الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضى اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب( [الأنفال: 25].
معاشر السادة: إن الإسلام يأمر برفع الشقاق والتنازع وبالاعتصام بحبل الوحدة، وهذا معنى قوله سبحانه: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا( [آل عمران: 103]، وقوله سبحانه: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين( [الأنفال: 46]، وقد حذرنا النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم أن ننحرف عن المسار الذي رسمته لنا الشريعة الإسلامية السمحة عندما قال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يَضرب بعضكم رقاب بعض)).
إن الله ارتضى لنا الإسلام ديناً، ومنذ قرون طويلة سمانا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام بهذا الاسم الكريم، ثم جاء النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فهدانا للصراط وأتم النعمة، وترك فينا وحيه وهديه، ونحن بميراثه مستمسكون، وبهذا الإسلام الحنيف مستظلون ومتشرفون، ما نرضى عنه إلى شيء ولا نبتغي عنه إلى نسبة مفتعلة.
وقد اختلف المسلمون في أمور عديدة، لكن أحداً منهم ما يرضى بعنوان غير الإسلام، ويستحيل أن ترجح عنده صفة أخرى على هذا العنوان الفذّ الأثير، إذاً ما الذي حدث؟ الحقيقة أن هناك أناساً لا يتقون الله في دينهم ولا في أمتهم، أطلقوا غيوماً داكنةً من الإشاعات والظنون، كانت العلة الدفينة في تمزيق الشمل، وملئ الرؤوس بطائفة من التصورات الباطلة، وملئ النفوس تبعاً لذلك بطائفة أخرى من الأفكار المنحرفة، وجماهير العامة للأسف الشديد ضحايا لِتَكاذب متبادل لا أساس له، إنك لَتشعر بوخز في فؤادك عندما تجد المستشرق "جُولد" يردد على لسانه مرات عديدة قوله: (الإسلام الشيعي والإسلام السني) هل هناك إسلامان حقاً في أمتنا؟ إنه إسلامٌ واحد، إسلام عارٍ عن هذه الأوصاف الزائدة، مُجردٌ من تلك الإضافات المحدثة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يحرص أحفاد محمد بن عبد الوهاب المجرمون على إذكاء نار الفتنة والعداوة بين المسلمين؟ يَجيبك على ذلك أحد علماء مصر رحمه الله حيث قال: جاءني رجل مِن العوامّ مغضباً يتساءل: كيف أصدر شيخ الأزهر "محمود شلتوت" فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامي كسائر المذاهب المعروفة، فقلت له: ماذا تعرف عن الشيعة؟ فسكت قليلاً ثم أجاب: إنهم على غير ديننا، فقلت له: لكني رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم، فتعجب الرجل وقال: كيف هذا؟ فقلت له: والأغرب أنهم يَقرؤون القرآن مثلنا، ويُعظمون الرسول ويَحجون إلى البيت الحرام، فقال: لقد بلغني أن لهم قُرآناً آخر وأنهم يَذهبون إلى الكعبة ليحرقوها، فقلت له: أين هذا القرآن؟.
إن العالم الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظَلَّ مِن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لا يَعرف إلا مصحفاً واحداً، مَضبوط البداية والنهاية، معدود السور والآيات والألفاظ، فأين هذا القرآن الآخر؟ ولماذا لم يضطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يُساق هذا الافتراء؟ ولحساب مَن تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم.
إن المصحف واحدٌ يُطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النَّجف أو في طهران، ويَتداولونه فيما بينهم وفي بيوتهم دون أن يَخطر ببالهم شيءٌ البتّة إلا توقير الكتاب ومنزله جل شأنه ومبلغه محمد صلى الله عليه وسلم، فَلِمَ الكذب على الناس وعلى الوحي؟ فنظرت للرجل راثياً وقلت له: أنت معذور، إن بعضنا يُشيع عن البعض الآخر ما يُحاول به هَدمه وجَرحَ كرامته، كأننا أمةٌ مُتعادية لا أمة واحدة، فعلينا نَحن حملة الإسلام أن نُصحح الأوضاع وأن نزيل الأوهام، ونَعتقد أن لفتوى الشيخ "محمود شلتوت" شوطٌ واسع في هذه السبيل، وهي استئناف لجهد المخلصين مِن أهل السلطة وأهل العلم جميعاً، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون مِن أن الأحقاد سوف تأكل هذه الأمة قبل أن تلتقي صفوفها تحت راية واحدة، وهذه الفتوى في نَظرنا بداية الطريق وأول العمل، بداية الطريق لتلاق كريم تحت عنوان الإسلام الذي أكمله الله جل جلاله وارتضاه لنا ديناً، فهل ندع الحريق يَجتاح ديننا وأوطاننا وحضارتنا، ونَنشغل به بالتلاوم والتكاذب؟ فلحساب مَن تشاع الإشاعات والأكاذيب، وتعاني الأمة كلها من ويلاتها؟ بل لحساب من يستبقى هذا الشر حتى يجيء من الأجانب مَن يقول: هناك إسلام شيعي وإسلام سني.
إن من أقبح الأمور -يا سادة- افتعال الأسباب لأغراض تافهة، فكيف يَستبيح الوهابية وأذنابهم لأنفسهم أن يَخلقوا الفرقة خلقاً وأن يقحموها على الواقع إقحاماً لا لشيء إلا لرؤية الناس أحزاباً متناحرة وطوائف متدابرة.
إننا نشعر بالحزن والأسى عندما نرى البعض يُرسلون الكلام على عواهنه، بل يسوقون التهم جزافاً غير مبالين بعواقبها، دخلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة، فأساؤوا إلى الإسلام وأمته شر إساءة.
ونرى ليل الجهل بالدين والدنيا معاً يزحف بطيئاً بطيئاً ليُرخي سدوله على كل شيء؟ وقليل من عصم الله يُرسلون بين الحين والحين صراخاً عالياً بُغية إيقاظ الغافلين ورد الهمل عن موارد الهلكة، وهيهات، كأن الطوفان الشر أكبر من أن تدفعه الأيدي الحانية، وكثير من أصحاب التدين المعلول يُخاصم باسم الله، وهو في الواقع مُنبعث عن عوج عقلي أو نفسي أو أَسير مأرب دنيوي، سيطر عليه من حيث يدري أو لا يدري، ولم تَنجو الأديان جملةً من هذا الصنف، فقد حذر القرآن الكريم المسلمين عواقب هذه العدوى من أهل الكتاب الأولين فقال: )وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم( [آل عمران: 105]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هَلك مَن كان قبلهم بالمراء والخصومات في الدين، وانطلاقاً من ذلك: حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته والسير على نهجه، فقد روى الإمام أحمد وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن أُمر عليكم عبد حبشي، فإنه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)).
يا سادة: هل أغنت هذه النصائح؟ هل أجدت هذه النصائح وهل أغنت هاتيك النذر؟ فإننا نبرأ من أصحاب الفكر الوهابي الظلامي، لأنهم يحرصون على تمزيق الأمة وإضعافها وتشتيها، فهم ليسوا منا، وليسوا من الله في شيء.
يا سادة: إن إصرار مملكة الرمال على إفناء الأمة العربية والإسلامية وإذلالها لَن يُنتج إلا الشرور المتلاحقة لمستقبل الإنسانية كلها، هذا الحقد الوهابي الأسود موضع عجبنا الذي لا ينفد، لماذا يَطوي القوم أفئدتهم على هذه الضغائن كلها؟ لم يَبق في الأرض سلام ما بقيت الصهيونية تنفث سمومها في كيان الأمة العربية والإسلامية، وما بقي أدواتها المتمثلين بالوهابية يُنفذون مخططاتها بكل ثقة واعتزاز.
يا سادة: لما سكت العالم على اغتيال الدكتور البوطي تَجرأ آل سعود على اغتيال العلماء في كل مكان، إن اغتيال الشيخ الجليل "نمر باقر النمر" دليل واضح على حقد الوهابية للعلماء الشرفاء، ما يَجري اليوم مِن قتل وإجرام في مملكة الرمال، وهذا تاريخهم، وهم وصلوا إلى الحكم مِن خلال القتل والدماء، ويُعربدون في مملكتهم مِن خلال القتل والدماء، ويُدرمون الأمة العربية والإسلامية من خلال القتل والدماء، الشيخ الجليل "آية الله نمر باقر النمر" واجههم بالقلم، فواجهوه وعاملوه بالسيف، أما في سورية مَن غرر به من خلال الأقزام آل سعود، وحمل السلاح من السوريين وقتل وأجرم في أبناء وطنه، قال له الأسد في قوته في عطاءه في عفوه في صموده في حبه لهذا الشعب: تعال ألق السلاح وأنت أخ لنا في الأخوة، وأنت أخ لنا في الوطنية والإنسانية والدين، لو كان واحد من المملكة السعودية حمل السلاح في وجه آل سعود في وجه النظام الغاشم سلمان، ماذا فعل به؟ الشيخ النمر رحمه الله واجههم بالحجة والدليل والبرهان، وطالب حقوقاً له وحقوقاً لأهله ولشعبه في مملكة الرمال، فكان مِنهم القتل والإجرام، أين حرمة العلماء؟ يا عرب، يا مسلمون، يا علماء، أين حرمة العلماء؟ لماذا يُقتل علماؤنا ونحن نسكت؟ لماذا تستباح الدماء دماء أهل العلم والأمة العربية والإسلامية تسكت لماذا؟ تخافون من آل سعود؟ تخافون من الاغتيال؟ تخافون من قتل وإجرام؟ لا، هذه ليست أخلاق المسلم، وهذا ليس من إيمان المسلم، وليس من إيمان العربي، لا ينبغي علينا أبداً، وأنا أطالب العالم بأسره أن يقف وقفة حق كما وقف أهلنا في العوامية، وكتبوا لافتةً: دم العلماء خطٌ أحمر، فهل نفعل كما فعل أهلنا في العوامية؟ فنتوجه بأحرّ التعازي إلى أهلنا في العوامية، وإلى عائلة الشيخ نمر باقر نمر آية الله رحمه الله، نتوجه إليهم بأحر التعازي، ونقول لهم: يا آل النمر، لقد كان دماء هذا الشيخ الجليل مَنارة لنا وقدوة لنا على مر العصور والزمان، وإذا كان الجلاد السعودي قد قَتله فستكون حياة النمر أطول من حياة جلاده؟
يا سادة: واجب علينا اليوم كمسلمين أن نقول: لا للقتل ولا للإجرام، لا بحق عالم ولا بحق مديني أينما كان، هذا القتل بدم بارد، هذا الاغتيال بدم بارد، لا ينبغي أن يسكت عنه، ولكن لعن الله الجبناء، ولعن الله الخون، ولعن الله المتآمرين، ولعن الله المنبطحين، إلى متى هذا الانبطاح؟ وإلى متى هذا السكوت؟ وإلى متي هذا التخاذل؟ وآل سعود والنظام السعودي بالذات يُعربد ويقتل ويجرم ويسفك ويهدد، ويفعل ما يفعل، والأمة تؤمن به مع الأسف، ولا تؤمن بربها.
عودةً -يا سادة- إلى الإيمان الحق، إلى العقيدة الصحيحة، إلى الله جل جلاله، لنقول للعالم بأسره: دم علماءنا خط أحمر، دم شعبنا خط أحمر، دم كل شريف خطٌ أحمر، نناشد الشرفاء في العالم فنقول لهم: لن تَسقط سورية ما دمت واقفين إلى جانب قضيتها، لن تموت قضية فلسطين ما دمتم تنادون في ليلكم ونهاركم بإحيائها، لن تموت الأمة العربية والإسلامية ما دام هناك أناس يعملون لله، لا من أجل سمعة ولا من أجل رياء ولا من أجل نفاق ولا من أجل مال ولا من أجل منصب، يعملون من أجل الله ومن أجل حقن الدم، فطوبى وطوبى لكل من أخلص عمله لله، والحمد لله رب العالمين.
الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم زدنا ولا تنقصنا وعافنا ولا تحرمنا، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده لما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.