يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير( [الإسراء: 1].
هُناك خوارق للعادات أنبأنا الله عنها في كتابه، وهذه نَتلقاها جميعاً بالتصديق، )وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا( [النساء: 87] وربما نتساءل: هل هذه الخوارق المصدوقة شذت عن قانون السببية، أم هي مُنسجمةٌ مع قوانين أخرى لم نُحط بها علماً؟ قَد يكون هذا أو ذاك، فإن خالق الكون ومبدع نواميسه فوق هذه النواميس جل شأنه، إنَّه يحكمها ولا تحكمه، ويَقف تنفيذها إذا شاء أو يمضيه في طريقه، ومن العلماء من يرى أن قوانين الكون لا تنخرم ولا تتوقف، لأنه هكذا شاء بارئها، وما يَقع من خوارق إنما يقف وراء سنن كونية قد يكشف العلم عنها أو تبقى مستورة أبداً، فنحن لا ندري كيف تمت ولادة عيسى عليه السلام، وقد كانت مريم نفسها عاجزة عن فهم ما وقع لها، وحائرة ما تقول للناس، وكأن الله أراد إشعارها بأن الأمر كله خارج عن النطاق المعتاد، فألهمها أن تهز إليها بجذع النخلة، فإذا الأصابع الواهنة تهز الجذع الغليظ ليتساقط الرطب فوقها، ثم يَتكلم الوليد في المهد ليبرأ ساحة أمه، ويَشهد بعظمة خالقه الذي يقول للشيء كن فيكون، إننا صدقنا هذا الخبر لأن اللهَ أنبأنا به، وهو بلا رَيب شُذوذ عن القواعد العامة التي تَنتظم شؤون الخلق.