لقد بين القرآن الكريم أن الأمم تزدهر تنتصر بالصدق في القول والعمل، وتنهزم عندما تنكل عن حمل أعباء الحياة الحرة الأبية، وتنهزم عندما تنكث عن الإقدام في ساحات الجهاد والتضحية، وتخشى عواقب المخاطرة والجرأة، فلا بُد أن تُصدر عليها محكمة التاريخ حكمها بالإعدام، وهكذا بدأ القرآن يَقص أنباء هذه الأمة التي فَرَّت من تكاليف الحياة فأدركها الموت، قال سبحانه: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا( [البقرة: 243] فحقت عليهم كلمة العذاب، وماتوا في الديار التي عَجزوا في الدفاع عنها، ويبدو في ذلك أن قادتهم كانوا جبناء، ليسوا قادة مقاومة، وإنما كانوا أمراء ترف وساسة لهو ولعب، ويبدو أن شعوبهم كانت شعوباً مُخدرة بالملذات والمظاهر، منشغلة عما هو أسمى من ذلك، فلما أراد الله أن يُعلم هذه الأمة كيف تحيا أشعرها أن دون نيل الكرامة بذل النفس والنفيس، ودفع الضرائب المفروضة على الدم والمال، فقال لهم: )وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين( [البقرة: 190] ثم قال: )مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون( [البقرة: 245] وهيهات أن تستطيع الأمم الخوارة دفعَ ذلك الثمن الغالي، وكيف تدفعه من نفوس هي بها في الحق شحيحة، ومن أموال هي بها في الخير ضنينة.