الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2014-10-04 الساعة 13:38:40
عـــيــش الـــسعـــداء
أ. محمد خير الطرشان

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فقد روى الإمام الترمذي وغيره من أصحاب السنن، أن سيدنا رسول الله كان يدعو فيقول: (اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السعداء، ومُرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء).

هذا دعاء سيدنا رسول الله ، وحريٌّ بنا أن نتأثر بدعوته ، وأن نجتهد في تقليده في كل وقت وآن. لكننا نقف اليوم عند جملة ممَّا دعا به رسول الله وسأل ربه، ألا وهي قوله: (وأسألك عيش السعداء) فما هو عيش السعداء أيها الإخوة؟ هل عيش السعداء في مالٍ وفير وسلطان كبير؟ هل عيش السعداء في لهوٍ ولعب؟ هل عيش السعداء في تحقيق الأماني والشهوات والآمال التي تتطلع إليها النفوس؟ أو عيش السعداء هو مرضاة الله سبحانه وتعالى وطاعته، والعيش في حياة إيمانية كما يرضى الله ورسوله؟ وكما قال ربنا وتعالى في سورة النحل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]

الحياة الطيبة -أيها الإخوة- هي حياة السعادة، وهي عيش السعداء. الحياة الطيبة هي الحياة الإيمانية التي يَعيشها المؤمن في طاعة الله، ويحياها وهو مُتبعٌ لأوامر الله. الحياة الطيبة هي عيش السعداء الذي يتعرفون إلى الله في الرخاء فيعرفهم في الشدة. الحياة الطيبة هي ركعات يرَكعها المؤمن في جوف الليل، ودعوات يدعو بها في الظلام، لينال بها رضا رب الأنام. الحياة الطيبة عاشها كثير من أصحاب النبي ففازوا في حياتهم، فكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وكانوا يتعرضون لنفحات الله في كل الأوقات من الليل ومن النهار، في كل أنواع العبادة سواء منها الصيام أو الصلاة أو الذكر أو الصدقة أو الانفاق، أو الجهاد في سبيل الله، أو السعي في الإصلاح بين الناس، وذلك كله يَنطوي تحت شعار الحياة السعيدة.

السعادة لا يُمكن أن يحياها الإنسان المؤمن مع وفرة المال أو كثرته، إن اقتصرت الحياة على سعيٍ مادي من غير سعي إلى رضا الله سبحانه، أما إذا اجتمعا معاً فنِعْمَ المالُ الصالحُ للعبد الصالح. فقد جاء رجل إلى النبي فأعطاه من المال الوفير تَألُفاً لقلبه وتشجيعاً له وتثبيتاً على الدين، فقال له: يا رسول الله، ما لهذا اتبعتك، أي: ما قصدت من الاتباع لدينك وسنتك الحصول على المال الوفير. فقال له النبي: (نعم المال الصالح للعبد الصالح) فالمال الوفير إذا استخدمه المؤمن فيما يُرضي الله سبحانه وتعالى وعرف حَقَّ الله فيه، وآتى المال على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ومهاجراً وعابر سبيل، فإنه يحيا حياة طيبة ويَعيشُ عيش السعداء.

عيش السعداء -أيها الإخوة- ليس عن كثرة الجاه والعرض، ولا عن كثرة الدنيا والأملاك، إنما عيش السعداء يكون في طاعة يَعيشها المؤمن ويَحياها بَين يدي ربه سبحانه وتعالى، فقد قال الله تعالى عن العباد الصالحين أصحاب الحياة الطيبة والعيش السعيد: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾  [السجدة:١٥] فهؤلاء نموذج ممن ذكر الله في القرآن أنَّ حياتهم حياةُ سعادة، هؤلاء إذا نام الناس استيقظوا، وإذا استيقظ الناس عملوا، أولئك قوم يَعيشون مع الله ولله وفي الله.

سُئل أحد الصالحين: ما بال المتهجدين حسان الوجوه؟ ما بال المتهجدين الذين يُصلون بالليل والناس نيام صباحُ الوجوه؟ فقال: "أولئك قومٌ خَلَوا بالحبيب فألبسهم من نوره" يكسوهم الله تعالى من أنوار رَحماته، يُنزل عليهم هذه السكينة وهذه الطمأنينة، فلا تَراهم في دنياهم يَشكون مَللاً أو قَلقاً أو اضطراباً، كما نَسمع بين الحين والآخر مِن شَباب هذه الأمة وبَنَاتها ورجالها ونسائها أن الملل قد أصابهم، وأن اليأس قد تَغَشَّاهم، وأن الضجر قد سيطر عليهم، وأن الكآبة قد ملأت حياتهم، وأنهم ضاقوا بهذه الدنيا وما فيها. لماذا أيها الإخوة؟ أهي حياة الغرب انتقلت إلينا؟ أهي عَدوَى الْمَدَنِيَّة الفاجرة والحضارة المزيفة انتقلت إلى صفوف الأمة الاسلامية، فَبِتنَا نَسمع بهذا القلق والاضطراب والحيرة، ونسمع عن البعض الذين يبحثون عن المشعوذين والمزورين لِيُخرجونهم من هذا الضيق والقلق؟! أبداً أيها الإخوة، إنما سبب ذلك الغفلة عن الله والابتعاد عن ذكر الله، كما يقول ربنا تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ [طه: ١٢٤] فمعيشة الضَّنك هي معيشة الشدة والضيق، المعيشة التي يَشعر الإنسان وكأنَّ على صدره صخرة عظيمة تمنعه من الاستمتاع بلذات الدنيا ومتعها، هذه المعيشة الضنك إنما سببها الإعراض عن الله والغفلة عن ذكره، والسعي واللَّهاثُ وراء الدنيا والمادة والزينة والزخرف ونحو ذلك، مما لا ينفع في الدنيا والآخرة.

 أهي المادية الغربية قد أصابتنا بعدواها؟ لقد أثبتت الإحصاءات أن نسبة الانتحار التي تعاني منها أمريكا هي أعلى نسبة في العالم. لماذا ينتحر الناس في أمريكا؟ ألقلة الخمر؟ أم لقلة النساء؟ أم لقلة المال؟ وهي أكبر دولة من حيث الناحية الاقتصادية، ومن حيث التفلتُ من كل القيم. لماذا يعيش أهلها حالةَ شدةٍ وضَنك؟ هذا ما تَنقله الإحصاءات، ليس تجنّياً على الحياة الغربية، فالحياة الغربية بشقيها الأمريكية والأوربية حياة مبهرة من حيث الظاهر، أضواؤها تلوح لنا في الآفاق، فيحلم كثير من الناس بالحياة فيها، لكن مَن عاش مع أهلها ومَن عاشرهم ومَن لازمهم أدرك أنهم يَعيشون الكآبة، وأن قلوبهم فَارغة، وأنهم لا يَحييون لهدف أو لحياة سامية، كما يَحياها الإنسان المؤمن، الذي إذا ضاق صدره ذكر الله ففاضت عيناه، فارتاح صدره واطمأنَّ قلبه، ألم يكن سيدنا رسول الله إذا حزبه أمرٌ فزغ إلى الصلاة؟ أي: إذا ضاق به الأمر واشتد عليه الحال، فإنه يبادر إلى الصلاة، وكان يقول: (يا بلال أرحنا بها) لماذا؟ لأن الصلاة حقيقةً هي عروج الروح إلى الملكوت الأعلى، ولربما نشكو من صلاتنا أننا لا نعرف فيها الخشوع، ولا نعرف فيها معنى عروج الروح، ولا نَتذوق فيها صلة مناجاة الله تعالى، ونقول لربنا: )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين( لكننا نستعين بغيره من الشرق والغرب، ولا نُجيد الاستعانة بالله سبحانه وتعالى. وإذا قلنا لربنا: )إِيَّاكَ نَعْبُد( فكثيرٌ منا عِبَادته حَركات ظاهرة بغير حضور قلبٍ ولا خشوع، ولهذا ورد في الآثار الإلهية: (إني وابن آدم في خطرٍ عظيم، أخلقُ ويُعْبد غيري، وأرزق ويُشْكر سواي). يا لَـهُ من أمر خطير، الله تعالى خالقنا وبارئنا وموجدنا، ونحن ندين بالعبودية لسواه، ونركع ونسجد لغيره، وإن كان ليس ركوعاً على وجه الحقيقة إنما من باب الاستعباد، فكثيرٌ من الخلق استعبد الخلق وأذلَّهُ في دنياه، وهو في الآخرة ذليل، وإن كنا أيضاً نشكر غير الرازق الحقيقي، فالرازق على وجه الحقيقة إنما هو الله، لكننا نشكر المخلوقين الذين نُصيبُ منهم رزقاً أو منفعة.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1787
1  2  

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *