وَتَروِي لَنَا سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهَا فَتَقُول: قَامَ رَسُولُ اللهِ مِنَ اللَّيلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُود ، حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ قُبِض ، فَلَمَّا رَأَيتُ ذَلِكَ قُمتُ حَتَّى حَرَّكتُ إِبهَامَهُ فَتَحَرَّك ، فَرَجَعتُ فَسَمِعتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِه: (أَعُوذُ بِعَفوِكَ مِن عِقَابِك ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِك ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنكَ لا أُحصِي ثَنَاءً عَلَيكَ أَنتَ كَمَا أَثنَيتَ عَلَى نَفسِك) فَلَمَّا رَفَعَ رَأسَهُ مِن سُجُودِهِ وَفَرَغَ مِن صَلَاتِه ، قَالَ النَّبِيُّ : (يَا عَائِشَة ، أَتَدرِينَ أَيُّ لَيلَةٍ هَذِه ؟ قُلتُ: اللهُ وَرُسولُهُ أَعلَم ، قَالَ: (هَذِهِ لَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبَان ، فَيَغفِرُ لِلمُستَغفِرِينَ وَيَرحَمُ الْمُستَرحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهلَ الحِقدِ كَمَا هُم) أَي يَترُكُهُم بِلَا رَحمَةٍ وَلا مَغفِرَة . وَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ : (أَتَانِي جِبرِيلُ ، فَقَالَ: هَذِهِ لَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبَان ، وَللهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنَ النَّار ، بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ بَنِي كَلب ، وَلا يَنظُرُ اللهُ فِيهَا إِلَى مُشرِك ، وَلا إِلَى مُشَاحِن ، وَلا إِلَى قَاطِعِ رَحِم ، وَلا إِلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيه ، وَلا إِلَى مُدمِنِ خَمر) .
فَيَنبَغِي لِلمُؤمِنِ أَن يَغتَنِمَ هَذِهِ اللَّيلَةِ الْمُبَارَكَة ، وَأَن يَتَفَرَّغَ فِيهَا لِذِكرِ اللهِ تَعَالَى ، وَدُعَائِهِ بِمَغفِرَةِ الذُّنُوبِ وَسَترِ العُيُوب ، وَتَفرِيجِ الكُرُوبِ وَتَفرِيحِ القُلُوب ، وَأَن يُقَدِّمَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ التَّوبَةَ للهِ عَزَّ وَجَل ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَتُوبُ فِيهَا عَلَى مَن يَتُوب . وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُسلِمِ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ العَظِيمَةِ القَدر ، أَن يَتَجَنَّبَ الذُّنُوبَ التِي تَمنَعُ الْمَغفِرَةَ وَقَبُولَ الدُّعَاء . وَقَد وَرَدَ عَن سَيِّدِنَا عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالبَصرَة ، فَقَاَل لَه: عَلَيكَ بِأَربَعِ لَيَالٍ مِنَ السَّنَة ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يُفْرِغُ فِيهِنَّ الرَّحمَةَ إِفرَاغَاً : أَوَّلُ لَيلَةٍ مِن رَجَب ، وَلَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبَان ، وَلَيلَةُ الفِطر ، وَلَيلَةُ الأَضحَى . وَقَال كَعبٌ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبعَثُ لَيلَةَ النِّصفِ مِن شَعبَانَ جِبرِيلَ إِلَى الجَنَّة ، فَيَأمُرُهَا أَن تَتَزَيَّنَ ، وَيَقُولُ لَهَا: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَد أَعتَقَ فِي لَيلَتِكِ هَذِهِ عَدَدَ نُجُومِ اللَّيل ، وَعَدَدَ وَرَقِ الشَّجَر ، وَزِنَةَ الجِبَالِ وَعَدَدَ الرَّمل . وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه : الدُّعَاءُ يُستَجَابُ فِي خَمسِ لَيَال : فِي لَيلَةِ الجُمُعَة ، وَفِي لَيلَتَي العِيد ، وَفِي أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن رَجَب ، وَفِي لَيلَةِ النِّصفِ مِن شَعبَان . وَللهِ دَرُّ القَائِلِ إِذ يَقُول فِي فَضلِ هَذِهِ اللَّيلَةِ الْمُبَارَكَة:
فَيَا أَخِي الْمُسلِم اغتَنِم فُرصَةَ هَذِهِ اللَّيلَةِ العَظِيمَة ، وَهَنِيئَاً لَكَ العِتقَ مِنَ النَّارِ إِنْ كُنتَ مِن أَهلِ الطَّاعَةِ وَالاستِغفَارِ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ الْمُبَارَكَة ، وَإِلا كُنتَ مِمَّن يُعرِضُ اللهُ تَعَالَى عَنهُم ، وَيَحرِمُهُم مِن رَحمَتِهِ وَمَغفِرَتِهِ وَرِضوَانِه ، وَإِنَّهَا لَفُرصَةٌ ثَمِينَةٌ لِيَصطَلِحَ العَبدُ فِيهَا مَعَ رَبِّه ، فَيُقبِلَ عَلَى اللهِ بِتَوبَةٍ صَادِقَةٍ مِن الآنَ إِلَى نِهَايَةِ شَهرِ شَعبَان ، ثُمَّ يَدخُلُ عَلَى رَمَضَان ، وَقَد طَهُرَ قَلبُهُ وَصَفَت نَفسُه ، فَيَكُونُ فِي رَمَضَانَ أَهلَاً لِلرَّحمَةِ وَالْمَغفِرَةِ وَالعِتقِ مِنَ النَّار .
اللهم بارك لنا في شهر شعبان ، وبلغنا شهر رمضان المبارك ، على أحسن حال وأهدأ بال ، إنك على كل شيء قدير .