الجمعة 17 شوال 1445 - 26 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2016-01-24 الساعة 10:18:23
من جهّز غازياً في سبيل الله فقد غزا
الشيخ مأمون رحمة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب( [المائدة: 2].

معاشر السادة: إن الجندي المدافع عن وطنه يقف المواقف الخطيرة، ويجود بحياته في محاربة العدو لتعلو كلمة الحق وتحيا الأمة حياة الكرامة، فهو جدير بأن يُلاقي من الأمة التبجيل والتكريم، وشعور الجندي بأنه يعمل لخير أمة تُقدر رجالها حَقَّ قدرهم مما يَزيد إقباله وثباته على الدفاع قوة، وإذا شعر غيره بهذا التقدير فقد يَقوى حرصه على أن يَسلك سبيله ويَبذل كل ما يَعز عليه في سبيل سلامة الوطن وسيادة الأمة، وقد سئل بعض الحكماء عن أشد الأشياء تدريباً للجنود فقال: الإكرام للجيش بعد الظفر، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.

ولتكريم الأبطال مظاهر منها:

الاحتفال بتوديعهم عند الخروج للحرب، كما خرج الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُشيع أسامة بن زيد والجيش المسافر معه إلى الشام، وكان أبو بكر ماشياً على قدميه وأسامة راكباً راحلته، وخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُشيع سعد بن أبي وقاص والجيش المسافر معه إلى فتح فارس، حتى بلغ موضعاً يُقال له الأعوص، وهناك خطب فيهم خُطبةً أوصاهم فيها بالعدل والرحمة، ثم عاد إلى المدينة.

ومن مظاهر تكريم الأبطال: استقبالهم والاحتفاء بهم عند رجوعهم من حرب أبلوا فيها بلاءً حسناً.

ومن مظاهر تكريم الأبطال: عناية المجتمع بأسره في أمرهم وأمر أسرهم، حيث جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لِسلمة بن الأكوع في بعض مغازيه بين سَهم الراجل والفارس، فأعطاه خمسة أسهم لِعظم تضحيته في تلك الغزوة، وزاد عمر بن الخطاب في عطاء فتاة من بيت المال، وقال إن أباها فتح حِصناً.

ومن مظاهر تكريم الأبطال: صَوغ عبارات الشكر والثناء عليهم، حيث كان العرب يُثنون على أبطالهم، وينوهون بذكر مقاماتهم المجيدة، قال أبو تمام:

كم بين قوم إنما نفقاتهم مال *** وقوم يُنفقون نفوساً

وبطولة الرجل تُطلق الألسنة بتمجيده، حتى ألسنة خصومه الذين تجرعوا من شدة بأسه مرارة، فقد روى علماء الأدب أن يَزيد بن المهلب خَرج على يزيد بن عبد الملك، فوجه لِقتاله أخاه مسلمة بن عبد الملك، وثبت يَزيد بن المهلب في قتاله وأبى أن يَهرب من ساحة القتال، وقد تسلل أعوانه حتى قُتل، فأراد أحد جلساء يزيد بن عبد الملك أن ينال من ابن المهلب ويحط من شأنه، فقال له يزيد بن عبد الملك: إن يزيد طلب جسيماً وركب عظيماً ومات كريماً.

ومن مظاهر تكريم الأبطال: الإغضاء عن أخطاء تَصدر منهم، فإن إخلاصهم وتضحيتهم يشفعان لهم، فقد روى علماء السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعث خالد بن الوليد لدعوة بني جذيمة إلى الإسلام، فسبقت يد خالد إلى قتل رجال منهم باعتقاد أنهم يستحقون القتل، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكر فعل خالد وقال: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد))، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ديات من قتلوا، ولم يعزل خالداً عن قيادة الجيش.

يا سادة: لقد أكد الإسلام على دعم الجندي مادياً ومعنوياً، وذلك لأن هذا الدعم يزيد من حماسته ومن تضحيته، وحذر من إجحاف حقه، لأنه يؤدي إلى تقاعسه وفتوره، وقد اهتم الخلفاء الراشدون بهذا الجانب الخطير، فقد روي عن أبي بكر أنه كان يُسوي بين الناس في أعطيتهم، فلا يُفضل أحداً على أحد، فقد ذكر الليث بن سعد أن أبا بكر كُلِّلم في أن يُفضل بين الناس في أعطيتهم، فقال: فضائلهم عند الله، فأما هذا المعاش فالتسوية فيه خير، فلما تولى عمر الخلافة، واتسعت الفتوحات، وتدفقت الغنائم، رأى عمر في تَوزيع العطاء بين الناس غير ما رأى أبو بكر، رأى ألا يُسوى بين من قاتل رسول الله وبين من قاتل معه، ويرى العلماء أن ملحظ عمر في تقسيم العطاء أولى بالتطبيق، فإن درجات الناس بالآخرة لا تَهدُّ الفوارق، فإن درجات الناس في الآخرة حسب إيمانهم، لا تهد الفوارق التي بينهم في الدنيا حسب كفايتهم وجهادهم، فإن عمر أبى إلا تحقيق العدالة وتنظيم الأوضاع، وتكريم المتقدم وتأديب المتأخر في الدنيا، وحساب الناس بعد ذلك إلى الله، وقد حفظ الإسلام للفرد شخصيته المعنوية بعد المحافظة على شخصيته المادية، فطالبه بعزة النفس، وأوصاه أن يستمسك بها، وشرع من العقائد والتعاليم ما يؤكدها، واستنكر أن تكون القلة المادية سبيلاً للنيل من كرامة الإنسان أو إذلال جانبه، وفي ذلك يسوق القرآن قِصة أقوام ارتكبوا هذه المحاولة، حيث قال سبحانه: )هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُون( [المنافقون: 7].

وقد حفظ الإسلام الكرامة الاجتماعية، وتقوم هذه الكرامة على المساواة بين الطبقات، وإقامة الموازين القسط بينها، وجعل التكافل الاجتماعي والمادي هو الرباط الذي يجمع شتاتها ويركز قواها، فلا تكون النعمة احتكاراً لفئة، ويكون الحرمان نصيب فئة أخرى، إذ إن هذه التعاسة مصدر ضعف عام، ومسار سَخط مكتوم، تجعل أبناء الوطن الواحد لا يَتحمسون للدفاع عنه ما داموا ليس سواء في الانتفاع بخيره، ولأن المحرومين من حقوقهم المتبرمين بأوضاعهم سيتركون مؤنة الدفاع عنه لمن يأكل خيره، وقديماً قال الشاعر:

لا أزود الطير عن شجر *** قد بلوت المر من ثمره

وهذه الحقيقة -يا سادة- هي السر الفتور والفتور الذي يسود الجماهير في المجتمعات الغافلة، فلا بد من إقامة العدل بين طبقات المجتمع، حتى لا يَكون هناك مجالٌ لأي تدخل خارجي، وحتى تهب الجماهير على قلب رجل واحد بإزاء أي هجوم ويوجه إليها من أعداءها المتربصين، ومما يتصل بالكرامة الاجتماعية للأمة أن يَتقرر فيها مَبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة العلم والعمل والمغانم للجميع على سواء، وهذا من أولويات العدالة التي شرع الله لعباده، ومما يُذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقر هذا المبدأ على أولاده، ورفض أن يتميز أولاد أمير المؤمنين على سائر المؤمنين، فقد أرسل أبو موسى الأشعري لما كان والياً للكوفة بعض الأموال الحكومية إلى عمر مع ابنين له كانا مجندين في الجيش العائد من الكوفة إلى المدينة، وأراد أبو موسى أن ينفع ابني عمر مِن هذا المال المرسل إلى أبيهما، فدلهما على شراء بعض المحاصيل الرخيصة من الكوفة ليبيعاها بثمن أغلى في المدينة ويأخذا لنفسيهما الفرق، ولكن عمر استولى على المال المرسل، وقاسمهما الربح الزائد، لأن هذه الفرصة ما كانت لتتاح لرجال الجيش على سواء، ولا لابنيه بصفتهما الشخصية، إنما أُتيحت لهما لأنهما من بيت الحكم، والربح من هذا الطريق لا يجوز، وهذا التصرف من عمر شدة إحساس منه بضرورة تكافؤ الفرص بين الناس، وضرورة قطع الطريق على الوسائل المريبة في الاستغلال وجر المنافع الشخصية، وتسليط الوساطات المغرضة لاقتناص الفرص السانحة مِن أي سبيل وبأي ثمن.

كم تتألم عندما تقرأ أن جيوش اليهود عندما تَحركت تبغي الاستيلاء على الأرض المقدسة كانت أموال أغنيائهم تتدفق من خلفها سيولاً ليس لمدها جزر، فما شكى اليهود المحاربون من أجل قيام إسرائيل عِوزاً، ولا تسولوا في كفاحهم الجائر درهماً، إذ كانت حاجاتهم مَكفولة ومطالبهم مبذولة، بينما المدافعون الشرفاء فقد انبعثوا من صميم الطبقات الفقيرة، وجمعت لهم الإعانات قروشاً تافهة من العمال والفلاحين والموظفين، ولولا أن الحكومات تداركت الأمر، ورصدت من ميزانيتها شيئاً يسيراً، إذاً لانكشف هذا الجهاد المرير عن فضيحة مخزية وسَوأةٍ بالية، ليس لها من علة إلا بخل بعض أغنيائنا ونكوصهم على أعقابهم، فقد ورد في الحديث الصحيح، عن أبي ذر قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول في ظل الكعبة: ((هم الأخسرون ورب الكعبة، هم الأخسرون ورب الكعبة)) فقلت: من هم يا رسول الله، بأبي وأمي أنت من هم؟ قال: ((الأكثرون أموالاً، إلا من قال هكذا وهكذا، من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم)) أي إلا مَن وضع المال في المواضع التي يَجب أن يضعها فيه، في مواساة الفقراء والمحتاجين، من أرامل ويتامى وجرحى ومرضى، وغير ذلك مما يوجد في المجتمع منه كثير.

معاشر السادة: إن المجتمع الحق والمجتمع الواعي والأمة الواعية هي التي تقف بحق إلى جانب رجالها، الذين يُدافعون عنها، وعن دينها، وعن كرامتها، وعن عرضها، وعن تاريخها وحضارتها، فاليوم فرض على كل مسلم، فرض على كل عربي، أن يدعم الجيش العربي السوري، بالماديات والمعنويات، أن يقف إلى جانب كل رجل شريف في الأمة العربية والإسلامية، أن نقف جميعاً إلى جانب الجيوش التي تحارب داعش، التي تحارب يأجوج ومأجوج، الذين جاؤوا من كل أنحاء الأرض، يَقتلوا الأمة ويدمروها ويشتتوها، باسم العروبة والإسلام، فرض علينا اليوم -يا سادة- أن ندعم الجنود السوريين، أن ندعم الجنود العراقيين، أن ندعم كل جندي يقاتل داعش، أن نقف إلى جانبهم، أن نحبهم، أن نكرمهم، أن نحترمهم، أن ندعمهم، أن ندعو لهم، لأنهم لولا هؤلاء لضاعت الأمة، لولا هؤلاء لما بقيت سورية، ولما بقيت الأمة العربية والإسلامية بأسرها.

منذ أيام كنت أتابع على شاشة التلفاز العربي السوري، هذا الإعلام المقاوم، هذا الإعلام الشريف والنزيه، الذي يُحاول آل سعود الأقزام في كل يوم وفي كل ساعة أن يُحاربوه، وأن يطمسوا حقيقته، وأن يطمسوا هويته، كُنت أتابع برنامج يتكلم عن نسمة أمل، تقوم على خدمة الجرحى من الجيش العربي السوري، وعلى رعاية أهلهم، فقلت: هذه النسمة نسمة أمل، نريدها أن تتحول إلى رياح، تحمل معها سحباً تمطر خيراً وعطاءً وبركة وأملاً وحباً، وبلسماً يُداوي الجراح، كم تشعر -أيها السوري، أيها العربي- كم تشعر بسعادة غامرة وأن تقف إلى جانب جريح من رجال الله رجال الجيش العربي السوري، وتقوم على خدمته ورعايته، وتغرس الحب والعطف والحنان في قلب عائلته؟ كم هو جميل أن يَنظر أولاد الشهيد وأولاد الجريح بعيونهم البريئة إليك -أيها السوري، أيها العربي- وأنت تحنو عليهم، وتقدر جهادهم، وتقدر بطولتهم وتضحيتهم، هذا العمل هو الذي يحبه الله، والذي دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا))، فأبواب الخير مفتوحة على مصراعيها، فهلمّوا أيها السوريون، هلموا أيها الشرفاء، هلمّوا أيها الأشاوس، لكي ندعم الجيش العربي السوري، لكي ندعم الرجال الذين يُحاربون الإرهاب، كم بَكينا وتألمنا على المجزرة التي حدثت ووقعت بأبشع وأشنع صورة في ضاحية البغيلية في دير الزور، ما يَزيد عن ثلاثمئة شهيد، قَتل الخنازير داعش، هؤلاء الخنازير قتلوا شعباً بريئاً، بحجة أن أهالي ضاحية البغيلية يتعاونون مع الجيش العربي السوري، وبناء على هذا الكلام فإنهم يَجب أن يقتلوا الشعوب العربية والغربية بأسرها، لأنها تُؤيد وتدعم جيوشها، فقولوا لي بربكم: هل يوجد شعب في هذا العالم لا يُحب جيشه؟ هل يوجد شعب في هذا العالم لا يُؤدي من يحميه؟ هل يوجد شعب في هذا العالم لا يقدر قيمة الجندي الذي يدافع عنه؟ أما إذا كانت النظرة غير ذلك فبئس ذاك المنهج وبئس ذاك الفكر العفن، الذي يَخدم الصهيونية العالمية أولاً وآخراً.

إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الخطـــــــــــــــبة الثانيـــــــ2ـــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مريعاً سحّاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده لما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 999
تحميل ملفات
فيديو مصور