الْمَوتُ قَرِيبٌ مِنَ الإِنسَانِ جِدَّاً ، وَلَكِنَّ الإِنسَانَ يَنبَغِي أَن يَتَحَضَّرَ لِهَذَا بِالتَّوبَةِ وَالاستِعدَاد ، وَأَن يَكُونَ دَائِمَاً عَلَى تَوبَة ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ رَبَّهُ يَلقَاهُ بِقَلبٍ طَاهِرٍ نَظِيف ، لا غِلَّ فِيهِ وَلا حِقدَ وَلا حَسَدَ وَلا غِش ، لِذَلِكَ هَذِهِ الدُّنيَا دَارُ مَمَر ، وَلَيسَت دَارُ مَقَر ، فَكُلُّنَا سَيَؤُولُ لِمَآلٍ آلَهُ نَبِيُّنَا .
يقول الله تعالى :{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُون} [سورة الزمر (30)] سُنَّةُ اللهِ فِي أَرضِهِ أَنَّهُ لا يَدُومُ إِلا وَجهُ اللهِ ، وَلا يَبقَى إِلا ذَاتُهُ العَلِيَّة ، لِذَلِكَ حَكَمَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِالْمَوت ، فَقَالَ اللهُ سُبحَانَه: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلا وَجهَه} [سورة القصص (88)] سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإكرَام إِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوت ، فَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِه ، لِذَلِكَ كُلُّ نَفسٍ مَهمَا طَالَ بِهَا الأَمَدُ سَتَؤُولُ فِي يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ إِلَى هَذَا الْمَصِير .
لَقَد اسَتُهدِفَ البَارِحَةَ أَحَدُ أَعلَامِ أُمَّتِنَا العَرَبِيَّةِ وَالإِسلَامِيَّة ، رَجُلٌ عُرِفَ بِفِكرِهِ وَوَسَطِيَّتِه ، وَلا تَذهَبُ إِلَى بَلَدٍ وَلا تَؤُمُّ مَكَانَاً مِن بِلَادِ الإِسلَام ، مَهمَا ابتَعَدَت تِلكَ الرُّقعَةُ إِلا وَتَجِدُ طَالِبَاً لِلعِلم ، قَد نَهَلَ مِن عِلمِهِ وَفِكرِه ، أَو عَكَفَ عَلى عِلمِهِ وَكُتُبِهِ التِي أَلَّفَهَا ، هَذَا الرَّجُلُ الذِي اغتِيلَ فِي أَشرَفِ الأَوقَاتِ وَأَحلَى الأَيَّام ، فِي لَيلَةِ الجُمُعَة ، اليَومُ الأَزهَرُ وَاللَّيلَةُ الغَرَّاء ، وَاغتِيلَ فِي بَيتِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَقَد وَرَدَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ الْمَرءَ يُحشَرُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيه ، فَقَد مَاتَ مُدَرِّسَاً وَمُعَلِّمَاً ، وَرَسُولُ اللهِ قَال: (إِنَّمَا بُعِثتُ مُعَلِّمَاً) إِنَّهُ العَلَّامَةُ الدُّكتُور مُحَمَّد سَعِيد رَمَضَان البُوطِيّ ، رَحِمَهُ اللهُ وَجَعَلَهُ فِي الجِنَان ، وَجَعَلَهُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين ، لأَنَّ هَذِهِ الفِتنَةَ عَصَفَت كَمَا ذَكَرتُ وَاغتَالَت رُمُوزَ هَذِهِ الأُمَّة ، وَبَعضُهُم يَظُنُّ ذَلِكَ تَقَرُّبَاً إِلَى الله ، وَلا تَعجَبُوا مِن ذَلِك ، فَقَد قَرَأتُ فِي التَّارِيخ ، أَنَّ الذِي قَتَلَ سَيِّدَنَا عَليَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ ، لَمَّا سُئِلَ عَن ذَلِكَ أَجَابَ بِقَولِه: إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَبلُغَ مِن ذِي العَرشِ رِضوَانَاً ، هُوَ فَعَلَ هَذِهِ الفِعلَة ، فَقَتَلَ سَيِّدَنَا عَلِياً ابنُ عَمِّ النَّبِيِّ r، وَقَتَلَ زَوجَ ابنَةِ رَسُولِ اللهِ ، الذِي قَالَ عَنهُ نَبِيُّنَا :(أَنَا مَدِينَةُ العِلمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا) [أخرجه الطبراني] وَالذِي قَتَلَهُ ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ أَن يَصِلَ إِلَى رِضوَانِ اللهِ ، هَذَا العَقلُ الفَاسِدُ وَهَذِهِ الفِتَنُ وَالْمِحَن ، التِي تَعصِفُ بِالبِلَاد ، كُنَّا نَجلِسُ إِلَيهِ دَائِمَاً وَكَانَ هَمُّهُ الوَحِيدُ هُوَ حَقنُ دِمَاءِ الْمُسلِمِين ، كَانَ هَمُّهُ أَن تُحقَنَ الدِّمَاء فِي هَذِهِ البَلدَة ، وَكَانَ يُبَشِّرُ بِالفَرَجِ ، وَيُبَشِّرُ أَنَّ الفَرَجَ قَرِيبٌ جِدَّاً ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمِحنَةَ قَد وَصَلَت إِلَى آخِرِهَا ، وَإِنَّ زَوَالَهَا لَقَرِيب ، وَإِنَّا لَنَسأَلُ اللهَ سُبحَانَهُ أَن تَكُونَ دِمَاؤُهُ الزَّكِيَّة ُالطَّاهِرَة ، أَن تَكُونَ هَذِه الدِّمَاءُ أَدَاةَ إِطفَاءٍ لِهَذَا الحَرِيقِ الذِي تَشتَعِلُ بِهِ هَذِهِ البَلَد ، نَسأَلُ اللهَ سُبحَانَهُ أَن يَحقِنَ بِهِ دِمَاءَ الْمُسلِمِين ، وَأَن يَكُونَ بَابَاً لِلفَرَجِ عَن هَذِهِ الأُمَّة.
لعل البعض يقول إنَّ الدماء التي تُزهق كثيرة فلماذا تخصون هذا الرجل بالكلام ؟
لماذا تتحدثون عن رجل وهناك رجال انتقلوا ؟
نقول إنَّ الذي قاله رسول الله ) إذا مات العالم ثُلِمَ في الإسلام ثُلْمٌ لا يَسدُّها إلا عَالِمٌ مثله ( وقد ورد في تفسير قول الله سبحانه ) ألم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ( الرعد 41 ما معنى أنَّ الأرض تنقص من أطرافها ؟ قال العلماء في تفسيرها نقص الأرض يكون بموت العلماء وخصوصاً إذا كانوا ربانين أمثال شيخنا رحمه الله فإذا كانت الأرض تُنقص واذا كان الإسلام يُثلَم كما حدّث رسول الله فليس كثيراً أن نذكر هذا العلم الجليل الذي بذل حياته ونفسه فلم يكن طالب مال ولا جاه ولا سلطة وهو الرجل الطاعن في السنّ وقد فُتِحت أبواب الدنيا عليه فقد عُرِضت عليه جامعات العالَم ليكون أستاذاً أو عميداً فيها فكان يقول أنا لا أستطيع أن أعيش خارج الشام ولا أستطيع أن أبتعد عن دمشق فاختار أن يكون هنا ، أن يكون معلماً ، ترك الدنيا وترك الجاه والسلطة ، وأراد أن يكون عبداً لله تعالى زاهداً ورِعاً حاقناً للدم ،رحمه الله تعالى ، وعوّض الأمّة خيراً .