الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ورد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : (مَنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُه ، وَمَنْ أنْزَلَهَا باللهِ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَو آجِل) [أخرجه الترمذي وأبو داود]. لا بد للمسلم إذا وقع بمحنة أو فقر أو شدة أن يلتجأ إلى الله تعالى ، ولا تُحَلّ مشلكته وفاقته إلا إذا وضعها بباب الله عز وجل ، وأما إذا لجأ إلى الناس فإن الله تعالى يكله إليهم ولا يرفع عنه ما أصابه . وينبغي للعبد أن يلتجأ إلى الله تعالى دائماً ، وأن يدعوه في السر والعلن ، وأن يتضرع إليه في السراء والضراء ، ثم ينتظر الاستجابة من الله عز وجل ، فإنَّ إجابة الدعاء قد تأتي مباشرة ، وقد تتأخر على حسب تقدير الله تعالى للأمور ، فالله سبحانه يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم ، وهو أدرى بأحوالهم وشؤونهم ، ولذلك قال ربنا عز وجل: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) فعلى المسلم أن يسلم الأمور إلى الله تعالى ، وأن يُنزل حاجاته بباب الله عز وجل ، فهو الذي يَعلم الغيب ويقدر الأمور لعباده وفق ما يُصلحُ شؤونهم وأحوالهم ، وعلى المؤمن أن يعتمد على ربه دائماً ، وأن يتكل عليه سبحانه في جميع أحواله وظروفه ، وأن لا يسأل أحداً من الناس شيئاً من أمره بل يلتجأ إلى الله تعالى ، لذلك ورد عن ثوبان t قال: قال النبي u: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أنْ لا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّة ؟) [أخرجه الحاكم في مستدركه] وهذا سؤال يسأله رسول الله r للصحابة الكرام y ، فأجاه سيدنا ثوبان t فقال: أنا ، فكان لا يسأل أحداً شيئاً . ومعنى الحديث أن تسأل الله تعالى وتعتمد وتتوكل عليه ، ثم تسأل الناس حاجتك التي تريد ، فإذا كان الله عز وجل قد قدر لك أمراً فلا بد أن تناله ، وإن لم يقدر لك شيئاً لن تُحصِّلَهُ مهما فعلت ، كما قيل: "ما كان لك سيأتيك على ضعفك ، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك" . وهذا يعلمنا الرضا بالقضاء والقدر ، والتوكل على الله عز وجل في جميع أحوالنا ، وأن نفوض أمورنا إلى الله سبحانه ، مع اتخاذ الأسباب كلها والتسليم في كل شيء إلى الله تعالى . ومن أصابته فاقة أو فقر هل يجوز له أن يسأل الناس ؟ أي: أن يطلب منهم مالاً ؟ ورد عن أَبي بِشْرٍ قَبيصَةَ بنِ الْمُخَارِقِ t قَال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ديون ٌ لزمتني فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ r أسْأَلُهُ فِيهَا ، فَقَالَ: (أقِمْ حَتَّى تَأتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لَكَ بِهَا) ثُمَّ قَالَ u: (يَا قَبيصة ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلا لأَحَدِ ثلاثَة: رَجُلٌ تحمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَها ثُمَّ يُمْسِك . وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامَاً مِنْ عَيشٍ أَوْ قَالَ: سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ . وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ ، حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِه: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ ، فَحلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يصيب قواماً من عيش ، أَوْ قَالَ: سداداً من عيشِ . فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ ، يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً) . [أخرجه مسلم] . وَوَرَدَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ t قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: (لَيْسَ الْمِسْكِينُ الذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَان ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيه ، وَلا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْه ، وَلا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاس) [أخرجه البخاري].
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، ووفقنا للعمل بما يرضيك عنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين.