يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا[ [الأحزاب: 23-24].
معاشر السادة: لَيس الانتصار والانكسار حُظوظاً عَمياء تُصيب الأمم وهي غير مستحقة لها، أو تفجؤها على غير توقعٍ منها، أو تلتوي بمسيرها فتقهرها على وجهة كانت تُؤثر سواها، لا فإن الأمور تتدافع إلى نهايتها وِفقَ سنن كونية دقيقة، وخواتيم الصراع بين الأمم لا تَقع خَبط عشواء، ولا تكلها الأقدار جُزافاً، بل تَجيء وفق مقدمات منتظمة، كما تَجيء النتائج بَعدها استكمال الأسباب عندما يَصطفي الله عبداً للشهادة يقذف في قلبه ثوراناً لا يَهدأ، حتى يأخذ أهبته ويَلبس عُدته، ويَنطلق إلى المعركة الناشبة ليدمر الباطل ويَسحق الظلم، ولن يعود منه إلا رفاته، أما روحه فكانت الوهج الذي أذاب بأس الظالمين وكسر كبرياءهم، نحن نضن عليه بالموت، ولكن الله لا يَضنُّ بهم على الاستشهاد، ولا يَضنُّ بالشهادة على أمثالهم، وفي المعارك الضخمة النتائج يكون القطاف الأول من هذه الصفوة الممتازة، ألا ترى إلى حروب الردة كيف تهاوى القرّاء على وردها حتى تفانوا؟ وَخُشي على القرآن بعد فقدهم، فجُمع على عجل في السطور التي حفظته بعد أن ضُرِّجت بأكفانها الصدور التي طالما رددته ......