الخميس 06 ربيع الثاني 1446 - 10 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2017-06-19 الساعة 11:48:50
حال المسلم في العشر الأواخر من رمضان
الأستاذ الشيخ خالد القصير

ها هو ذا شهر رمضان قد اصفرّت شمسه، وآذنت بالغروب, وها هو شهر الرحمة والخير يلوح بالوداع من بعيد، وما تبقى لنا من فضل هذا الشهر إلا العشر الأخير.
 
فماذا عساك قدمت فيما مضى منه، وهل أحسنت فيه أو أسأت، فيا أيها المحسن المجاهد فيه هل تحس الآن بتعب ما بذلته من الطاعة, ويا أيها المفرّط الكسول المنغمس في الشهوات هل تجد راحة الكسل والإضاعة, وهل بقي لك طعم الشهوة إلى هذه الساعة.
تفنى اللذات ممن نال صفوتها من الحرام , ويبقى الإثم والعار
تبقــــى عواقـب ســـوء فــي مغبتهـا لا خيـر فـي لذة مـن بعدها النار
 
وها هي ليال العشر ترخي على العباد ستورها, وتسبل على الكون هدوءها, يتجلى فيها الرب سبحانه وتعالى على عباده فينزل إلى السماء الدنيا يغفر للمستغفر, و يرحم المسترحم, يبذل للمحتاج, ويعطي السائل.
 
وها هي ليال العتق من النار, محرابُ العابدين، ومثوى الساجدين، وروضةُ المخبتين، يناجون ربهم بكلامه، ويسألونه من عطائه، ويُعَفِّرون جباههم بِذُلِّ التوبة وعِزُّ العبودية لله رب العالمين، ويَحْنون رؤوسهم لقهَّار السماوات والأرض، وملك الملوك، دموعهم منهمرة، وأيديهم ضارعة، وقلوبهم واجفة، ونفوسهم مولعة، يرجون الله ويخافونه.

والمسلم في هذه الليالي لا يخلي نفسه من عمل ولا ينقطع فيها عن طاعة: 
فهو حريص على إحياء هذه الليالي الفاضلة:
 
بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات، وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) رواه أهل السنن. وقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أنه شمَّر للعبادة واستعد لها استعدادًا لم يكن مثله في غيرها، روى البخاري رحمه الله عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر: شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله)، وروى مسلم رحمه الله عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحْيي الليل بالصلاة والدعاء وغيرهما من الطاعات وكان يشرك أهله في هذا الخير، فيوقظهم لقيام الليل معه ) .
-
والمسلم يجتهد في تحري ليلة القدر:
في هذه العشر فقد قال الله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 33], فالعمل فيها خير من العمل في ألف شهر.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم ((إيماناً)) أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب, و((احتساباً)) للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) متفق عليه.

وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)) رواه البخاري. وهي في السبع الأواخر أقرب, لقوله صلى الله عليه وسلم: ((التمسوها في العشر الأواخر, فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي)) رواه مسلم. وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين) رواه مسلم.
 
ولذلك كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى ليلة القدر في شهر رمضان المبارك، التماساً للخير الذي قدَّره الله فيها، وحرصاً منه - صلى الله عليه وسلم - على نيل أكمل الخير وأتمَّه؛ ولذلك اعتكف مرة في العشر الأول من رمضان، ثم انتقل إلى العشر الأواسط، ثم استقر آخر الأمر على الاعتكاف والتماس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان.

- والمسلم يحرص على الاعتكاف في هذه العشر:
 
فيلزم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى. وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكفت أزواجه من بعده, ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله - عز وجل – ثم اعتكف أزواجه من بعده) ولما ترك الاعتكاف مرة في رمضان اعتكف في العشر الأول من شوال, كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين.
 
قال الإمام أحمد – رحمه الله -: (لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون والأفضل اعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز). 
 
وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة, وأن يحاسب نفسه, وينظر فيما قدم لآخرته, وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا, ويقلل من الخلطة بالخلق. 
-
والمسلم في هذه الليالي يحرص على التطيب والتنظف:
 
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين والمراد: أذان المغرب والعشاء،
 
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد. وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب؛ فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاً, ولا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصاً ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى، وهو لا ينظر إلى صوركم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعماكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره بلباس البدن، وباطنه بلباس التقوى.
 
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقوى تقـلــب عُـــريـانـاً وإن كــان كـــاســي

- والمسلم حريص في هذا العشر على أهله:
 
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - لا يترك أحدًا من أهله يستطيع القيام للعبادة والسهر للإحياء، والقوة على ذلك إلا أيقظه،
 
فهو – صلى الله عليه وسلم – يجدُّ للعبادة في هذا الشهر أكثر من غيره من الشهور ويجتهد في العشر الأخيرة ما لم يجتهده في العشرين الأولى منه، ففي المسند عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمَّر وشد المئز) فيسهر ليله، ويطوي فراشه ويودع النوم - وإن كان النوم في جميع ليالي عمره قليلاً - ويلزم من يطيق من أهله ذلك معه.
 
فمن رغب في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه أن يجتهد في قيام ليالي العشر الأخيرة من رمضان، ويوقظ أهله ليقوموا معه
 
ففي هذه الليالي ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1457

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *