الجمعة 30 ربيع الأول 1446 - 04 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2017-08-03 الساعة 08:44:03
معينات على تدبر القرآن
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

  

قال الله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ

الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].

وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21].

عن علي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ»،

 فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «كِتَابُ اللهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا

 بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله،

وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ،

وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ،

  وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ

تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَبا يَهْدِي إِلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا

  بِهِ} [الجن:1]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا

إِلَيْهِ

 هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». [الترمذي والبيهقي]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ

  بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» [مالك].

 

 

أيها الإخوة:

 (الصيام والقرآن يشفعان) عنوان خطب رمضان لهذا العام كان عنوان الخطبة

الماضية (صور من تدبر القرآن) وعنوان خطبة اليوم (معينات على تدبر القرآن)

الهدف من هذه الخطب أن ننطلق جميعا لنتحلق حول القرآن، نعتصم به ونتمسك بأوامره ونواهيه، نحل حلاله ونحرم حرامه، نحفظه ونحفظه أبناءنا، نتلوه ونجوده ونرتله، نعيش معه وبه وله.

سبق -أيها الإخوة- أن التَّدَبُّرَ: هُوَ النَّظَرُ فِي إِدْبَارِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا، وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ

 هُوَ النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي غَايَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ الَّتِي يَرْمِي إِلَيْهَا، وَعَاقِبَةِ الْعَامِلِ بِهِ وَ

الْمُخَالِفِ لَهُ. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]

والمعنى –والله أعلم- :  أن المطلوب من قارئ القرآن أن يفهم الكلمة القرآنية ثم

يفهم المعنى المراد من الآية أو الآيات  ثم يعرض نفسه على ما قال القرآن لينظر هل عمل به أو لم يعمل ثم يحمل نفسه على فعل المأمورات وترك المنهيات.

وتعرض خطبة اليوم لثلاثة تعين على تدبر القرآن الكريم:

أولها: تطهير القلب من الأدران، وثانيها: إعمال الفكر في الآيات، وثالثها: استشعار عظمة منزل القرآن.

فأما تطهير القلب من الأدران: فدليله من القرآن قول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى

لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] قال قتادة: يعني بذلك القلبِ: القلبَ الحيّ.

قال الزمخشري: لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ واع؛ لأنّ من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع: الإصغاء وَهُوَ شَهِيدٌ أي حاضر بفطنته، لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب.

قال القشيري: لمن كان له قلب صاح لم يسكر من الغفلة. ويقال: قلب يعد أنفاسه مع الله. ويقال: قلب غير معرض عن الاعتبار والاستبصار.

وفي الخبر: «إن لله أواني ألا وهي القلوب، وأقربها من الله ما رقّ وصفا» شبّه

القلوب بالأواني، فقلب الكافر منكوس لا يدخل فيه شيء، وقلب المنافق إناء مكسور،

ما يلقى فيه من أوّله يخرج من أسفله، وقلب المؤمن إناء صحيح غير منكوس يدخل فيه الإيمان ويبقى.

ولكنّ هذه القلوب مختلفة؛ فقلب ملطّخ بالانفعالات وفنون الآفات فالشراب الذي يلقى

فيه يصحبه أثر، ويتلطخ به.

وقلب صفا من الكدورات وهو أعلاها قدرا.

وفي سورة يس، يقول الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَ

يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 39]. أي حَيُّ القلب طاهرُه لأن الغافل كالميت.

ولأن تطهير القلب من الأدران معين على تدبر القرآن كان سيدنا عثمان بن عفان

 رضي الله عنه يقول: "لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله تعالى، إني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله(المصحف)".

قال ابن عمر رضي الله عنهما: "لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان

قبل القرآن وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره وما ينبغي أن يقف عنده ينثره نثر الدَّقَل".

والدقل رَدِيءُ التَّمْرِ وَيَابِسُهُ، فَتَرَاهُ ليُبْسِه ورَداءته لَا يَجْتَمِعُ وَيَكُونُ مَنْثُورًا.

فمهما استطعت أن تطهر قلبك من الأدران؛ من الغل والحقد والحسد، من حب

المعصية وأهلها فافعل، ويعينك على ذلك تجديد التوبة والإكثار من ذكر الله {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]

 وأما إعمال الفكر في الآيات: فكما أن طهارة القلب معينة على تدبر القرآن فإعمال الفكر وتعقل الآيات معين على التدبر، وكم من مرة استنهض القرآن العقول واستدعى التفكر (أفلا تعقلون) (أفلا تتفكرون) (أفلا تتذكرون)..!

 وقد وصف القرآن أولي الألباب بجمعهم بين ذكر الله والتفكر في خلق الله {الَّذِينَ

يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191].

فإذا كنت مع القرآن فأرِعه سمعك وأصغ إليه بقلبك واستجمع عنده فكرك وعقلك،

فثمة من يناديك ويكلمك ويصف الأدوية لأدوائك.

وأما استشعار عظمة منزل القرآن: فإذا قرأت القرآن فاستحضر عظمة منزله

واستذكر جلال قائله واقرأه وكأنه يخاطبك –جل جلاله –به، وكأنه يتنزل عليك.

قال ابن القيم : "تأمّل خطاب الْقُرْآن تَجِد ملكا لَهُ الْملك كُله وَله الْحَمد كُله أزِمَّة

الْأُمُور كلِّهَا بِيَدِهِ ومصدرها مِنْهُ ومردها إِلَيْهِ، مستويا على سَرِير ملكه لَا تخفى عَلَيْهِ خافية فِي أقطار مَمْلَكَته عَالما بِمَا فِي نفوس عبيده مطّلعا على أسرارهم وعلانيتهم

مُنْفَردا بتدبير المملكة يسمع وَيرى وَيُعْطِي وَيمْنَع ويثيب ويعاقب وَيكرم ويهين ويخلق ويرزق وَيُمِيت ويحيي وَيقدر وَيَقْضِي ويدبّر الْأُمُور...ِ فتأمّل كَيفَ تَجدهُ يثني على

نَفسه ويمجّد نَفسه ويحمد نَفسه وَينْصَح عباده ويدلّهم على مَا فِيهِ سعادتهم وفلاحهم ويرغّبهم فِيهِ ويحذّرهم مِمَّا فِيهِ هلاكهم... فَإِذا شهِدت الْقُلُوب من الْقُرْآن ملكا عَظِيما رحِيما جوادا جميلا هَذَا شَأْنه فَكيف لَا تحبّه وتنافس فِي الْقرب مِنْهُ وتنفق أنفاسها فِي التودد إِلَيْهِ".

قال سلم بن ميمون الخواص: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة. فقلت لنفسي:

اقرئيه كأنك تسمعينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فجاءت حلاوة، ثم قلت لنفسي: اقرئيه كأنك تسمعينه من جبريل يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فازدادت الحلاوة. قال: ثم قلت لها اقرئيه كأنك تسمعينه من رب العالمين. فجاءت الحلاوة كلها.

وكان والد محمد إقبال يقول لولده: يا ولدي اقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك.

إذا: هي ثلاثة تعينك على التدبر تطهير القلب من الأدران، وإعمال الفكر في الآيات، واستشعار عظمة منزل القرآن.

وبعبارة أخرى: قلب طاهر وعقل حاضر واستشعار عظمة منزل القرآن.

أيها الإخوة:

أختم الخطبة بما ختمت به الخطبة الماضية فأقول:

إذا كان المقصود من تلاوة القرآن تدبرَه والعملَ به وتعليمه، وبه تحصل الفائدة المرجوة منه، فكيف تعين نفسك على تدبر القرآن؟

1-  قبل أن تفتح المصحف توجه بقلبك إلى الله تعالى أن يفتح عليك في فهم كتابه والعمل بما فيه

2-  اقرأ القرآن كل يوم قراءة صحيحة؛ لأن القراءة الصحيحة معينة على الفهم، فإن لم تكن تحسن القراءة فالحق بمعلم يعلمك، ومن أجل هذا كانت دورة يشفعان.

3-  احرصْ على أن تفهمَ ما تقرأ، فإن لم تفهم معاني بعض الكلمات فَعُد إلى معانيها في كُتب التَّفاسير، وأنصحك أولا بكتاب كلمات القرآن للشيخ حسنين مخلوف، وقد توافقنا أن يقرأ كل منا ختمة كاملة هذا العام مفسرة تفسير كلمات من هذا الكتاب، ونعقد بعد الصلاة الجلسة الثانية من دورة

(يتدبرون القرآن).

4-  كرر بعض الآيات التي فهمتها أو التي تريد أن تفهمها. لأن التكرار مدعاة للفهم والتعقل.

5-  اعرض نفسك على ما قرأت، وسلها: هل عملت بما سمعت، وقرر أن تفعل شيئا واحدا مما قرأت في كل مرة.

6-  علِّمْ غيرَكَ ما تعلمتَهُ من القرآن.

أيها الإخوة:

القرآن كلام الله، السعادة كل السعادة والخير كل الخير لنا أفرادا وأسرا ومجتمعات أن نتمسك به ونتحلق حوله ونعيش معه وله وبه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بَيْدِ اللهِ تَعَالَى، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا».

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1649

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *