الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من قضى نسكه، وسلم المسلمون من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )) رواه عبد بن حميد في مسنده (1150) وابن حجر في المطالب العالية (1162) من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- وفي صحيح مسلم (21) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ،قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأن الحج يهدم ما قبله) وفي البخاري (1773) ومسلم (1349) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) قيل للحسن : الحج المبرور جزاؤه الجنة قال: آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وقيل له : جزاء الحج المبرور المغفرة قال: آية ذلك أن يدع سيئ ما كان عليه من عمل. فأنت أيها الحاج بينك وبين الله عهود أكيدة ....
أولها: يوم {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] والمقصود الأعظم من هذا العهد ألا تعبدوا إلا إياه ، وتمام العمل بمقتضاه أن اتقوا الله حق تقواه ...
وثانيها: يوم أرسل إليكم رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليه في كتابه {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة: 40]، قال سهل التستري: من قال لا إله إلا الله فقد بايع الله ، فحرام عليه إذا بايعه أن يعصيه في شيء من أمره، في السر والعلانية ، أو يوالي عدوه ، أو يعادي وليه. من رجع من الحج فليحافظ على ما عاهد الله عليه ، وعلامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها ، وعلامة ردها أن توصل بمعصية ، وما أحسن الحسنة بعد الحسنة ، وما أقبح السيئة بعد الحسنة !! فذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها.
وإنَّ النكسة أصعب من المرض الأول، ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة ، ارحموا عزيز قوم بالمعاصي ذل ، وغني قوم بالذنوب افتقر، سلوا الله الثبات إلى الممات ، وتعوذوا من الحور بعد الكور، كان الإمام أحمد يدعو ويقول: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك. وتلك مقتطفات مختصرة من لطائف المعارف للحافظ ابن رجب وأجملها في النقاط التالية: أولاً: على الحاج أن ينمي البواعث الإيمانية والنوايا الطيبة التي يحس بها الآن. ثانياً: أن يجعل الدنيا في يده لا في قلبه ؛ لأن الانغماس فيها يحبط هذه النوايا الطيبة ولا شك أن الدنيا لاهية فانية. ثالثاً: لا تكفي أبداً هذه البواعث الإيمانية والنوايا الطيبة عن العمل ، وإن كان فيها أجر إلا أن العمل هو الثمرة وهو دليل على استمرار هذه النوايا ، وبه تصل النفس إلى لذة الطاعة ، وسعادة المآل. كثير من الناس تجده يأمل الخير وأمله في ذلك واسع ، ولا يتحرك قيد أنملة ، واقف مكانه تاركاً العنان لبواعث الخير التي لا تنتهي إلى حد ثم تجده بعد ذلك وبعد هذا الأمل الطويل أصابه اليأس لأنه لم يجد الثمرة وهي العمل. رابعاً: الترويح عن النفس بما هو مباح بين فترة وأخرى ليكون ذلك دافع النفس على الاستمرار على العمل. خامساً : عدم العجب بما هو عليه من الخير، واحذر أن يدخل عليك الشيطان من باب العجب، واتهم نفسك دائماً بالتقصير، اجعلها دائماً بين الخوف والرجاء ، الخوف من عدم قبول العمل ورجاء القبول والثواب. ولو كانت أعمالك كالرمال عدداً، والجبال ضخامة، فاحذر العجب. سادساً: الدعاء بالثبات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: (( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) رواه الترمذي (2140) وابن ماجه (3834) من حديث أنس رضي الله عنه. سابعاً : الصحبة الطيبة التي تدفعه دفعاً إلى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وتساعده على جهاد نفسه ، وإقامة شرع الله في بيته وأسرته.
|