الثلاثاء 04 ربيع الثاني 1446 - 08 أكتوبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2014-07-28 الساعة 14:55:34
و مــــاذا بـــعــد رمــــضـــــان ؟!
الدكتور محمد علي الملا

 ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام، وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الحيَاة، فأيّامٌ تمرّ وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مدّكَر، قال الله تعالى: ]أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير[ [فاطر: 37]  فهذا شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، حان رَحيلُه، انتصَب مودِّعاً وسَار مسرعاً، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم.

وإنه ينبغي بعد أن ودعنا رمضان إعداد خطة وبرنامج عملي يستمر المسلم في أدائه والقيام به طوال العام، وبذلك يكون ممن استفاد من رمضان، وممن تعرضوا لنفحات الرحمن، وممن قبلهم الواحد الديان، فيعزم المسلم على المحافظة على الصلوات، والتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات، وأن يَكون له ورد من القرآن يقرأه أو يسمعه ويتدبر آياته كل يوم، وعلى المسلم المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأن يُكثر من ذكر الله على كل حال، وعليه تربية نفسه على إتقان الأعمال وإخلاص النية، ومراقبة الله والخوف منه، ومن ذلك أن يُزكي نفسه بالأخلاق الفاضلة، والتي تَعلم الكثير منها في شهر رمضان، كالصدق والصبر والحلم والعفو والتسامح وسلامة المنطق، والبعد عن الفحش والبذاءة والسباب، فتكون زاداً له طوال العام، يتخلق بها في المجتمع فيحبه الله ويحبه الناس.

ومن خطة المسلم وبرنامجه في وداع رمضان أن يعزم على القيام بحسن رعاية أهله، وتربية أولاده وصلة أرحامه، وأن يَحفظ جوارحه عن المعاصي والآثام، وأن يكون عضواً فاعلاً وصالحاً وإيجابياً في مجتمعه، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر حسب قدرته واستطاعته، ومسارعاً إلى كل خير وداعياً إلى كل فضيلة، يُحب للمسلمين ما يحب لنفسه ويبغض لهم ما يبغضه لنفسه.

فمن لم يَقم بذلك ولم يَعزم على ذلك ولم يُحدث نفسه بذلك فإنه لم يَستفد من رمضان ولم يتعرض لنفحات الرحمن في هذا الشهر، ونعوذ بالله أن يَكون ممن كتب الله عليهم الشقاء والحرمان بسبب سوء أعمالهم وجرأتهم وتقصيرهم وتسويفهم وإهمالهم، وقد حذر الله سبحانه من النكوص بعد الإقدام، ومن المعصية بعد الطاعة، ومن العقوق بعد البر والصلة، فقال سبحانه: ]وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون[ [النحل: 92].

وعلى المسلم أن يُكثر من الدعاء بأن يَتقبل الله منه صيامه وقيامه وسائر العبادات والطاعات التي قام بها في رمضان وغير رمضان، فقد وصف الله حال عباده المؤمنين بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم: ]يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُون[ [المؤمنون: 60] أي يخافون أن ترد أعمالهم، قال الإمام علي t: " كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين[ [المائدة: 27]، وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري، من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه" ثم ينادي:  "أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك".

كما يَنبغي أن نُودع رمضان بقيام كل واحدٍ منا بصناعة ابتسامة مُشرقة وبسرورٍ نُدخله قُلوب من حولنا، وإن هذا العمل وهذه العبادة من أعظم وأجل العبادات عند الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله : (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه مَلأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مَشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل". [أخرجه في صحيح الجامع].

فَنُوَدِّع رمضان بابتسامة وسرور ندخله على الآباء والأمهات، وذلك بطاعتهما وبرهما وصلتهما والإنفاق عليهما، وذلك من أعظم أبواب الجهاد، فعن عبد الله بن عمرو قال: "جاء رجل إلى النبي فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد" [أخرجه البخاري] وفي رواية لمسلم: (ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) وفي رواية لأبي داود: (ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما) فإدخال السرور عليهما من أعظم العبادات، وعقوقهما من الكبائر.

كما ينبغي أن نودع رمضان بابتسامة مُشرقة نزرعها في وجوه الفقراء والمساكين والأيتام، خاصة هذه الأيام، فإدخال الفرح والبهجة والسرور من أعظم القربات عند الله، ولقد كان حكيم بن حزام الصحابي الجليل يَحزن على اليوم الذي لا يَجد فيه محتاجاً ليقضي له حاجته، فيقول: "ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها" وهــذا ابن المبارك عليه رحمة الله حج مع جمع من الناس فلما كانوا في مُنتصف الطريق نَزلوا في مكان ليستريحوا قليلاً بجانب قرية من القرى، وبينما هم كذلك إذ يرون بامرأة قد أخذت دجاجة ميتة كانت في عرض الطريق، فسألها ابن المبارك: لم يا أمـــة الله؟ قالت: لقد أصيب أهل هذه القرية بالمرض والجوع، ولي صبية صغار، والله ما أجد ما أُطعمهم، فـتأثر ابن المبارك ومن معه، ونادى فيهم: ليس لكم حج هذا العام، وأخذ الأموال والطعام ودفعها إلى أهل تلك القرية، فأدخل السرور عليهم وقضى حاجتهم، وعاد إلى بلاده. فكم من الأجر سيناله، وكم من الدعوات تلهج بها ألسنة الفقراء والمحتاجين والأيتام ستطاله؟ وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنة) [أخرجه الطبراني].

وأرحامكم لا تنسوا وأنتم تودعون رمضان أن تُحسنوا إليهم، وأن تصلوا ما بينكم وبينهم من قطيعة، وأن تُدخلوا البهجة والسرور إلى نفوسهم، فقد قضى جبار السموات والأرض على نفسه أنه من وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله، فلا تنسوا المعروف بينكم مهما كانت الخلافات، ولا تنسوا الحقوق والواجبات مهما بعدت المسافات، هذا رسول الله تأتيه أخته من الرضاعة وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يَعرفها وهي لا تَعرفه، مرت سنوات وسنوات، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع، والنبي تحت سدرة والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يُوَزِّعُ الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت رسول الله من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث، أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية، فيخبرون الرسول ، فيتذكر القربى وصلة الرحم، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس ، والحمد لله رب العالمين .

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1730

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *