الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا ينصب لهم ميزان ولا يُنشر لهم ديوان ، فيصب عليهم الأجر صباً ، حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قُرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله لهم) .
فالحزن بلاء ، وضيق العيش بلاء ، وقطع العلاقات بالأحباب بلاء ، وابتعاد الناس عنك بلاء ، والديون بلاء ، وموت أقرب الناس بلاء ، والفقر بلاء ، والمرض من ألم وخز الشوكة إلى أشد أنواعه وأقواها بلاء ، والمشاكل الزوجية بلاء ، والحسد بلاء ، وكل ما يضيق به الصدر بلاء .
قال النبي عليه السلام : (باكروا بالصدقة فإن البلاء ﻻ يتخطى الصدقة) .
ثلاثة أعمال لا تدخل الموازين يوم القيامة لعظمها :
-الصبر: قال الله تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} لم يحدد اﻷجر .
-العفو عن الناس: قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه} لم يحدد اﻷجر .
-الصيام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به) لم يحدد اﻷجر .
فيا أغلى ما أملك ، صوموا واصبروا واصفحوا ، جعلني الله وإياكم ممن ينادى عليهم بـهذا النداء .
-لما كان موسى عليه السلام يسري ليلاً متجهاً إلى النار يلتمس شهاباً قبساً ، لم يَدُر بخُلده وهو يسمع أنفاسه المتعبة أنه متجهٌ ليسمع صوت رب العالمين ، فَثِق بربك .
-طرح إبراهيم عليه السلام ولده الوحيد إسماعيل عليه السلام ، واستلّ سكينه ليذبح ولده ، وإسماعيل يردد: افعل ما تؤمر ، وكِلاهما لا يعلم أن كَبشاً يُرَبَّى في الجنة تجهيزاً لهذه اللحظة ، فَثِق بربك .
-لما دعا نوح عليه السلام ربه فقال: {أني مغلوب فانتصر} لم يخطر بباله أن الله سيغرق البشرية لأجله ، وأن سكان العالم سيفنون إلا هو ومن معه في السفينة ، فَثِق بربك .
-جاع موسى عليه السلام وهو طفل ، وصراخُهُ يَملأ القصر لا يقبل المراضع ، الكل مشغول به ، آسية والمراضع والحرس ، كل هذه التعقيدات لأجل قلب امرأة خلف النهر مشتاقة لولدها رحمة ولطفاً من رب العالمين لها ولابنها ، فَثِق بربك .
-أطبقت الظلمات على يونس عليه السلام ، واشتدت الهموم عليه ، فلما اعتذر ونادى :{لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} قال الله تعالى: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم} فَثِق بربك .
-استلقى نبينا عليه السلام على فراشه حزيناً حين ماتت زوجته وعمه ، واشتدت عليه الهموم ، فيأمر الله جبريلَ عليه السلام أن يعرج به إليه ، ويرفعه إلى السماء ، فيسليه بالأنبياء ، ويخفف عنه بالملائكة ، فَثِق بربك .
-لما أخرج الله يوسف عليه السلام من السجن لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن ، ولم يأمر جدران السجن لتتصدّع ، بل أرسل رؤيا تتسلل في هدوء الليل لخيال الملك وهو نائم ، فَثِق بربك .
ارفع أكف الخضوع والتضرع إلى الله ، واعلم أن فوق السموات السبع رب حكيم كريم ، ليس لنا غيره .
نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا اتسعت لنا السماء فكيف نيأس
اللهم زدنا بك ثقة واجعلنا من المتوكلين عليك .
ذات يوم سأل رجل أحد الحكماء ، عن الفرق بين السعادة والتعاسة ، فقال الحكيم: سوف أُريك كيف يشعر الناس بالتعاسة ، ودخلا حُجرة بها مَجموعة من الناس يَجلِسُون حول إناء كبير به طعام ، لقد كانوا جميعاً يتضورون جوعاً ، لكنهم يائسون من عدم استطاعتهم تناول الطعام ، على الرغم من أن كل واحد منهم يُمسك بملعقة يمكن لها أن تصل للإناء ، ولكن كل ملعقة بها ذراع يفوق كثيراً ذراع أَيِّ منهم ! حيث لا يمكنهم استخدام هذه الملاعق لتوصيل الطعام إلى أفواههم ، فكم كانت المعاناة الشديدة . وقال الحكيم بعد برهة: هيا .. سوف أُريك الآن كيف يَشعر الناس بالسعادة ، ودخلا حُجرة أخرى مُطابقة تماماً للحجرة الأولى ، إناء الطعام ، مجموعة من الناس ، ونفس الملاعق ذات الأذرع الطويلة ، لكن الناس كانوا جميعاً سعداء . قال الرجل متعجباً: لا أستطيع فَهمَ ذَلِك ، كيف يُمكن لهؤلاء أن تَغمرهم كل هذه السعادة هنا ، في حين أن الآخرين يَغمرهم إحساس البؤس والتعاسة ، على الرغم من تشابه كل الظروف
وهنا ابتسم الحكيم قائلاً :آه ، إن السعادة هي أنهم تعلموا كيف يُطعِمُ كُلّ منهم الآخر .