الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى عزوجل في محكم التنزيل: )هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب( [آل عمران: 7].
ورد في الحديث الذي رواه الترمذي، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((ما ضل قومٌ بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)).
معاشر السادة: قد يُصاب المرء في عنفوان قوته واشتداد ساعده بأمراض خطيرة، فيكون له من سلامة البدن وتوافر المناعة ما يَحفظه من سطوة الأوجاع الطارئة وسرعة فتكها، وقد تبقى لهذه الأمراض آثار كامنة تنتهز أوقات الضعف والعجز، فتعاود هُجومها وتستأنف فتكها، والدول كالأفراد في هذه الأحوال، فقد يعتري الدول خلل خطير في بعض شؤونها لا تبدو آثاره على عجل، لأن هناك من روافد القوة وعوامل البقاء والنماء ما يغلب على هذه الأسقام العارضة، فإذا تبدلت الأمور وضعفت أسباب المقاومة ظهر العوار الخفي وترادفت أضراره وتلاحقت أوزاره، وانطلاقاً من ذلك يقول المفكرون: (إننا نَشعر بالقلق لحاضر الثقافة الإسلامية، ولسنا مُطمئنين على مستقبلها، فهي فيما يَرى المفكرون والبَاحثون لا تُعطي صورة دقيقة ولا كاملةً للإسلام كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكما سار به الأسلاف العظماء في أرجاء الأرض، فتحولت بهم إلى ربيع مُزهر وحياة نابضة).
إن البيئات التي يَنتشر فيها مذهب محمد بن عبد الوهاب تَتَّسم بالقصور والجمود، وتَشدها إلى التراب طبائع مُعتلّة، والجو الذي تحيا فيه يُخالف مخالفة تامة جو القرآن الكريم المليء بالصحو والضوء والتألق والانطلاق، ولك أن تقول: إن كتاب الله بين ظهرانينا وقد تكفل الله بحفظه، وكذلك السنة المطهرة قد ظَفِرَت بصيانة فريدة، وما دام المسلمون يتوارثون هذه الكنوز فلن يُخشى عليهم زيغٌ ثقافي، ولا محل لهذا التشاؤم الذي خامر فؤادك، ويرد عليك المفكرون بقولهم: إن وجود هذه الكنوز لا يُغير مما ذكرت، فإن للبترول مَنابع ثروة في بعض البلاد العربية، ومع ذلك فهم لم يُحسنوا استخراجه ولا بناء ناقلاته ولا إدارة الآلات به، وللقُطن حقول فيحاء، ومع ذلك لم يُحسنوا نسيجه ولا إبداع مصانعه ولا تزويق ألوانه.
إن المهم ليس وجود الكنوز المادية والأدبية، وإنما المهم وجود البشر الذين يُفيدون منها، وقد أمكن إيجاد محطات تُذيع القرآن كله بين عشية وضحاها، فامتلأ الجو بأصوات الوحي التي تذهب بدداً، لأن الأمة السامعة في واد آخر، والثقافة التي تَشرح الإسلام لهذه الأمة وتَربطها به لا تُضيء فكراً وغامضاً ولا تَهدي قلباً حائراً، ولا تُثبت قدماً وجلة، لا تزال هذه الثقافة تَحمل في أطوائها صُور مجتمعات إسلامية مُعتلة وقضايا فكرية وعاطفية جَديرة بأن تُوضع في المتاحف لا أن تُدفع إلى دنيا الناس.
مِن أجل ذلك أهاب الغيورون بأولي الألباب من المؤمنين أن يَتداركوا هذه الحال حتى يمكن تكوين أجيال صالحة تكون أوعى لدينها وأبصر بمطالبه وأقدر على خدمته وأمضى في نصرته، وإذا أرادت الأمة أن تخلق أجيالاً سليمة وواعية وأن تبني مجتمعات نظيفة فعليها أن تعمل على تنقية بيئتها من الكتاب التي تنشر الفكر الوهابي.
إن هناك مئات الكتب مخلوطة بسموم ناقعة وخرافات سمجة، تتداولها ألوف الأيدي ويقرأها من يعي ومن لا يعي.
إن الكتب الدينية التي يعتمد عليها الوهابيون ويتداولونها فيما بينهم تَجد فيها القليل النافع، وتجد إلى جانبه الغثاء التافه بل الداء العضال.
لقد كثرت هذه الكتب السفيهة الزائفة حتى غلبت الثقافة الدينية الصحيحة، فلا عجب إذا وجدنا الأجيال المتأخرة مِن المسلمين يسيرون متعثرين، لا تشدهم وجهة ولا تدفعهم قوة، لأن الثقافة التي صَنعتهم لا تُنتج إلا نفوساً خاملة وعقولاً شائهة.
إن من أخطر الأمور -يا سادة- أن تجد الشباب يعكفون على قراءة الفكر الوهابي ويتأثرون به دون أن يعترضهم أحد، فتلقاهم بعد قليل قد علقت بأذهانهم أفكار سقيمة وتوجيهات عقيمة مما تضر ولا تنتفع، والشيوخ المتخرجون من مدارس الوهابية يَملكون للأسف ثروة مشوشة من هذا الدين المختلط، فهم يعرضون مع الإسلام بلايا ذهنية ورزيا نفسية تُؤخر أكثر مما تقدم، ولا تزال عُقول بعض المتدينين مَشحونةً أو متأثرة بقضايا أثارها محمد بن عبد الوهاب.
إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى جهاز غَيور حَصيف يتتبع هذه الأباطيل، فإن لم يستطع إزالتها مِن مَواضعها وضع ألف عَلامة حمراء للتحذير منها والتنبيه إلى دَخَلِهَا وفسادها.
أتريد صورة للإسلام الذي يقدمه الوهابيون للمجتمعات؟ تخيل معرض سيارات فاخرة، أحسن الصناع جوهرها ومظهرها، وتطلعت العيون معجبة إلى روائها، فإذا برجل يدخل إلى هذا المعرض وهو يَصيح عالياً، يُريد أن يبيع دابته للناس بدل أن يَشتروا من تلك السيارات الفاخرة، ماذا يَفعل الناس في إزاء هذا الموقف؟ إنهم يَسخرون منه ومن دابته، هَكذا قدم الوهابيون الإسلام، إن هؤلاء يَصلحون للعمل في أسواق الماشية، ولا يَجوز أبداً أن يَتحدثوا عن إسلام لم يفهموه ولم يرتفعوا إلى مستواه.
يا سادة: إن الإيمان يَضيع أثره مع كل خلل يُصيب العقل، ومع كل هوى يخالط القلب، أو بتعبير أوضح: لن يكون للدين موضع يحتله ويعمل منه إذا اختفى الإنسان السوي وتَعطلت مشاعره وتعطل أسمى ما فيه وهو تفكيره وضميره، كان يَجب نعم كان يجب على المسلمين أن يغربلوا مواريثهم التي أثقلت كواهلهم، وقذفت بهم في ذيل القافلة البشرية، وأن يُحاكوا أعمالهم وأحوالهم إلى الوحي الأعلى، فيمحون ما يُخالفه وهو كثير، بيد أنهم لم يفعلوا، فلما هجم الاحتلال العالمي على بلادهم أَحرجهم إحراجاً شديداً، وأرغمهم على ترك كثير مما لديهم، فقال بعض الجهلة: انهزمت التعاليم الإسلامية، لا، بل انهزم الدخن الذي حرصتم عليه وتشبثتم به، وزعمتموه دين وما هو بدين، كيف ينهزم الإسلام في معركة لم يَدخلها؟.
إن الهزيمة لحقت بالأفهام السقيمة والأوضاع الجامدة والعادات الفاسدة التي أتى الناس بها من عند أنفسهم، وأوهنوا بها الفكر والمجتمع والدولة، وشوهوا بها وجه الحق وأضاعوا بها الكتاب والسنة، فإننا نُعلن حرباً شعواء على الغش الثقافي في ميدان التدين، مُستصحبين في هذه الحرب قول الرسول الكريم r: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)).
يا سادة: إن الغلو في الدين قد ينتقل من الفرع إلى الأصل ومن الجزئيات إلى الكليات، وهو علة ما وقع في أديان سبقت وشرد بها عن الصراط المستقيم، حيث قال سبحانه: )قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل( [المائدة: 77].
ومع الأسف، تجد الكثير من المعتنقين للفكر الوهابي قد ألفوا كتباً كثيرة تَكاد لا تحصى حول البدع، وزيارة القبور، وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام ، وزيارة الصحابة والصالحين من هذه الأمة، واعتبروا ذلك شركاً، هل قرأت يوماً أو هل سألت نفسك يوماً -أيها المسلم، أيها العربي- كم كتاباً ألف الوهابية في كارثة الأندلس، وسبب ضياع الإسلام منها؟ تجد الجواب مُفزعاً، كم كتاباً ألف الوهابية في خَراب فلسطين وضياع المسجد الأقصى؟ تَجد الجواب مُفزعاً، فحذار من هؤلاء الدجالين، الذين يُغررون بالجماهير، ويُسخرون ما لديهم من فضل معرفة في إتاهة الناس عن الحق، وتدويخهم هنا وهناك.
يا سادة: الفكر الوهابي ضَرب الجمهورية العربية السورية، وأحرقها وحولها إلى أنقاض، بسم أنه يريد الدين، أنه يريد أن يُحارب البدع، أنه يُريد أن يدمر مقامات وقبور الصالحين والأولياء، لأننا كما يعتبرونا نعبد تلك القبور، أننا مشركون، كفروا الأمة، كفروا البشرية، وهذا الفكر الوهاب الخطير يَضرب ليلة أمس جاكرتا، يَضرب كل مكان، يَهدد أوروبا بأسرها، حتى يتبين لنا قول الحبيب الأعظم، وهو قول الحق، ولا كلام بعد كلام رسول الله إلا كلام الله جل جلاله: ((من نجدكم يخرج قرن الشيطان))، قرن الشيطان دمر الأمة العربية والإسلامية، قرن الشيطان يتعاون مع الشيطان "نتنياهو"، ومع الشيطان "أردوغان"، ومع الشيطان القطري، حتى يُدمر أكثر، حتى يقتل أكثر، حتى ينتهك من الأعراض والحرمات أكثر، وحتى يفعل، وحتى وحتى ...، فأين الأمة العربية والإسلامية التي تحذر من هذا الفكر الوهابي، الذي بدأ يجتاح جميع بلدان العالم بدون استثناء، إن لم يصحو العالم بأسره لخطورة الفكر الوهابي ستجدون الكرة الأرضية كلها مُحولة إلى أنقاض، هذا الكلام لا مُبالغة فيه، الإرهاب يَضرب في الأرجنتين، الإرهاب يضرب في فرنسا، الإرهاب يضرب في البلدان العربية، في العراق، في مصر، في ليبيا، في فلسطين، في كل مكان، وأموال آل سعود هي كالكشك، أموال كما قالها سيد المقاومة سماحة حسن نصر الله: عندهم أموال كالكشك، مُستعدين أن يمولوا، أن يدفعوا، أن ينفقوا، خدمة لبني صهيون، خدمة لبني صهيون، قياماً على رعايتهم، قائماً على مصالحهم، تحت مظلة الإسلام، وتحت عباءة الإسلام، وتحت عمامة النبي نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام .
لكننا نقول لآل سعود الأقزام، ونقول لكل من تآمر على سورية: سورية اليوم بقيادة القائد المقاوم بشار حافظ الأسد، هذا القائد الذي لم يتخلى عن وطنه، هذا القائد الذي وقف مُدافعاً عن الجمهورية العربية السورية، ليقول لهم: أنا عربي، أنا سوري، بقيادة الجيش العربي السوري، نجد الانتصارات تتحقق في كل مكان، في الغوطة الشرقية، في سلمى، في الشمال السوري، في الجنوب في درعا الحبيبة، انتصارات جليلة ومصالحات وطنية تجمع القلوب مع بعضها البعض.
لقد برهن أهلنا الأوفياء في درعا أنهم درع الوطن، لقد برهن أهلنا الأوفياء في درعا أنهم لن يَنسلخوا عن هويتهم السورية، وأنهم سيبقون مدافعين عن هذا الوطن، وأنهم كانوا وما زالوا درع هذا الوطن، منذ أيام قليلة كَرَّم أهل درعا أنفسهم أهالي الشهداء وأبناء الشهداء من أموالهم الخاصة بمبالغ كبيرة وهائلة، لكي يُعطوا للعالم بأسره أننا سوريون، لن نتخلى عن شبر من أرضنا ومن وطنننا الحبيب.
فيا آل سعود، أموالكم قذرة، وأخلاقكم قذرة، وسلوككم عاطل ومنهج فاسد، فكفوا عنا، فنحن سوريون نؤمن بالله جل جلاله، ومن يؤمن بالله يؤمن بوطنه، لأن الإيمان بالوطن هو من الإيمان بالله، وهو من حب الله، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثا مُغيثاً هنيئاً مريعاً سحّاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده لما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.