الجمعة 17 شوال 1445 - 26 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2013-04-10 الساعة 09:42:58
خُــلُــق الحُلم
الشيخ خالد القصير

قال الله تعالى: ) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنَاً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامَاً( [سورة الفرقان (63)] .

إنَّ الحلــم هو ضبط النفس وكظم الغيظ ، والبعد عن الغضب ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، وهو لا يعني أن يرضى الإنسان بالذل أو يقبل الهوان ، وإنما هو الترفع عن شتم الناس ، وتنزيه النفس عن سبهم وعيبهم وللحلم مكانة عظيمة ، فهو صفة من صفات الله تعالى ، فالله سبحانه هو الحليم ، يرى معصية العاصين ومخالفتهم لأوامره فيمهلهم ، قال الله تعالى: )وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيم([سورة البقرة (235)].

والحلم خلق من أخلاق الأنبياء ، قال ربنا تعالى عن سيدنا إبراهيم : )إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيم( [سورة التوبة (114)] ولقد بعث الله له من ذريته غلاماً حليماً ونبياً كريماً ، إنّه سيدنا إسماعيل)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيم( [سورة الصافات (101)] . وأثنى رسول الله على أشج عبد القيس ، فَقَالَ لَهُ نبينا : (إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاة) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟ قَالَ: (بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا) قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُه [أخرجه أبو داود] . 

ويثني الله سبحانه على أصحاب هذا الخلق النبيل بقوله عز وجل: )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين / الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( [سورة آل عمران (133- 134)] .

ومن ثمـــرات الحلم: أنَّ الحلم دليل على قوة إرادة صاحبه ، وتحكمه في انفعالاته ، قال رَسُولَ اللهِ : (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَب) [أخرجه مسلم] . والحلم وسيلة لكسب الخصوم ، والتغلب على شياطينهم ، وتحويلهم إلى أصدقاء ، قال الله تعالى: )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم( [سورة فصلت (34)] . وروي أن النبي  قال حاثّاً على الحلم مشجعاً عليه: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ، كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك) [أخرجه ابن السني].

نمـاذج مـن حيـاة رسول الله:

- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: غزونا مع النبيعليه الصلاة والسلام  غزوة ، فلما أدركته القائلة وهو في واد ٍكثير العضاه ، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه ، فتفرق الناس في الشجر يستظلون ، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله  ، فجئنا فإذا أعرابي قاعد بين يديه ، فقال النبي : (إن هذا أتاني وأنا نائم ، فاخترط سيفي ، فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترطٌ صلتاً ، قال: من يمنعك مني ؟ قلت: الله ، قال: ولم يعاقبه رسول الله ) [أخرجه البخاري].

- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النبي عليه الصلاة والسلام ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً ، نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام ، وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِه ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النبي  فَضَحِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاء) [أخرجه مسلم].

- عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنها قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّه : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُد ، فَقَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ  فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْن) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً) [أخرجه مسلم] . فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم من إنسان يُضاهي هذا الحلم إلا حلمه  .

-ولما كُسِرت رُباعيته وشُجَ وجهه يوم أُحد ، شَقَ ذلك على أصحابه ، وقالوا: يا رسول الله ، ادعُ على المشركين ، فأجاب أصحابه قائلاً لهم: (إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) .

- وأعظم من ذلك موقفه مع أهل مكة ، بعدما أُخرج منها وهي أحب البلاد إليه ، وجاء النصر من الله تعالى ، وأعزه سبحانه بفتحها ، قام فيهم قائلاً: (ما تقولون أني فاعل بكم ؟) قالوا: خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : (أقول كما قال أخي يوسف): {لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين} (اذهبوا فأنتم الطلقاء) .

- حبر من أحبار اليهود رأى سيدنا محمداً  ، وسمع كلامه سماع تفكر ، وراقب أحواله مراقبة تبصر ، وراجع في التوراة صفات الأنبياء مراجعة تحقق وتدبر ، ثم جاء إلى النبي  وهو يُعد في نفسه لأمر خطير ، وكرر المجيء حتى رأى الفرصة السانحة لما يريد ، رأى عند رسول الله  رجلاً يشكو إليه أن جماعته قد أسلموا ، وجاءت عليهم سنة ضيقة مجدبة ، وطلب من النبي  مؤونة يعينهم لكي لا يظنوا أن ما أصابهم من ضيق كان سببه دخولهم في الإسلام فيرتدوا عنه ، ولم يكن عند رسول الله  شيء يعطيه ، حينئذ سارع الحبر اليهودي زيد بن سعنة لينفذ ما أعده في نفسه ، فقال للنبي : أنا أقرضك ما تعينهم به ، ولكن اجعل بيني وبينك أجلاً توفيني عنده هذا الدين ، قال رسول الله : نعم ، وضرب لليهودي أجلاً معيناً ، ومرت الأيام ودنى ذلك الأجل ، فجاء إلى النبي  قبل اليوم المعين بمدة ليطالبه بالدين ، فقال رسول الله  له: إن الأجل لم يحن بعد ، فاقترب الرجل من النبي بغلظة وامسك بردائه من عند عنقه وجذبه بعنف وشراسة قائلاً: يا محمد أعطني حقي ، فإنكم معشر بني هاشم قوم تماطلون فيوفاء الدين ، وأثّر الثوب في عنق رسول الله  تأثيراً شديداً ، فإذا بسيدنا عمر تأخذ بنفسه حمية الحق ، فيقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق هذا الكافر ، فقد آذى الله ورسوله .

أضف تعليقك عدد التعليقات : 5 عدد القراءات : 1657
1  2  

 تعليقات حول الموضوع
  13:43:18 , 2013/05/22   وزارة العمل
ما أحلى الحلم عندما يتحلى به الرجال فينشأ عن ذلك علاقة طيبة وشراكة مميزة
مي نشواتي  
  16:02:29 , 2013/05/21   دعاء
الله ينفعنا والأمة بكم
عمر الحمصي  
  10:26:35 , 2013/05/18   شكر
جزاكم الله كل خير ونسأل الله أن يجعل هذا العمل فاتحة خير للأمة الإسلامية والشكر الجزيل للأستاذ خالد القصير و تمنياتي له بالنجاح الدائم والله الموفق
عبير الياسمين  
  10:08:07 , 2013/05/18   شكر وتقدير
عمل مبرور جعله الله في ميزان حسناتكم وأخص بالشكر الأستاذ الشيخ خالد القصير على هذه الكلمة الرائعة
محبة الرحمن  
  09:56:13 , 2013/05/18   شكر لكل من ساهم في هذا العمل الطيب المبارك
إن من أجمل الأخلاق وأولاها خلق الحلم فهو من أشرفها وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد واجتلاب الحمد. قال معاوية رضي الله عنه لعرابةَ الأوسيِّ: بم سُدْتَ قومك حتى قال فيك الشماخ: رأيت عرابةَ الأوسيَّ يسمو ... إلى الخيرات منقطعَ القرينِ إذا ما رايةٌ رُفعت لِمَجدٍ ... تلقَّاها عرابةُ باليمينِ قال عرابةُ : غيري أولى مني بذلك يا أمير المؤمنين. قال معاوية : عزمتُ عليك لَتُخبرَنِّي. قال عرابة : يا أمير المؤمنين, كنت أحلِم على جاهلهم وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم. عمل مبرور جعله الله في ميزان حسناتكم وبارك لكم في مجهودكم وأثابكم عليه وجزاكم الله خيري الدنيا والآخرة على هذه الفوائد العظيمة التي حملتها هذه الكلمة (خلق الحلم) وأخص بالشكر الأستاذ الشيخ خالد القصير على مجهوده الطيب والمبارك أسال الله له التوفيق والسداد
Golanar Alroman  

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *