الموقع العام:
تقع التكية في مدينة دمشق خارج أسوارها ، على سفح جبل قاسيون ، في منطقة "أبو جرش " ، في حي الصالحية – جادة المدارس ، على شارع الشيخ محي الدين بن عربي مقابل جامعه ، شرقي التربة والبيمارستان القيمري.
المنشئ وتاريخ الانشاء:
وهي مشيّدة عثمانية أنشأها السلطان سليم خان الأول ضمن مجموعة الشيخ محي الدين المعمارية المؤلفة من جامع وتربة وناعورة في سنة 924هـ/1518م ، لتكون مطبخاً سلطانياً يقتصر على الطبخ وتقديم الطعام لمحتاجيه.
وقد ذكرتها مصادر متعددة ذكر منها الريحاوي في كتابه "روائع التراث في دمشق":
1- جاء في الكواكب السائرة: "فتح السلطان سليم دمشق سنة 922 (أي 1516م) ثم عاد إليها من مصر .. وأشار بعمارة على قبر الشيخ محي الدين بن العربي وبعث ابن الفرفور (قاضي القضاة) ومعه معلم السلطان شهاب الدين بن العطار وجماعته وهندسوا عمارة جامع بخطبة وكان ذلك في 14 رمضان من السنة".
....."في 22 محرم سنة 924 (أي 1518م) رسم السلطان سليم خان ببناء تكية شمالي هذا الجامع "(يعني الجامع السليمي أي جامع الشيخ محي الدين المعروف اليوم).
2- وجاء في القلائد الجوهرية : "وفي يوم الاثنين 20 محرم 924 (أي 1518م ) وهو أول شباط وضع منبر الجامع الجديد ..... وفي يوم الجمعة ركب السلطان وجاء إلى الجانع المذكور وصلّى به الجمعة وخطب بهم المولوي بن الفرفور وكان معه قاضيا العسكر والوزراء .... وقد رسم ببناء تكية شمالي هذا الجامع ... وعيّن عليها ناظراً ومتولّياً اسمه "تقي الدين باكير الرومي الحنفي" (توفي سنة 926هـ /1519م كما ذكر ابن العماد)... وكان هناك مسلخ اللحم وقف البيمارستان القيمري فعوّض عنه بخمسة آلاف درهم وبيت رزق الله الحنبلي فاشتري منه بثلاثة آلاف ، وتربة صار القبر بها جانب من مطبخ التكية المذكورة ...
... وأضاف ابن طولون :"وعيّن حشد (يعني ناظر) من الأورام (الأتراك) يُقال له "المحوجب على العمارة ، وحطّ عنده عشرة آلاف دينار بسببها ...
...وتُعيّنت مشيخة التكية ل ملّا أحمد الأوعاني الحنفي ....".
3- وجاء في ترجمة السلطان سليم : " ومكث في الشام ثلاثة أشهر ونصف وأمر بعمارة قبة على قبر العارف بالله الشيخ محي الدين بن عربي وبنى مأكلاً للطعام ثم سار يريد البلاد المصرية".
4- ومما جاء في المروج السندسية على لسان ابن طولون : " في سنة 926 (أي 1519م ) سابع عشر ذي القعدة أبطل جانبردي الغزالي تكية الخنكار (أي السلطان) وقفل أبوابها ... وختم عليها وعلى حواصلها ، وكان يُطبخ بها بكرةً وعشيةً ... ثم أخذ ما فيها من القمح والسمن والعسل والزيت والطحين والحطب والطاسات ، وقفل الجامع المذكور (أي الجامع السليمي) ... وبطل منه الصلوات الخمس والأذان والجمعة والقراءة ... ويقول ابن طولون : واستمريّت أسُدُّ وظيفة الإمامة في الإيوان ، ليلاً ، في الثلاثة أوقات ، من غير أذان ، والباب مقفول .... ثم أعاد الجامع وأبقى التكية مقفلة".
ويعقّب الريحاوي قائلاً :
" ونحن نستخلص مما تقدم من المصادر بأن السلطان سليم الأول دخل إلى دمشق فاتحاً سنة 922 هـ/1516م ثم غادها إلى مصر، وعاد إليها في 11 رمضان سنة 923 ه/ 1517 م ومكث بها حتى 10 صفر سنة 924 ه/1518م أي مدة أربعة أشهر ، أمر خلالها ببناء جامع إلى جانب ضريح الشيخ محي الدين بن عربي سمي الجامع السليمي . وفي 20 محرم سنة 924 ه/1518م رسم ببناء تكية شمالي الجامع دعيت بالتكية السليمية وتولى نظارتها تقي الدين باكير الرومي . ولما توفي السلطان سليم سنة 926 ه/ 1519 م قام جانبردي الغزالي والي الشام بثورته للانفصال عن الدولة وأقفل التكية وصادر مافيه من مؤن وادوات الطبخ ."
وفي 11صفر سنة 927 ه/ 1520م أعاد جانبردي الجامع وأبقى التكية مقفلةً . وفي 16 صفر من السنة نفسها أرسل الخليفة العثماني السلطان سليم عسكراً تلاقى مع عسكر جانبردي فهزمه ، وقُتل جانبردي في التاريخ نفسه ، فعادت التكية إلى سابق عهدها . وفي سنة 962ه/1555م تعرضت التكية للحريق ، فجددها السلطان سليمان القانوني كما تُشير إلى ذلك اللوحة التأريخية التي تعلو مدخلها الخارجي .
التوصيف المعماري :
وصفها المؤرخ ابن طولون وهو معاصر لبناءها بالتفصيل في كتابه " القائد الجوهرية في تاريخ الصالحية ": " وهي مشتملة على بيت للفقراء يأكلون به ، له أربعة شبابيك مطلة على باب الجامع المذكور ( يقصد جامع الشيخ محي الدين) ، وبها معزبة مختصة بالنساء ، ولها بابان شرقي ومنه يدخل الناس وبالقرب منه شباك لمعزبة النساء ، وغربي ينفذ إلى المطبخ ، وبه ثلاثة حواصل للمؤن . ولهذا المطبخ باب كبير يفتح إلى القبلة وبه حلتان كبرى وصغرى وثالثة لغسل المواعين وعددها مائتا ماعون من النحاس ، وإلى جانبه القبلي طالع للماء وهو واصل من ناعورة مجددة لهذه العمارة ، ماؤه ينقسم إلى جرن بالتكية ، وجرن للسبيل على باب المطبخ المذكور ، وقسم إلى بحرة وسط الجامع ، وإلى جانب هذا المطبخ الغربي يوجد فرن معد للخبز الذي يفرق بهذه التكية وأصل هذا الخبز قنطار طحين غداء وعشاء ، ويطبخ ذلك بكره النهار في شوربة ورز وأخرى بقمحية خلا ليلة الجمعة فيطبخ برز مفلفل مع رز حلو بعسل ".
ويصفها الريحاوي فيقول :
" يتألف مبنى التكية السليمية من بهو واسع مستطيل أطواله (8,35*15,70م) مسقوف بقبيتين تقسمانه إلى مربعين متساويين . وهذا البهو تنفتح في جدرانه أبواب الغرف والقاعات الخاصة بمستودعات المؤن والمطبخ ويدخل إلى هذا البهو من الباب الرئيسي في الواجهة الجنوبية، ويتالف الباب من فتحة واسعة ذات قوس مخموس ضمنها فتحة أصغر تعلوها عتبة على شكل قوس مجزوء، وتتناوب الحجارة السوداء والبيضاء المزّية في كلا القوسين . وعن يمين الباب نافذة يقع خلفها ضريح قديم احتفظ به عند باب التكية . وعن يسار الباب سبيل مفتوح في الواجهة (تحوّل إلى دكان) ، ويليه فرن التكية ."
ونسلّط الضوء على واجهات وفراغات التكية وعناصرها المعمارية فنقول :
تحيط بواجهات التكية الدور والدكاكين ، ولاتظهر منها سوى الواجهة الجنوبية الرئيسية المطلّة على جادة المدارس . وهي مشيدّة من نحو 20 مدماكاً من الحجر الكلسي الأبيض الكبير ، وينتهي أعلاها بإفريز حجري كلسي بارز للخارج قليلاً ، وقد توضع تحته عن يمين الواجهة ويسارها ميزابان حجريان لتصريف المياه عن السطح . وتعلو الواجهة قبة نصف كروية مدبّبة ملساء متوّجة بفتحة مغطاة بالزجاج على شكل هرمي فوق قاعدة مستديرة .
يتوسط الواجهة الجنوبية وعلى محور القبة مدخل التكية ، وهو يتألف من قوصرة مرتفعة معقودة بعقد مخموس مدبب من الحجر الأبلق يزنّره إطار حجري كلسي ذو زخارف هندسية ، تتضمن فتحة باب بعرض 1,60 م معقود بعقد وتري (مجزوء) من الحجر الأبلق ، تعلوها لوحة زخرفية كتابية ذات إطار زخرفي هندسي ونباتي مؤلفة من أربعة أسطر تؤرخ لتجديد التكية في عهد السلطان سليمان القانوني مانصّها :
بسم الله الرحمن الرحيم
صدق الله
أمر بتجديد هذه العمارة السلطانية السليمية السلطان الأعدل الأكرم
السلطان سليمان خان بن سليم خان خلّد الله ملكه سنة اثني وستين وتسعمائة.
ويُصعد إلى المدخل عبر أربع درجات حجرية بلقاء ، على جانبيها مكلستان حجريتان (جلستان) ، تؤدي إلى باب خشبي ضخم ذي مصراع واحد ( لإدخال المؤن) ينصّفه باب خوخة صغير (لدخول الأشخاص) معقود بعقد نصف دائري تعلوه دقّاقة نحاسية مزخرفة.
ويوجد على يمين المدخل نافذة مستطيلة الشكل مغشّاة بالمشبّكات المعدنية ذات ساكف مستقيم ، تعلوها شرقاً مزولة (ساعة شمسية) تتألف من قطعة حجرية بارزة عن سمت الواجهة بزاوية تبلغ نحو 45 نُقشت عليها خطوط المزولة ونص كتابي " عمل محمد س 1205 " أي سنة 1790م . ويوجد على يسار المدخل سبيل ماء حوّل لاحقاً إلى دكان ، تليه واجهة فرن الخبز تحوي شباكين مستطيلين متماثلين ثم باب الرن المستطيل ذو الساكف المستقيم ، وهو مازال محافظاً على وظيفته مع بعض التعديلات .
ويفتح باب التكية الخشبي على دركاه صغيرة (بهو دخول) مسقوفة بقبوة أسطوانية يُصعد في نهايتها عبر ثلاث درجات إلى قاعة الطعام. ويوجد عن يمين الدركاه قبر حجري كلسي مستطيل قديم تمّ الاحتفاظ به عند بناء التكية، وكذلك يوجد عن يسارها طالع ماء تحوّل إلى داكونة مغلقة بباب خشبي .
وقاعة الطعام ذات مسقط مستطيل ، تبلغ أبعادها 15.7×8.35 م ، يقسمها عقد واسع مرتفع إلى مربعين شمالي وجنوبي ، تقوم فوق كل منهما قبة نصف كروية مدببة محمولة على أربعة عقود حجرية مدببة ، والعقود السبعة الحاملة للقبتين ترتكز بدورها على ست دعائم ضخمة. ويتم الانتقال من الشكل الدائري إلى المربع عبر مثلثات كروية مقلوبة. ينفتح في الجدار الشرقي للمربع الجنوبي باب ذو إطار حجري وساكف مستقيم يعلوه عقد حجري مدبب مصمت يؤدي إلى غرفة انهدم سقفها . أما في المربع الشمالي فينفتح باب مماثل في الجدار الشرقي يؤدي إلى غرفة مربعة الشكل تقريباً مغطاة بقبوة متقاطعة ، وهي مخصصة لحفظ المؤن ( حالياً الإدارة) . وكذلك ينفتح في جداره الشمالي باب يؤدي إلى المطبخ ، وفي هذه الحديقة طاحون لخدمة التكية .
والمطبخ مستطيل الشكل يمتد ضلعه الطويل باتجاه شمال – جنوب ، وهو يتألف من قاعتين مسقوفتين بقبوتين : الأولى قاعة مستطيلة فُتح في طرف جدارها الشرقي باب يؤدي إلى مخزن المؤن ، والثانية فُتح في جدارها الغربي باب (مغلق) يؤدي إلى حديقة المنزل المجاور وقد جُعلت لتحضير الطعام ، تضمّ حلّتين للطبخ وحوض لغسيل الأواني .
وأما مخزن المؤن فهو ذو مسقط مستطيل مغطى بسقف خشبي تقليدي ، وهو مقسوم إلى فراغين عبر بائكة تتأف من عقدين حجريين مدببين مرتفعين .
التكية بحالة جيدة ، ماتزال تقوم بوظيفتها في إطعام الفقراء والمحتاجين . وهي بحاجة ماسّة لإعادة مااقتُطع منها وإزالة الإشغالات عن واجهتها وتأهيلها ليعود الألق إلى حلّتها الأثرية القشيبة.
مراجع للإستزادة:
- ابن طولون (880ه/1475- 953ه/1546م) ، القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية ، تحقيق محمد أحمد دهمان ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1980 م .
- ابن كنان ( 1074ه/1663 - 1153ه/1740م )، المروج السندسية الفسيحة في تلخيص تاريخ الصالحية ، تحقيق محمد أحمد دهمان ، مديرية الآثار القديمة العامة ، دمشق 1947م .
- عبد القادر الريحاوي ، روائع التراث في دمشق ، التكوين للطباعة والنشر ، دمشق 2005 م .