السبت 06 جمادى الثانية 1446 - 07 ديسمبر 2024 , آخر تحديث : 2024-10-01 12:47:36 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2013-09-10 الساعة 14:59:21
الأشــهــر الحُـــرُم
الشيخ أحمد الغربي

مع بداية دخولنا في الأشهر الحرم المتصلة الثلاث ؛ نتذكر فضائلها وخيراتها وبركاتها .

قال الله تبارك وتعالى: )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ( [سورة التوبة (36)] وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: (إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) [أخرجه البخاري] فالسَّنَةُ في الشرع مُقدرة بسير القمر وطُلوعه لا بِسَيرِ الشمس وانتقالها كما يَفعله أهل الكتاب . وفي هذه الآية يُخبر الله عز وجل أنه مُنذ خلق الله السموات والأرض وخلق الليل والنهار يَدُوران في الفلك ، وخَلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم يَسبَحَان في الفلك ، فينشأ منها الليل النهار ، فمن حينئذ جعل السَّنَةَ اثني عشر شهراً بحسب الهلال.

واختلف في أي الأشهر الحرم أفضل: فقيل: رجب ، قاله بعض الشافعية وضعفه النووي وغيره .  وقيل: المحرم ، قاله الحسن البصري ورجحه النووي . وقيل: ذو الحجة ، رُوي عن سعيد بن جبير وهو الأظهر . قال كعب رضي الله تعالى عنه: اختار الله الزمان ، فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم .

سميت الأشهر الحرم بذلك لعظم حرمتها وحرمة الذنب والقتال فيها ، وكان ذلك معروفاً في الجاهلية ، وقد شرع الله تعالى في أول الإسلام تحريم القتال في الشهر الحرام ، فقال الله جل شأنه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَام( [سورة المائدة (2)] وقال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حُرماً وعظم حُرُماتهن ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم" . وكذلك عَظَّم القَتل والقِتَال في الأشهر الحرم فقال الله سبحانه: )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِير( وقد اختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم ، هل هو باق على تحريمه أم أنه نسخ ؟ نَصَّ الإمام أحمد وغيره من الأئمة على نسخه ، وذهب طائفة من السلف منهم عطاء إلى بقاء تحريمه ، ورجحه بعض المتأخرين ، واستدلوا بقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الهَدي( وهذه الآية من سورة المائدة ، وهي آخر ما نزل من القرآن ، وقد رُوي فيها: "أحلوا حلالها وحرموا حرامها" . وقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها: "هي آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه ، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه" . ويَروي سيدنا جابر رضي الله عنه فيقول: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى فيغزو ، فإذا حضره أقام حتى يَنسلخ" .  وقد أرشدنا ربنا إلى عدم الظلم في الأشهر الحرم فقال: )فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ( فلنتأمل في هذه الآية كيف ينهانا ربنا عن ظلم أنفسنا في هذه الأشهر خاصة ، لأنها آكد وأبلغ من غيرها . وقالوا: أقسام الظلم ثلاثة: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى ، وأعظمه الشرك بالله . وظلم بين الإنسان وبين الناس . وظلم بين الإنسان ونفسه . وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب فيُضاعف فيه العقاب بالعمل السيِّء ، كما يُضاعف الثواب بالعمل الصالح" . وقال ابن كثير رحمه الله: "كما أن المعاصي في البلد الحرام تُغَلَّظ ، فكذلك الشهر الحرام تُغلظ فيه الآثام" .

ألا فلنحرص على تقوى الله في هذه الأشهر الحرم ، لأن السيئة فيها ليست كغيرها فالسيئات تعظم فيها ، وقد عظمها الله سبحانه في كتابه ، فيجب علينا أن نُعَظِّم ما عَظَّمَ الله تعالى ، فإن تعظيمنا لها يُعد عبادة قلبية من أَجَلِّ العبادات ، التي نسأل الله أن يتقبلها منا .
لقول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوب﴾ فحين تدخل هذه الأشهر يجب علينا أن نستشعر حُرمها وتعظيم الله لها . فَلنُعَظِّمَ ما عظَّم الله عز وجل ، ولنتذكر قول الله تعالى: )ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبه( .

اللهم زدنا تعظيماً لحرماتك ، وقرباً من جنابك ، ودرجات في جناتك ، وبعداً عن عذابك ، وعملاً بطاعاتك وقرباتك ، واغتناماً لمواسم قربك ومحبتك ومغفرتك ، يا أرحم الراحمين .

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2345

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *