بسم الله الرحمن الرحيم
شوال: اسم شهر من الشهور المعروفة, وهو الشهر الذي يلي شهر رمضان, وهو أول أشهر الحج, التي قال عنها تعالى: )الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ( [البقرة:197], وسمي شوالاً لشولان الناقة فيه بذنبها, وكانت العرب تطير وتتشاءم من عقد النكاح فيه, وتقول: "إن المنكوحة تمتنع من ناكحها", فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم, وقالت عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال, وبنى بي في شوال, فأي نسائه كان أحظى عنده مني؟).
روى مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)).
وصفة صيام هذه الأيام على وجهين:
1- يستحب صيامها من أول الشهر متتابعة, وهو قول الشافعي وابن المبارك, وقد روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة, فكأنما صام السنة)).
2- لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله وهما سواء.
وأما صيام شوال كله, ففي حديث رجل من قريش, سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( من صام رمضان وشوالاً والأربعاء والخميس دخل الجنة)).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر كله, فقال: ((إن لأهلك عليك حقاً, فصم رمضان والذي يليه, وكل أربعاء وخميس, فإذا أنت قد صمت الدهر وأفطرت)).
وإنما كان صيام رمضان واتباعه بست من شوال, يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها, وقد جاء ذلك مفسراً من حديث ثوبان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام رمضان بعشرة أشهر, وصيام ستة أيام بشهرين, فذلك صيام سنة)), يعني رمضان وستة أيام بعده.
ولا فرق بين أن يكون شهر رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين, وعلى ذلك حَمَل بعضهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((شهرا عيد لا ينقصان: رمضانُ وذو الحجة)).
وقال: المراد كمال أجره, سواء كان ثلاثين أو تسعاً وعشرين.
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
1- أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله -كما تكلمت-.
2- أن صيام شوالٍ وشعبان: كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها, فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص, فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة, وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل, فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.
3- أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان, علامة على قبول صوم رمضان, فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده.
4- أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب, وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر, وهو يوم الجوائز, فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة, فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب, كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي في الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له: أتفعل هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان, بإظهار ذكره فقال سبحانه: )وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [البقرة:185], فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان, وإعانته عليه, ومغفرة ذنوبه, أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا, يحتاج إلى شكر عليها, ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى, تحتاج إلى شكر ثانٍ, وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم, وحقيقة الشكر: "الاعتراف بالعجز عن الشكر".
قال سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام يوم الطور: "يارب! إن أنا صليت فمن قبلك, وإن أنا تصدقت فمن قبلك, وإن بلغت رسالاتك فمن قبلك, فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى الآن شكرتني".
وأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده, فهو فعل من بدل نعمة الله كفراً, فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام, فصيامه عليه مردود, وباب الرحمة في وجهه مسدود, قال كعب: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان أن لا يعصي الله, دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب, ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر عصى ربه, فصيامه عليه مردود".
يا شباب التوبة: لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام, فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال, ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام, فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب, جاء في الحديث: ((النظر سهم مسموم من سهام إبليس, من تركه من خوف الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه)), وهذا الخطاب للشباب, فأما الشيخ إذا عاود المعاصي بعد انقضاء رمضان, فهو أقبح وأقبح, لأن الشباب يؤمل معاودة التوبة في آخر عمره, وهو مخاطر فإن الموت قد يعاجله, وقد يطرقه بغتة, فأما الشيخ فقد شارف مركبه ساحل بحر النون, فماذا يؤمل!
نعى لك ظل الشباب المشيب فكن مستعداً لداعي الفناء ألسنا نرى شهوات النفو يخاف على نفسه من يتوب
|
|
ونادتك باسم سواك الخطوب فكل الذي هو آت قريب س تفنى وتبقى علينا الذنوب فكيف يكن حال من لا يتوب
|