر، فقد رأى "آيزن هور" أن انجلترا وفرنسا كانتا تَحميان الشرق الأوسط من الهجوم الروسي عليه، وأنه بعدما حصلت دولة على استقلالها الذَّاتي وأخرجت الدولتان الكبيرتان منه أصبح في المنطقة فراغ يَجب سده، فكيف يُسَدُّ هذا الفراغ؟ يُسَدُّ هذا الفراغ بنظر الرئيس الأمريكي بمعونة أمريكا، وتساءل آنذال المفكرون والأحرار: لماذا يَجيء دور الحماية الأمريكية بعد ذهاب انجلترا وفرنسا، ولماذا لا تمكن شعوب المنطقة من الدفاع عن نفسها بقواها وخصائصها؟.
يا سادة: إن الزَّعم بأن في الشرق فراغاً يجب أن يملئ هو تعبير ملطف للقول بأن في الشرق عبيداً يحتاجون إلى سيد، أو صاصرين يحتاجون إلى ولي، أو بتعبير أحنى يتامى يحتاجون إلى كافل، والكافل المطلوب لا ينبغي أن يكون من أهل المنطقة المغموطة، يجب أن يكون من خارجها، فإذا لم يكن من انجلترا أو من فرنسا فليكن من أمريكا، والحذر كل الحذر أن يكون من روسيا، فإن استلاء روسيا على هذه البلاد يساوي في خطره وضرره عودة هذه البلاد إلى أهلها وضياع مكانة الغرب فيها، وما تكون وظيفة الكافل الأجنبي؟ وظيفته أن يَحتفظ بخيرات هذا الشرق القاصر للأقطار التي تفتقر إليها.
والغريب أن الرئيس "آيزن هور" لم يتحرج من الكشف عن خبيئة السياسة الغربية، فقال في صراحة: إن غرب أوربا يرتكز اقتصادياً على الشرق الأوسط، ومِن ثم يجب أن نَضمن بقاء الشرق في أيدينا باسم إنقاذه من التوسع الروسي.
هل أدركت -أيها المسلم، أيها العربي- هذا المغزى العميق وتفكرت فيه؟ عندما انسحبت قوات العدوان من مصر قال "آيزن هور": لقد تمكنت الأمم المتحدة من تحقيق وقف القتال وسحب قوات العدوان من مصر، لأنها كانت تتعامل مع حكومات وشعوب تُكِنُّ الاحترام اللائق لآراء البشرية، أي أن انجلترا وفرنسا انسحبنا من مصر احتراماً للضمير الإنساني، وهذا والله وصف مضحك، فإن الدولتين الباغيتين ما وَقفتا القتال في مصر إلا بعد التدخل الروسي، والخوف من تدمير لندن وباريس بالقذائف الروسية الموجهة.
هذا التاريخ الطويل كيف يُنسى، وعبره الغائرة الدفينة كيف لا تُستخرج وتدرس وينتفع بها؟ فهل يُعيد التاريخ نفسه؟ وهل أدركت -أيها المسلم، أيها العربي- أن مشروع "آيزن هور" مشروع غزو أخطر من غزو الإنجليز والفرنسيين لمصر؟ وواضح أن أمريكا -وهنا بيت القصيد- وواضح أن أمريكا تريد به أولاً روسيا، وتريد به ثانياً هذا الشرق الأوسط.
إن أمريكا تُريد الشرق لتستذله، وتريده لتضرب به روسيا، وتُخفي هاتين الرغبتين في غلاف من المزاعم والخرافات.
هل أدركت -أيها المسلم، أيها العاقل- تلك المؤامرة الأمريكية الخطيرة التي تحيكها أمريكا بالتعاون مع بعض دول الخليج وعلى رأسهم آل سعود الأقزام، كيف تحاول أمريكا اليوم أن تهيمن على منطقة الشرق الأوسط باسم إنقاذها من التوسع الروسي؟ فنحن نقول لهم كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لست بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعني)، لا يمكن أن نخدع على الإطلاق بالسياسة الأمريكية الماكرة والماجنة، وقد بين الله لنا جل جلاله في محكم التنزيل أن أعداءنا سيتكالبون علينا، ووصف لنا وصف لنا ما تُكن صدورهم لنا من حقد وعداء دفين، عندما قال جل جلاله: )وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَة( [النساء: 102].
فاليوم كثير من السوريين بشكل خاص والعرب بشكل عام تَخبطوا في ما بينهم ومع بعضهم البعض مِن أجل التَّدخل الروسي في الجمهورية العربية السورية، وكما قُلنا هذا التدخل كان بطلب ورغبة من القيادة والشعب معاً، لكن البعض تأخذه قنوات التضليل الإعلامي فيستمع إلى قنوات الكذب والمجون، فيتخبط في موقفه، لا داعي للتخبط، ولا داعي للقلق، ها هي محافظة اللاذقية مدينة وريفاً أصبحت آمنة بفضل الله جل جلاله، وارتفع فوق أرضها علم الجمهورية العربية السورية، والفضل أولاً لله سبحانه، والفضل ثانياً لرجال الله رجال الجيش العربي السوري، والفضل ثالثاً لدولة روسيا الاتحادية، وللجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكل شريف عربي حر أو غربي وقف بحق إلى جانب قضيتنا وإلى نصرتنا.
فنحن اليوم لا يَنبغي علينا أبداً أن نَستمع إلى كلام الذين لا يُستحق أن يسمع، ولا ينبغي علينا كما قال بعض العارفين: (لا تُمكن أذنيك من زائغ القلب)، هناك أناس يسعون إلى الفتنة، هناك أناس يريدون أن يضعوا العوائق أمام انتصارات الجيش العربي السوري، هناك أناس يريدوا أن يشوهوا صورة روسيا الاتحادية على مستوى الأوطان والبلدان العربية والأوربية، لماذا؟ لأنهم أدركوا أنهم قد أصبحوا في مزبلة وإلى مزبلة التاريخ.
فيا سادة: المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يُلدغ من جحر مرتين))، ونحن حق علينا أن نكون عقلاء، أن نكون منطقيين، أن نكون واقعيين، تجاه ما يجري في سوريا بشكل خاص، وتجاه ما يجري بالوطن العربي بشكل عام.
معاشر السادة: انتصارات الجيش العربي السوري تتقدم كل يوم، وتسير بخطاً ثابتة، وكل التحية والإجلال والاحترام والإكبار لأهلنا الأكراد الذين يُدافعون عن أرض وطنهم، الذين يقفون جنباً إلى جنب مع رجال الله رجال الجيش العربي السوري، في إعزاز، في حلب، في الريف الشرقي من حلب الحبيبة، يقفون هؤلاء الأكراد الأشاوس، الذين يعرفون بحبهم للجمهورية العربية السورية، والذين يعرفون بمواقفهم الوطنية الأبية، يقفون جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري، لكي يطهروا أرض سورية من كلاب أردوغان الذي يُرسلهم إلينا ليقتلونا ويدمرونا ويَهتكوا أعراضنا ويسلبوا نعمة الأمن والأمان مِن بيوتنا وأحياءنا ومدننا وقرانا، وكل التحية والإجلال لأهلنا في البوكمال، هذه المحافظة العظيمة والراقية والشامخة، برجالها, بنساءها, بشبانها, بأطفالها, وقفت بحق، وقفت بجدارة، وقفت بقوة، وقفت بعزة، لكي تقاتل الإرهاب والإجرام، ومنعت نعم منعت محافظة البوكمال أن يدخل داعشي قذر إلى أرضها لكي لا ينجسها، وقفوا بشرف، نحن بحاجة اليوم -أيها السوريون، أيها المواطنون، أيها الشرفاء، أيها العظماء- نحن بحاجة اليوم أن ننتفض بقوة، أن ننتفض بغلظة، وأن ننتفض بشجاعة، في وجه داعش، لا ينبغي عليك -أيها المسلم، أيها السوري، أيها العربي- أن يدخل الخوف إلى قلبك من هؤلاء الجبناء، ومن هؤلاء الحمقى، ومن هؤلاء القذرين، والله فرض علينا اليوم كلنا جميعاً أن نحمل البندقية، وأن نذهب جميعاً إلى إعزاز، لنقول لأردوغان: نحن هنا، نحن هنا، جئناك أيها القاتل، جئناك أيها السفاح، جئناك أيها المجرم، نحن هنا سوريون، هذه بلد الأسود، بلد الرجال، بلد العظماء، جئناك أيها القذر، أيها الجبان، أيها الصهيوني، أنت والمعارضة الخارجية الذين جلسوا مع زعماء بني صهيون، خسئتم يا جبناء، خسئتم يا أنذال، نحن هنا لن نرضى أبداً، ولن نستكين أبداً، ولن نركع أبداً، ولن نساوم أبداً، ولن نهادن أبداً، حتى نرى سورية مطهرة من براثن غدركم ومكركم، ويعود إليها الأمان والأمن، إلى بيوتها، إلى أحياءها، إلى شوارعها، إلى مدنها، إلى قراها، ويعود الناس إلى مدنهم وبلدانهم وقراهم، رافعين علم الوطن في قلوبهم أولاً، وعلى شرفات منازلهم ثانياً، وفي أحياءهم ثالثاً، وفي وطنهم رابعاً، لكي نقول للعالم بأسره: مكرتم وصبرنا على مكرتم، قتلتم وزادنا قتلكم عزيمة وإصراراً، فبقينا وبقينا وسنبقى صامدين، شامخين أقوياء، لا نهادن ولا نساوم، ولن نركع لأي قذر أراد بسوريا مكراً حتى نرى علم الجمهورية العربية السورية ذو العينين الخضراوين يرتفع ويرفرف فوق سماء هذا الوطن الحبيب، والحمد لله رب العالمين.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين, اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري, اللهم إنا نسألك أن تكون لهم معيناً وناصراً لهم في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر حزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً لهم في السهول والجبال والوديان، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.