يقول المولى جل جلاله في القرآن الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون( [البقرة: 183].
إن سورة البقرة تَدور كلها على محور واحد، تدور حول حقيقة التقوى ومعالمها، وما يوصل إليها، وأقسام الناس منها، ومواقف الأولين والآخرين من حقيقة التقوى، تكررت كلمة التقوى في السورة نحو أربعين مرة، لأن هذه الدعامة التي نهضت عليها السورة هي قوله سبحانه: )هُدًى لِلْمُتَّقِين( [البقرة: 2] ومعنى التقوى أن تعرف الله، ولكن أي معرفة؟ معرفة نظرية صورية؟ لا، التقوى أن تعرف الله معرفة تتحول إلى خشية نفسية وخوف عاطفي وإجلال وجداني لله جل شأنه، هل التقوى معرفة وخشية كلاهما داخل النفس البشرية فقط؟ لا، لا بد أن يظهر ذلك في السلوك عبادةً ومعاملة وخلقاً، لأن هذه السورة تناولت المجتمع في كافة شؤونه، ففي ميدان العبادة قال:)كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام( [البقرة: 183] وفي ميدان التشريع قال: )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاص( [البقرة: 178] وفي ميدان السياسة والدولة قال: )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال( [البقرة: 216] اللفظ واحد يَشمل تشريعات اجتماعية وسياسية وعبادية، لأن التقوى لا تنقسم ولا تنفك، فالضمير التقي هو الضمير الذي يكون الإنسان به مؤتمناً على صلاته وصيامه، على قضاء بين الناس وحكمه في شؤونهم، على خصومته، فهو ما يخاصم إلا لله ولا يحارب إلا لله، فالكيان الإنساني كله ما ينضج ولا يعظم ولا يكرم إلا بمقدار ما تصقله التقوى.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي العلاقة بين الصيام والتقوى؟