الأحد 09 ربيع الثاني 1446 - 13 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2016-01-03 الساعة 09:37:11
وإنـــــك لعــلى خــلــقٍ عــظــيــم
الشيخ مأمون رحمة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله مادحاً الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم( [القلم: 4].

معاشر السادة: لقد ظهر العرب على صعيد الحياة لما ظهر محمد صلى الله عليه وسلم، لقد اصطفاهم الله ليحملوا الرسالة الخاتمة بعدما رباهم محمد بتعاليمها وأضاء حناياهم بأشعتها، وفي خلال رُبع قرن تقريباً كان نَبي الإنسانية قد استطاع إعداد جيش من المعلمين والمجاهدين، من رهبان الليل وفرسان النهار، من عشاق الشهادة ومصلحي الأرض، سبحان من أبدع محمداً لينشئ هذا الجيل من الأصحاب البررة المهرة، الذين ساحوا في البلاد واجتاحوا جذور الفساد، وكانوا خير أمة أخرجت للناس.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبوعاً تتدفق منه الشجاعة، لا يخشى في الله لومة لائم، مما جعل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: (كنا إذا حمي الوطيس اتقينا برسول الله) فإذا لم يكن الصالحون من وضوح النية وروعة السلوك وتألق السيرة على النحو المعجز البارز فهيهات أن يفوز بهم مبدأ أو تنزح بهم فضيلة أو تخذل أمامهم رذيلة، وإذا لم يفلح الإيمان بتكوين أسس للخير قوية التيار غلابة النفوذ شديدة النفاذ فهو لم يكسب في ميدان الحياة خيراً، ولم يكسب معركة.

إن الناس ينبعثون عن دوافعهم الخاصة كما تنبعث القذائف من مكامنها، وهذا ما فعله النسوة اللاتي تَربين في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن يَكون للنساء وجود شريف في ميدان القتال أساسه علاج الجرحى وإعداد الأدوية ونقل الموتى إلى الجبهات الخلفية وتهيئة الأطعمة والأشربة وكتابة بعض الرسائل والنهوض ببعض الأعمال الإدارية، ولا بَأس أن يكن مسلحات مدربات، فقد تقتضي الضرورة بأن يشتبكن مع العدو، فلا يجوز أن يقعن في يده لقمة سائغة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس، (أن أم سُليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خِنجراً فكان معها تحمله باستمرار، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خِنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر؟ فقالت: اتخذته إن دنا مِني أحدٌ من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول الله يضحك) وفي ذلك إشارة إلى رضاه عن فعلها.

وأخرج الطبراني عن مهاجر، (أن أسماء بنت يزيد -وهي المبايعات في العقبة- قَتَلَت في معركة اليرموك تسعة من الروم بعمود خيمتها، وروى البخاري عن الربيّع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة).

وروى الإمام مسلم عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمنى) أي أصحاب الأمراض الطويلة.

وقد أجاز الرسول العظيم لأم حرام أن تطلب الغزو في البحر، وقد ركبت البحر في سفينة مع زوجة معاوية عندما اتجه إلى فتح القسطنطينية، وماتت ودفنت في قبرص، فشتان بين مَن يَركب البحر من الشباب هارباً من الموت وخدمة وطنه، وبين هذه المرأة.

يا سادة: إن جهاد النساء عسكرياً واجتماعياً مَعروف في تاريخ هذه الأمة، ولكن البعض يُصيبه مَسٌّ عندما يسمع به، وإذا بقي قياد الإسلام الثقافي بيد هؤلاء المتطيرين القاصرين، فإننا سنلقى هزائم شتى في ميادين الحياة والدعوة الإسلامية، فإننا نأخذ مِن هذه الأمثلة لتاريخية الخالدة وغيرها أن أبناء الصحابة رضي الله عنهم كانوا على جانب عظيم مِن الشجاعة الفائقة والبطولة النادرة والقتال الجريء، وما ذاك إلا بفضل التربية القويمة التي تلقوها من مدرسة النبوة، والبيت المسلم والمجتمع المؤمن المجاهد الشجاع، بل كانت الأمهات يدفعن بأولادهنّ إلى ساحات القتال دفاعاً عن الأرض والدين والشرف، ويوم يسمعن خبر النعي ونبأ الاستشهاد تقول إحداهن قولتها الخالدة: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني وإياهم يوم القيامة في مقر رحمته، يوم يمشي الأبناء والمربون على هذا المنهج العظيم ويوم يتربى أولادنا على هذه الخصال وتلك المكارم، ويوم يأخذون بقواعد التربية الصحيحة في تحرير الأولاد من الخوف والجبن والخور يوم يفعلون كل هذا يتحول الجيل يومئذٍ من القلق إلى الثقة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن الخور إلى العزيمة، ومن الخنوع والذلة إلى حقيقة العزة والكرامة، ويكون مُتحققاً بقوله تبارك وتعالى: )وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون( [المنافقون: 8].

معاشر السادة: إن هناك إيماناً أساسه الخيال أو الشعور الموقوت أو التأثر العاجل، وإيجاد هذا الإيمان سَهلٌ، سمو المرء به حيناً ممكنٌ، ولكن الإسلام يبتغي إيماناً يصحب المرء في حياته كلها، ويصبغ أحواله المتباينة بصبغة ثابتة، ويظل معه في صحواته وهفواته، وفي حربه وسلمه، وفي بيعه وشرائه، وفي شدته ورخائه، وفي أفراحه وأحزانه، وهو بهذا الإيمان يَكون مع الله أو يَكون الله معه، لأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

ما أجمل أن يُراقب الإيمان في نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة ليتعرف في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها، وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلص من هذه الهنات التي تزري به، ألا تستحق النفس الإنسانية بعد كل مرحلة تقطعها من هذه الحياة أن نُعيد النظر فيما أصابها من غُنْمٍ أو غُرْم، وأن نرجع إليها توازنها واعتدالها كلما ردتها الأزمات وهزها العراك الدائر على ظهر الأرض، في تلك الدنيا المائجة.

إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك، ذلك أن الكيان العاطفي والعقلي للإنسان قلما يبقى متماسك اللبنات، مع حدة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات، فإذا ترك لعوامل الهدم تنال منه فهي آتية عليه لا محالة، وعندئذ تنصرف المشاعر العاطفية والعقلية كما تَنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه، ومِن ثم فنحن نرى في هذا الإسلام الجامع الكِفاية المشبعة للأزمات الروحية والفكرية التي يعانيها الناس ويتطلعون منها إلى مخرج، ونرى فيه المنهج الذي ينفي متاعب الحيرة والشرود ويضعف أسباب الوهن والضعف، ويصل الإنسان بالله صلة كريمة، ومن هنا نَرى أن السبيل النهضة الناجحة لا يتمهد إلا إذا استطعنا على عجل بناء جماعات مِن الدعاة المدربين البواسل ينطلقون في أقطار العالم الإسلامي ليرأسوا صدعه ويَذودوا عنه كيد الخصوم ومكر الأعداء وعبث الجهال وسفاه المفتونين.

نعم، أحوج اليوم ما نكون إلى هؤلاء الدعاة، وإننا لا نخشى من الأخطار المحدقة بالإسلام، ولا نخشى من القوى المعدة لدمار بلاد العروبة والإسلام، وإنما نخاف أشد الخوف ونفزع أشد الفزع عندما نَرى بعض المسلمين يَتحللون من عهودهم مع الله، وينسلخون مِن لباس التقوى، وينساقون بالغباوة مع الاحتلال المهدم لقوانا الروحية والمقطع لحبالنا الدينية، لا بد إذاً أن نعود سراعاً إلى إسلامنا وعروبتنا وأخلاقنا جملة وتفصيلاً، لنكون مع الله ويكون الله معنا.

معاشر السادة: لقد كان للمرأة السورية في هذه الأيام وفي هذه السنوات الخمس التي مرت على سورية من حرب حاقدة كان للمرأة السورية دور كبير في ساحات القتال، ونحن نَعتز ونفتخر بكل بنت أو شابة أو امرأة سورية حملت البندقية ووقفت تدافع عن أرض ودين وعرض هذا الوطن، وكان للمرأة السورية أيضاً دَورٌ في بيتها، عندما دفعت بأولادها إلى ساحات القتال ليدافعوا عن سورية، وقالت لهم كلمتها التي تدل على قوة وصلابة هذه المرأة: يا أولادي، لا تجلسوا في بيوتكم، فإن الوطن يناديكم، إن أنتم لم تدفعوا ولم تدافعوا عن هذا الوطن، فمن يدافع عنه؟ وعندما سمعت تلك الأمهات الجليلات نبأ استشهاد أولادهنّ ذَكَّرتنا أن في سورية هي الخنساء، ذكرتنا أن الخنساء لم تمت، ذكرتنا أن الإيمان في قلوب أولئك النسوة يزداد يوماً بعد يوم، وأنهم يؤمنون بالله جل جلاله، أما الذين يخافون على أولادهم ويُرسلونهم إلى تركيا وإلى لبنان وإلى أوربا خوفاً من الموت فهؤلاء بحاجة أن يُراجعوا عقيدتهم وأن يراجعوا إيمانهم، وأن ينظروا في حقيقة وطنيهم وحبهم وتمسكهم ببلدهم العريق والعظيم سورية، فنحن في هذا اليوم المبارك، في اليوم الأول من عام  2016، نقول لكل شريف في سورية: هذا العام بإذن الله جل جلاله -ونحن نتفاءل والتفاؤل مشروع في الإسلام- هذا العام هو عام الانتصار، لا ينبغي علينا أن نتوانى على الإطلاق في الدفاع عن سورية، لا ينبغي علينا أبداً أن نكون جبناء خانعين أبداً، لا ينبغي علينا أن نترك المشردين يَنهمون تحت الجسور في مدينة دمشق وفي الشوارع وفي ساحاتها، يُكابدون الأمرين مِن التشرد ومن البرد، ونحن كأن هذا الأمر لا يعنينا ولا يهمنا جميعاً، يَنبغي علينا -يا سادة- نحن كسوريين أن نعزم العقد في هذه الساعة أن نحرر قرانا، أن نحرر المدن، أن نحرر كل شبر من أرض هذا الوطن، وأن نقف جنباً إلى جنب مع رجال الله رجال الجيش العربي السوري، حتى ننتهي من الإرهاب، أما يكفينا خمس سنوات بكينا وتآلمنا الكثير، خمس سنوات تحملنا ما تحملنا من التشرد والعذاب وغلاء الأسعار، واضطهاد الأعداء وجشع التجار، وغير ذلك، أما يكفينا؟ نريد أن نحمل البندقية، نعم أن نحمل البندقية وهذا شرف، ولا أرى اليوم شرف أعظم من الدفاع عن الجمهورية العربية السورية، لا أرى اليوم شرفاً من أن تحمل البندقية أيها السوري وتنزل إلى ساحات القتال لكي تطهّر أرض بلادك من الضباع الغرباء الذين جاؤوا يدمروك ويشتتوك ويهتكوا عرضك، أما يكفينا يا سادة؟ فنحن في هذا العام المبارك نجدد العهد مع الله، وينبغي علينا أن ننظر في أيامنا وفي حياتنا، ماذا عملنا تجاه ربنا؟ ماذا فرطنا في حق أنفسنا؟ ماذا قدمنا لوطننا؟ ماذا قدمنا لبعضنا البعض؟ التاجر يفعل جرداً سنوياً، وينظر في دفاتره، ليرى هل ربح أم خسر في هذا العام، وتعالوا يا سوريون، وتعالوا يا عرب، تعالوا يا شرفاء، لننظر هل خسرنا من أرضنا أم ربحنا؟ للنظر هل خسرنا من أخلاق النبوة أم ربحنا؟ تعالوا للنظر في سلوكنا، في أفعالنا، في أعمالنا، في معاملتنا بعضنا البعض، هل ازددنا حبنا لبعضنا البعض؟ هل ازددنا تماسكاً ورحمة مع بعضنا البعض؟ أم أننا نكيد لبعضنا البعض في ظروف قاسية، يفتك بنا أعداؤنا جميعاً ولا يستثني منا أحداً؟.

عام جديد يَنبغي أن يكون هناك عودة جديدة إلى الله جل جلاله، وعودة حقيقة، لكي نقف جنباً إلى جنب مع بعضنا البعض.

يا سوريون، يا عرب، نريد أن تنتهي هذه المأساة التي تدور في سورية وفي العراق وفي اليمن وفي مصر وفي كل بلد عربي، نريد أن تنتهي هذه المآسي، نريد أن نرى حمامات الدم قد انقطعت وزالت، نريد أن نرى العرب جميعاً والمسلمين جميعاً يتجهون إلى أولى القبلتين إلى فلسطين لكي نشجع أهلنا في فلسطين الحبيبة على انتفاضة السكاكين والدهس بالسيارات، هناك جهادنا، هناك حربنا، هناك عطاؤنا، هناك العمل الذي يحبه ويجله ربنا، أما يكفينا أيها العرب تخاذلاً؟ أما يكفينا أيها المسلمون دماءً؟ إن الأمر قد استفحل وأغضب رب العالمين، هل من عودة حقيقية إلى الإسلام؟ هل من عودة حقيقية إلى العروبة؟ هل مِن عودة حقيقية إلى المؤاخاة إلى التراحم إلى التعاطف؟ حتى لا نرى بيننا مشرداً ولا جائعاً ولا رجلاً أو طفلاً أو امرأة يُعاني الأمرين من شدة البرد ومن ألم التشرد.

إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ـــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثا مغيثاً هنيئاً مريعاً سحاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين، اللهم زدنا ولا تنقصنا وعافنا ولا تحرمنا، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري في السهول والجبال والوديان، وأن تكون لهم معيناً وناصراً، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً يا رب العالمين، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده لما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 962
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *