اكتسبت ناعورة مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي شهرة كبيرة نظراً لكونها الناعورة الوحيدة المتبقية من نواعير دمشق التاريخية والباقي أثرها إلى يومنا هذا.
واللافت للنظر أن هذه الناعورة تتوضع على نهر يزيد وهو من أنهر دمشق السبعة المتفرعة من نهر بردى في زقاق أطلق عليه زقاق النواعير
كانت النواعير من الوسائل الأساسية لضخ المياه إلى المناطق المرتفعة التي لاتصلها المياه
استخدمت النواعير على أنهار دمشق من العصر الروماني وتطورت وازدهرت في العصور الإسلامية حتى القرن الرابع عشر الهجري حيث الضخ بالوقود والكهرباء
تعتمد الناعورة في حركتها على قوة الماء الجارية فيدور دولابها ليحمل المياه ويرفعها خلال الدوران إلى الأماكن العالية
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن صانع الناعورة هو المهندس محمد بن معروف الأسدي الرصاد (الراصد) تقي الدين الشامي الفلكي والرياضي الميكانيكي
ولد بمدينة دمشق سنة 932هـ الموافق لـ 1525م وتوفي باستانبول سنة 993هـ الموافق لـ 1585م ويعد من نوابغ العلوم في العصور المتأخرة
تولى أعمال القضاء في نابلس ومن أعماله إنشاء مرصد فلكي باستانبول وقد عمل فيه كما صمم آلة لتدوير السيخ الذي يوضع فيه اللحم على النار فيدور من تلقاء نفسه (طريقة الشوي على الفحم)
له كتب منها :
1- الدر النظيم في تسهيل التقويم (مخطوط ذكر فيه أنه استخرج زيجا مختصرا من زيج (ألوغ بك) وجعله مدخلا في استخراج التقويم )
2- ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح ( مخطوط )
3- المصابيح المزهرة (مخطوط)
4- سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار (مخطوط)
5- بغية الطلاب من علم الحساب (مخطوط)
6- كتاب الطرق السنية في الآلات الرومانية (وأهمية هذا الكتاب تأتي أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ التكنولوجيا العربية وفي تاريخ الهندسة الميكانيكية بشكل خاص) وقد وصف فيه أنواعاً من الآلات الميكانيكية والمضخات الحلزونية
أما الناعورة التي صنعها تقي الدين فهي شاهد حي على عبقرية هذا الرياضي الميكانيكي وامتداد لنتاج علوم الحضارة الإسلامية .
أما تاريخ بناء الناعورة فيرجع إلى بناء تكية السلطان سليم الأول والجامع المعمول وتكريم ضريح الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
وبعد إتمام بناء التكية والجامع والضريح بمدة كلف المهندس محمد بن معروف الأسدي الرصاد (الراصد) تقي الدين الشامي الفلكي بتصميم الناعورة على نهر يزيد لجر المياه في مصالح المنشآت المذكورة
وموقع الناعورة في الجهة الجنوبية من جامع الشيخ محيي الدين على نهر يزيد الممتد بجوار زقاق ضيق يعرف إلى يومنا بالنواعير وهذا الزقاق عليه بيوت عربية ويطل على بساتين الصالحية التي استهدفها تنظيم الجبة الحديث.
وقد توقف عمل الناعورة في نهاية القرن الرابع عشر الهجري (السبعينيات من القرن العشرين)
بقي أن نشير إلى أن ثمة طواحين كانت مقامة على النهر أطلقت عليها العامة اسم النواعير تشبيهاً لها بالنواعير الحقيقية منها ناعورة لبيت مشمش وأخرى لبيت السيد حسن وكان أهل الصالحية يتذمرون من صوت النواعير لأنها كانت تمنعهم عن النوم
وأما وصف الناعورة الحالية : فكانت مصممة على دولاب ضخم يدور بقوة دفع مياه نهر يزيد فيدور بدورانه مسنن ضخم من الخشب صنع بطريقة فنية صحيحة ويدير هذا الدولاب دولاب آخر في أعلى البرج ربطت به سلسلة حديدية علقت بها دلاء تملأ بماء النهر وتفرغ في حوض بقمة البرج حيث يسيل الماء عبر قناة رفعت على أقواس حجرية مرتفعة إلى خزان للماء ،وقد هدمت هذه الأقواس قديماً واستعيض عنها بجسر اسمنتي . يستقبل الخزان الماء ويخزنه ومن ثمّ يوزعه على كل من التكية والجامع والبيمارستان القيمري الملاصق له من جهة الغرب
كما مدت قناة صغيرة إلى بحرة الجامع تتوسطها على شكل نافورة وفتحت على طول جدران الخزان صنابير للمياه من أجل الوضوء لاتزال آثارها ظاهرة للعيان .
بقي أن نشير إلى تغني الشعراء بالناعورة منهم ابن الوردي بقوله :
ناعورة مذعورة ولهانة وحائرة
الماء فوق كتفها وهي عليه دائرة
ومنهم ابن نباتة بقوله :
وناعورة قالت وقد ضاع قلبها وأضلـــعـــها كــادت تــهد من الســقم
أدور على قلـبي لأنــي فــقدتـه وأما دموعي فهي تجري على جسمي
صورة إلى :
المدير
الدراسات