من حكمة صنع الله تعالى أنه خلق الخلق ، وجعل منهم صفوة مختارة ، هم أنبياء الله ورسله، وفي الذروة منهم أولو العزم من الرسل ، وذروة الذرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، خلاصة خير البشر ، وأطيب غصن في سلالة ولد آدم -عليه السلام – اختاره الله تعالى ليكون رحمة للعالمين ، فقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وأما هو فبعث إلى الناس عامة ، ولهذه المنزلة الرفيعة جمع الله له ما تفرَّق من خُلُق المصطَفَيْنَ الأخيار، فكان عالماً في " فرد" أو " فرداً " في عالَم .
هذا هو النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم ، صاحب أطهر سيرة عرفتها البشرية،ومبلِّغ آخر رسالة سماوية اتصفت بالعموم والخلود ، ومربي أفضل جيل في تاريخ البشرية ، ومنشىء خير أمة أخرجت للناس،وصانع أول دولة في تاريخ الإسلام ..
لقد آن الأوان أن يتعرف العالم بأسره على خصائص هذه الشخصية الفريدة ، وأن ننتقل – نحن المسلمين – من مفهوم الرواية إلى الدراية بكل أخباره وصفاته وشمائله وغزواته ، لكي ننشرها بوعي كامل لأبعاد دعوته عليه الصلاة والسلام ، لأن ما تعانيه أمتنا الإسلامية اليوم هو حالة من " الاستعلاء الثقافي " يمارسه علينا العالم الغربي ،الذي ينظر إلينا بنوع من الازدراء والنقص ، خلا المنصفينَ منهم أمثال الكاتب الإنجليزي توماس كارليل الذي كتب في كتابه المشهور " الأبطال " قائلاً :
" لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يُظَنُّ من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمداً خادع مزور ، وآن لنا أن نحارب ما يُشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ، فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدَّة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا ، خلقهم الله الذي خلقنا ، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاشت بها وماتت عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة ؟؟؟ " .
لقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته كلها زاهداً في الدنيا وحطامها ، طامعاً بمرضاة الله تعالى ، حريصاً على تبليغ الرسالة بأمانة " بلغوا عني ولو آية ".
تعامل رسول الله مع أصحابه وخصومه بإنصاف شديد ، ارتقى بالمرأة وأعلى من مكانتها ، رعى الشيخوخة ، وعُني بالطفولة ، ودعا للحفاظ على البيئة ، و رفِق بالحيوان ، وكرَّم الإنسان ، ودعم إقامة المجتمع المتمدن والمتحضر ، وحرص على التوازن بين عالم الدنيا والآخرة ، عاش حياته كلها بعيداً عن الغموض والخصوصيات والأسرار ..
ليس في سيرته شيء يروى وشيء لا يروى ، كما أنه ليس في حياته أمر يستحيى من ذكره ، ولا خطوط حمراء يحرم تجاوزها ، حتى في علاقته الأسرية ، كانت مِلكاً للجميع ، لأنها تشريع وتبصرة للناس أجمعين .
إنه الرسول القدوة ، والأسوة الحسنة ، الذي قال فيه الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]
فالأسوة الحسنة والقدوة الطيبة ، والمصطفى والمجتبى من بين العالمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي شرح الله له صدره، ورفع الله له قدره، وأعلى له ذكره، وطهره ورفعه وكرّمه على جميع العالمين، وزكّاه جل وعلا في كل شيء. زكاه في عقله ، فقال سبحانه : مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]. زكاه في بصره فقال سبحانه : مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]. زكاه في فؤاده فقال سبحانه : مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]. زكاه في صدره فقال سبحانه: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]. زكاه في ذكره، فقال سبحانه: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]. زكاه في طهره ، فقال سبحانه: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [الشرح:2]. زكاه في علمه، فقال سبحانه: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]. زكاه في صدقه، فقال سبحانه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]. زكاه في حلمه ، فقال سبحانه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. وزكاه كله، فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
أغـر عليه للنبوة خاتـم من الله من نور يلوح ويشهـد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من ا سمه ليجـلَّـه فذو العرش محمود وهذا محمد
لقد آن الأوان لندرك واجبنا تجاه هذا النبي العظيم ، ونجعله قدوتنا ومثلنا الأعلى في مسيرة حياتنا وتقربنا إلى الله سبحانه وتعالى ..
اللهم وفقنا لاتباع سنته ، والالتزام بنهجه وسيرته ، على النحو الذي يرضيك يارب العالمين ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين