الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2015-12-18 الساعة 13:57:46
لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم
الشيخ مأمون رحمة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم( [التوبة: 128-129].

معاشر السادة: إن الدعامة الأولى في عظمة المصطفى صلى الله عليه وسلم هي رحمته الواسعة وقلبه الكبير، فقد كان يَبذل جُهوداً مُضنيةً لهداية الحائرين والأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة، فإن أبوا إلا البقاء على جاهليتهم والاستمرار على ضلالهم ملكه الحزن الشديد وشعر بما يشعر به الوالد عندما يَرى ولده قد أضاع مستقبله باللهو واللعب والغفلة، وكم مِن أب شعر بالشقاء لأن ابنه لم يَستمع إلى نصحه فرسب في الامتحان أو فشل في مجال العمل، ومحمد صلى الله عليه وسلم البار بالناس الحريص على حاضرهم ومستقبلهم كان الأسف يُمرضه عندما يرى بعضهم آثر الكفر على الإيمان واختيار الغي على الرشاد، وقد نَصحه الله بالتخفيف مِن هذا الشعور الغامر الممتد، فليس كل أحدٍ يَستحقه، فخاطبه الله بقوله: )لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين( [الشعراء: 3-4]، يعني أنه لا ينبغي أن يقتلك الحزن لمصير المعاندين، فلو شاء الله كسر شوكتهم فعرفوا الحق في أحرج ما يضر بهم من شدائد، أما الذين وهب الله لهم سعة الفكر وصفاء الضمير، فآمنوا عن إخلاص وقدروا نفاسة المبادئ التي احتواها الإسلام؛ فإن هؤلاء يعدهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جزءاً من نفسه، فقد روى الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، فأيما مؤمن ترك مالاً فيرثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً -أي عيالاً فقراء- فليأتني فأنا مولاه))، وظاهر هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل نفسه ولي أمر كل محروم، وأن قرابة الإيمان عنده تَرجح كل علاقة أخرى، وبهذه الصلة الروحية السماوية كان قوام المجتمع الإسلامي، الحب والتعاطف، فهم روح واحدة في أجسام متعددة، أو هم إحساس مشترك في جسد واحد، إذا تألم البعض شعر به الكل، فهبوا لدفع الأذى عنه وإدخال السرور على قلبه، والمنبع الأول لهذا الإحساس النبيل هو قلب صاحب الرسالة محمد صلوات الله وسلامه عليه، لأنه قلب أكبر مِن أن يَحقد لباعث شخصي، إنه يُحب لله ويكره لله، أمام نداء العدالة تَذوب كل قرابة ويَرتفع الصوت القانون، حيث قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة -فيما رواه الإمام أحمد-: ((يا فاطمة بنت محمد اعملي، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً)) وروى البخاري ومسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

وأمام نداء العطف والسماحة قال لكفار قريش وقد وقعوا جميعاً أسرى بين يديه بعد فتح مكة: (ما تظنون أني فاعل بكم؟)) قالوا: خيراً، أخ كريم وابن اخ كريم، قال: ((اذهبوا فانتم الطلقاء))، فلا غرابة بعد هذا إذا انطوت القلوب على حب محمداً حباً لم يعرف له نظير في تاريخ البشر، وكلما ازداد هذا الحب عمقاً وازداد شعاعه تألقاً اقترب المسلم مِن مرضاة الله واستكثر من طاعته، إن العالم من أزله إلى أبده لم يَعرف بشراً نقي المعدن زكي السيرة بهي الخلق صَبوراً على الشدائد فانياً في ربه شديد التعلق به دائم الذكر له مثل ما عرف هذه الشمائل في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يعرف العالم إنساناً شق طريق الكمال شقاً، ومَهَّدَه للناس تمهيداً، ودعاهم إليه أحر دعوة، وشرح معالمه لهم أرق شرح، وتحمل في ذات الله ما لم يتحمل أحدٌ مثلما عرف هذه الشمائل في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، إنه لا يعرف طرفاً من عظمة هذا الرسول الكبير إلا رجلٌ درس فلاسفة الأخلاق والاجتماع، وساسة الشعوب والجيوش، ومؤسسي الحضارات والدول، فإذا فرغ من هذا الدرس المستوعب لعظماء الأرض، وانتهى من استعراضه للمبدعين من قادة البشر؛ وقف بما لديه من خبرة أمام أمجاد الإنسان الكامل المكمل، ليرى أن عباقرة الأرض تلاشوا في سناه، وأن آثارهم تضاءلت أمام هداه، وأن اجتيازهم على أقرانهم تحولت صفراً أمام شمس النبوة الطالعة وهالتها الرائعة.

والثناء على محمد صلى الله عليه وسلم ينبجس من ينبوع الثناء على ربه، فهو تقرير حقيقةٌ وشكر واعترافٌ بالجميل، فليس مدحه من قبيل افتعال الشعراء لفنون القول في أشخاص من يمدحون، وليس شكره ألقاباً تمر بالشفاه مجازاة لنعمة محدودة، لا، فحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم فوق ما يصف الواصفون، والأيادي البيضاء التي أسداها تجعل كل مؤمن مديناً له بنور الإيمان الذي أضاء نفسه وزكاها، حيث خاطبه الله بقوله: )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُور( [الشورى: 52-53].

كان ظهور محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالة مفاجأة له وللناس على السواء، فهو لم يتطلع لهذا المنصب ولا استشرف له، والعرب الذين نشأ بينهم كانوا وثنيين يَعكفون على طلب القوت وابتغاء اللذة، ولا يعنيهم أمر السماء قليلاً ولا كثيرا، ًوفي هذا المعنى قال الله لنبيه: )وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِين( [القصص: 86]، أي أن الله هو الذي تفضل عليك واختارك لتهدي الناس، فقدر هذه النعمة وقاوم الضلال السائد حتى تكشف غمته ويتبدد ظلامه، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم متجرداً من كل معاني الغرور والكبرياء، ولم يَطلب من أتباعه تقديسه ولا تمجيده، لا، إنه رسول الله فقط، جاء برسالة تقوم على إفراد الله العظمة والإجلال والتقرب إليه جل جلاله بصدق الإيمان وصالح العمل، وأرفع الناس مكانة أزكاهم خلقاً، وأعرفهم بحقوق الله، وأسرعهم إلى مرضاته ونفع عباده، وتوكيداً لهذه الحقيقة قال عليه الصلاة والسلام: ((إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد))، وفيما رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ابغوني في ضعفائكم، هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟)) أي  من أراد لقائي فليبحث عني لا بين الأغنياء والكبراء، ولكن في سواد الناس وفي صميم الطبقات الكادحة، فإن هذه الطبقات قوام الحياة ومصدر العمل والإنتاج.

لقد عاش محمد صلوات الله وسلامه عليه في مكة ثلاثة عشر عاماً داعياً إلى الله، ثم عاجر منها تحت ضغط الاضطهاد والأذى ليقضي عشر سنين في المدينة.

يا سادة: يمتاز العشر المكي بأنه كان مرحلة بناء النفوس على الإيمان بالله واليوم الآخر، وتدريب المؤمنين على تكريس الحياة لخدمة الحق وإعلاء كلمته، وفي هذه المرحلة الشاقة تكون جيل من ذوي اليقين الخالص والخلق الرفيع والتضحية البالغة، فلما تحول هذا الجيل المكافح إلى المدينة أخذت مَلامح المجتمع المؤمن تتكون وتبرز، فإلى جانب بناء النفس على العقائد والأخلاق والعبادات، أخذ بناء المجتمع يتماسك بالتقاليد الفاضلة والقوانين المحكمة والمعاملات التي يزينها الشرف والنبل ويضبطها العدل والفضل، وجعل هذا كله مؤسساً على الضمير الواعي والحساس، فقال: ((البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يضطلع عليه الناس)).

معاشر السادة: إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة، جاء رحمة للعالمين، جاء رحمة للإنسانية جمعاء، ولكننا في هذا العصر المزري -مع الأسف- وجدنا أناساً قتلوا باسم الرسول الأكرم، وحملوا ألويتهم وراياتهم ليقتلوا ويُجرموا بالأمة العربية والإسلامية باسم الرسول الأكرم، وإنك لتستغرب -أيها السوري، أيها العربي، أيها المسلم- عندما تستمع إرهابياً يقول -وهو يضرب على سلاحه الغاشم-: (سنحقق قيام الدولة الإسلامية تحت ظل هذا السلاح) عجب، إنهم يقتلون ويجرمون ويرتكبون الكبائر ويفعلون ما يفعلون، تحت عباءة الإسلام، وتحت عمامة النبي صلى الله عليه وسلم، نقول لهؤلاء الإرهابيين: افعلوا ما شئتم، لكن ابتعدوا عن سنة رسول الله، وابتعدوا عن عمامة رسول الله، وابتعدوا عن عباءة الإسلام، ألا تستغرب -أيها المسلم، أيها العربي- كيف سموا كتائبهم باسم أحفاد الرسول، وباسم الحبيب المصطفى، وباسم السيدة عائشة، وباسم الحسن والحسين، وباسم غيرهم من الصحابة العظماء؟! ألا تستغرب؟! هل كان الرسول قاتلاً ومجرماً حتى يفعلون هم ذلك؟ هل كان الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم القويم كانوا مجرمين وكانوا قتلة؟ ولم لا تُسمون كتائبكم بدل أن تسموا كتيبة عائشة أو كتيبة أحفاد الرسول أو فيلق الرحمن أو ما شابه ذلك من هذه المسميات لم لا تسمونها باسم كتيبة الميركل، لم لا تسمونها باسم فيلق أردوغان القاتل المجرم، لم لا تسمونها باسم كتيبة هولاند، لم لا تسمونها باسم قاطع الرؤوس وممزقي الأجساد ظالم الجبير، لم لا تسمون كتائبكم بأسماء هؤلاء القاتلين المجرمين، باسم هؤلاء الفاسدين في الأرض، الذين قتلوا التاريخ، وقتلوا الدين، وقتلوا الإنسانية، وقتلوا الحضارات؟! كل ذلك تحت عباءة الإسلام، وتحت البكاء عليك أيها السوري، كم بكى علينا آل سعود قبحهم الله ما أكذبهم، هم والأبواق التي تنعق خلفهم، كم كذب آل سعود وكم كذب أردوغان، وكم كذبت ميركل وكم كذب أوباما وكيري، وغيرهم كم وكم وكم أيها السوري، كم كذبوا علينا أيها العرب، فهل من صحوة نستيقظ بها، لنحمي نحن ديننا، لنحمي نحن عقيدتنا، لنحمي نحن شريعتنا، ولندافع نحن عن أوطاننا، كم أساؤوا للإسلام ولنبي الإسلام، كل ذلك تحت عباءة الإسلام، حتى رأينا كثيراً من الناس أصبحوا ينفرون من الدين، وحنى رأينا كثيراً من الناس يَنظرون إلى الدين الإسلامي أنه دين قتل وإجرام، ودين جهاد نكاح، قبحهم الله ما أكذبهم، قبحهم الله ما أنكى تصرفاتهم، قبحهم الله على كل كلمة ينطقون بها باسم الإسلام ليقتلوا ويجرموا، ها هي فلسطين، ها هو أقصانا الحبيب يُدنس وتنتهك حرمته، وفي أكنافه أبناؤه يُذبحون، لأنهم يُدافعون عن الأقصى، لأنهم يدافعون عن قضية فلسطين، ومع ذلك ما رأينا داعشياً مجرماً قاتلاً سفاحاً خبيثاً حقيراً دنيئاً، ما رأينا داعشياً قال: سأذهب كي أحرر الأقصى الشريف، سأذهب إلى فلسطين كي أدافع عن أبناء الدم العربي، ما رأيناهم ولا سمعناهم، لا هم ولا سادتهم ولا من يمولهم، وإذا رأيت إلى محلل سياسي سعودي تَجده عندما تَسأله: لماذا تجتمعون يا آل سعود الأقزام، لماذا تجتمعون على دمار الأمة وتمزيقها وتشتيها فوق دمارها وخرابها ولم تذهبوا إلى فلسطين لتحرير الأقصى الشريف، تجد المحلل السياسي الذي لا يَصلح لقيادة نعجة يَتملص من الجواب، لأنه مُرتزق، لأنه ذنب، لأنه لا يريد الله ولا رسوله، إنما يريد أن يسود اليهود الصهاينة في الأرض قتلة الأنبياء ونقضة العهود، والحمد لله رب العالمين.

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــ2ـــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اسقنا الغيث الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من بركات الماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً سحاً طبقاً دائماً عاما إلى يوم الدين، اللهم إنا نسألك أن تَنصر الجيش العربي السوري في السهول والجبال والوديان، وأن تكون لهم معيناً وناصراً، وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأن تكون لهم معيناً وناصراً، اللهم وفق السيد الرئيس بشار الأسد لما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده لما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1200
تحميل ملفات
فيديو مصور