الثلاثاء 14 شوال 1445 - 23 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

كلمة الأسبوع

تاريخ النشر 2012-12-02 الساعة 11:56:44
وقفات في معاني الهجرة النبوية
الأستاذ محمد خير الطرشان

إنَّها ذكرى الهجرة الشريفة ، ذكرى بناء الدولة الإسلامية وتأسيسها..

لقد انتقل الإسلام من الحيز الضيق في مكة إلى الرحاب الواسعة.. إلى أماكن الانتشار و الذيوع، المكان الذي هيأه الله لكي يشع منه نور الإسلام، ولتكون المدينة أول عاصمة إسلامية في الدنيا.. ينتقل الإسلام منها إلى سائر بقاع الأرض..

واليوم.. في هذه الذكرى المباركة.. ذكرى الهجرة النبوية الشريفة.. من وحي الهجرة المباركة.. نتأمل بعض المواقف.. نفهم منها ونتعلم بعض الدروس التي تلازمنا في حياتنا الحاضرة.

         

سنتناول معنى كلمة الهجرة ومفهومها، وكيف كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما رافقها من أحداثٍ لا نزال نستنبط منها دروساً عظيمة في حياتنا، ونطبّق هذه الدروس على واقعنا، وكأنما يتكرر حدث الهجرة من جديد.

 

^ معنى "الهجرة" لغةً واصطلاحاً :

 
أ- لغةً:

الهجرة في لغة العرب هي: ترك الشيء إلى شيء آخر، أو الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، أو الانتقال من مكان إلى آخر.

          ب- اصطلاحاً:

          للهجرة في معناها الاصطلاحي مجموعة من المعاني:

1- هجرة الذنوب والمعاصي:

          قال الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:[]وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[] سورة المدثر (5).

          ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"صحيح البخاري. فالمهاجر هو من ترك المعاصي والذنوب، وتخلى عن الآثام.

2- هجرة الكفار:

قال الله سبحانه وتعالى:[]...وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً[] سورة المزمل (10). قال المفسرون: "الهجر الجميل هو الذي لا أذى معه، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه". فالإنسان الصابر لا يشتكي ولا يُعرِب عن ألمه من هذا الصبر، إنما يتعبّد الله سبحانه وتعالى بصبره. والهجر الجميل أن تهجر من تريد هجراً مباحاً دون أن تسيء إليه أو تتعرض له بأذى.

3- تغييـر المكان:

كذلك من مفاهيم ومدلولات كلمة الهجرة تغيير المكان؛ لقوله سبحانه وتعالى:[]وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً...[] سورة النساء (100). هذه الهجرة بمفهومها الكبير، أن الإنسان إن ضاقت عليه السبل في أرض ما فعليه أن يهاجر وتتحول إلى مكان آخر حتى تجد فرجة وسعة من هذا اليأس والضيق.

^ الهجرة دأب الأنبياء:

والهجرة هي دأب الأنبياء؛ فسيدنا "إبراهيم" عليه السلام هاجر من العراق إلى الشام، ومن الشام إلى فلسطين، ومن فلسطين إلى مكة المكرمة، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى:[]وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ[] سورة الصافات (99). وكذلك في الآية الكريمة:[]...وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[] سورة العنكبوت (26).

كذلك سيدنا "موسى" عليه الصلاة والسلام هاجر من مصر إلى فلسطين. قال الله تعالى:[]وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ[1][1] إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ[] سورة القصص (20).

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أول وآخر من هاجر، إنما سبقه عليه الصلاة والسلام في الهجرة أنبياء، وجاء بعده صحابة وتابعون ومتّبعون له صلى الله عليه وسلم، إذا ضاقت بهم الأرض يخرجون إلى أرض أخرى ذات سعة فِراراً بدينهم. ليس بالمفهوم الذي يفهمه الناس وهو أنهم فرّوا بأنفسهم طلباً للراحة والرفاهية وسعة العيش، إنما مفهوم الهجرة أن تهاجر في سبيل الله تعالى لتحفظ دينك.

 

^ السبب الحقيقي والمسوّغ الذي يمكن المهاجَرة لأجله:

 

نقف قليلاً عند أولئك الذين يهاجرون من أجل طلب المال، أو من أجل الدراسة والعلم، فإذا حصّلوا المال الوفير، وحصّلوا العلم المطلوب ونالوا الشهادات العليا، فما سبب بقائهم في بلاد غير المسلمين؟! لماذا يصرّون على بقائهم هناك وأوطانهم بحاجة لعقولهم وأدمغتهم وأفكارهم وخبراتهم وطاقاتهم؟! والنبي صلى الله عليه وسلم كان من أهم أهدافه إلى المدينة أن يجمّع طاقات المسلمين كلَّها في المدينة المنورة؛ فالذين هاجروا إلى الحبشة عادوا منها إلى مكة، ثم من مكة إلى المدينة. والذين كانوا في مكة المكرمة هاجروا إلى المدينة، فتجمّعت قوى المهاجرين مع قوى الأنصار، فأصبح الإسلام كتلة كبيرة وقوة عظيمة.

هذا درس كبير لأولئك الإخوة الذين يهاجرون إلى بلاد أوربة وأمريكا لينالوا علماً ويحصّلوا شهادات، أو ليعملوا في مجال الحياة الدنيا، فإذا حصّلوا القدر الأوفى مما ذهبوا لأجله فعليهم العودة إلى أوطانهم؛ لتُستَثمر هذه الطاقات العلمية والفكرية والاقتصادية أيضاً في سبيل النهوض بهذا المجتمع كما نهض النبي صلى الله عليه وسلم بمجتمع المدينة المنورة، فجمّع القوى كلها، ووحّد الكلمة، وترابطت الصفوف، فكانت أول عاصمة إسلامية في الدنيا أهّلت وهيّأت لانتشار الدعوة الإسلامية وانتقالها إلى الفضاء الواسع والأرض الرحب .

 
أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1598

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *