يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل مخاطباً الحبيب الأعظم: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين( [الأنبياء: 107] روى الحاكم عن سيد الخلق الناطق بالحق أنه قال: ((إنما أنا رحمة مهداة)).
أيها الإخوة: إن العنصر الأصيل في عظمة محمد هو الرحمة، الرحمة التي تجعل الإنسان يرق للناس أجمعين، بل يَرق لكل ذي كبد رطبة، والتي تجعله يَتصل بالحياة وفي نفسه عواطف غامرة من العطف والشوق والسلام، فهو لين الجانب لمن حوله، سليم الصدر لمن خاصمه، يتمنى عودته وأوبته أكثر مما يرجو تأنيبه وعقوبته.
لقد كان محمد معيناً لا ينضب من الرحمة والبر العميق بالناس، فهو يَهش لحاضرهم ويَتفقد غائبهم، ويفرح لسرورهم ويَبكي لأحزانهم، ويَعيش مع كل امرئ مِنهم وكأنه له صديق العمر، وهذه الدعامة المتينة لا بد منها في بناء كل عظمة إنسانية صحيحة، ولذلك قال الله لرسوله : )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك( [آل عمران: 159].