الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2015-09-13 الساعة 08:44:01
إنـــمــا يـــتــذكــر أواــو الألــبــاب
الشيخ مأمون رحمة

عظمة الإيمان -يا سادة- إنما تتألق وسط حياة يقوم بها المجتمع المؤمن ويَستطيع الانغماس في فتنتها، ومع ذلك فهو يَستطيع أن يحكم نفسه ويحكها باسم الله.

عظمة الإيمان تعتمد ابتاعاً على فقه في آيات الكون، يقف المرء على أسرار الإبداع الأعلى، ويشعر بما يستحقه الخالق الكبير من مجد وحمد.

عظمة الإيمان تقوم على نشاط عقلي لا حدود له، يواكبه نشاط روحي لا يقل عنه كفاءةً بل يزيد عليه.

أما إهزال الفكر الإنساني وإضعاف ثماره حتى يَستطيع التَّدين المعلول أن يملك زمامه فذاك ما نرفضه رفضاً قاطعاً.

إن الأعصار الأخيرة نتجت نتاجاً عقلياً رائعاً، نقل العالم من حال إلى حال، ونريد أن نصور دون تردد أن جهاد العقل الإنساني ومكاسبه التي ظَفرت بها موضع احترامنا، وإذا كان هذا الجهاد قد مَضى في طريقه منفرداً لم يَستَصحب الدِّين معه فليس هو الملوم في ذلك، فإن كثيراً من أهل الدين أساؤوا إلى أنفسهم وإلى ربهم، يوم بَخَّسُوا العقل قيمته وافتعلوا العراقيل أمام حركته، وإذا كانوا اليوم يبكون لمتاعب العالم الروحية فليس الاستماع إليهم تسليماً بوجهة نظرهم في حياة يتصورون قيامها.

معاشر السادة: نُريد من التقدم العلمي أن يَزداد مَقدرة على خدمة البشرية، وغاية ما نُريد أن يصحبه على الطريق وحي الله وثنا توجيهه حتى لا يضل ولا يزيغ.

قال أحد علماء مصر رحمه الله: أعرف رجلاً كان كثير التباكي على مستوى خطباء المساجد، مما جعله يَترك الجمع والجماعات، ويعلن أن ترك الصلاة لا يخدش قيمة ولا يَحط من كرامة، وأن الخُلق المجرد أولى بالتقدير وأجدر بالدعاية والرعاية، ومرت الأيام على صاحب التنويه بالخلق المجرد والكمال المطلق، فإذا هو ذئب مُتربصٌ بأعراض الفقيرات المستحقات للمساعدة، يَستَغِلُّ حاجتهنّ لإشباع نهمته.

إن الضمير الفردي والعالمي لما ابتعدا عن الدين ومكارم الأخلاق ارتكبا من الجرائم ما تقشعر له الجلود، ولن يعود إلى العالم حظ معقول من السلام والاستقرار إلا إذا تمسك بدينه وأخلاقه وقيمه.

ما أزكى المجتمعات الموصولة بالسماء المستكينة بالله النازلة على أمره المتحرية لرضاه، ما أروع المجتمعات التي يسودها إجلال للفضائل وإعزاز للمكارم وتواص بالرحمة والبر.

وإن العالم اليوم -يا سادة- يتلوى من الفراغ الروحي الرهيب، الذي أسعر في جنباته الأثرة والجشع والتظالم، وهو أفقر ما يكون إلى منقذين من الطراز الذي وصف الله رجاله أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.

إن أعظم ثمرة من ثمار العلم أنه يعصم من الفتن، ويحفظ الأفراد والجماعات من السقوط في الردى، ويُبين للناس الحق من الباطل والضلال من الرشد، ولذلك أشاد القرآن بدور العلم والعلماء في مواجهة الفتن وتحدي الضعاف ونصح الآخرين، حيث قال سبحانه: )فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُون( [القصص: 97-80].

فالجهل -يا سادة- لَيس خراباً قلبياً فقط، وليس ظلاماً فكراً، بل هو إلى جانب هذا وذاك دمار اجتماعي يقوض أسس المجتمع، ويردم منابع الحب والخير.

إننا لا نستطيع فُرادى أن نحقق شيئاً طائلاً، فالجماعة من شعائر الإسلام، والجماعة رحمة والفرقة عذاب.

وفي الميدان الدولي نجح أعداؤنا في الغرب بتمزيق أوصال الأمة، وتصبيغها ثقافياً وفكرياً بألوان أخرى غير صبغة الله، والمطلوب مِن الدعاة والعلماء الرَّاشدين ورجال الدين أن يُدرِكوا الأمة من الداخل، ويُقفوا حركة التمزيق الفكري والروحي الوافدة من الخارج.

يا سادة: إن الله سبحانه وتعالى خاطبنا بقوله: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب( تأمل أيها المسلم هذه الآية، تأمل أيها العربي في هذه المعنى الرباني، في هذا الكلام الإلهي الجليل، )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب( [الأنفال: 24-25].

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1147
1  2  3  4  
تحميل ملفات
فيديو مصور