الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-09-18 الساعة 08:28:07
مهنة الصيانة -1-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ

وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة الثانية والعشرون في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)، وقد عرضت

السلسلة لمهن التعليم والطب والتجارة والوظيفة العامة والسواقة ونبدأ اليوم الحديث عن مهنة الصيانة -1-.

إذ يعمل في هذه المهنة الكثير من أبنائنا أفراداً وشركات، سواء عملوا في صيانة

 المصاعد أو في صيانة أجهزة التكييف أو  في صيانة أجهزة الإنذار بكل أنواعها أو

في صيانة أجهزة الحاسوب أو في صيانة الهواتف وأجهزة الاتصال أو في صيانة الأجهزة الكهربائية والالكترونية أو في صيانة آلات المعامل والمصانع أو في صيانة الطائرات أو في غير ذلك من أنواع الصيانة.

والصيانة: لغةً هي الحفظ والوقاية، وعرفاً هي إصلاح الشيء كلما طرأ عليه عطل أو أذى، أو وقايته ليبقى محافظاً على قدرته الإنتاجية.

ويسعني في خطبة اليوم أن أجيب عن الأسئلة الآتية:

- هل يضمن الصائن ما تلف في يده لصاحب السلعة؟

- أودع هاتفاً محمولاً للصيانة ثم غاب غيبة طويلة ولم يرجع فهل يحل للصائن           التصرف بالهاتف بيعاً أو هبة أو نحو ذلك؟

- ما حكم أجرة الفحص التشخيصي؟

- هل يجوز للصائن أن يربح من ثمن القطع إضافة لأجرة الصيانة؟

وإليكم الإجابات والله المعين.

السؤال الأول: هل يضمن الصائن ما تلف في يده لصاحب السلعة؟

الجواب: الصائن أجير مشترك، والأجير المشترك ضامن لما جنت يده، فالحائك إذا 

أفسد حياكته ضامن لما أفسد نص عليه أحمد، والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو

مده أو عصره أو بسطه، والحمّال يضمن ما سقط من حمله على رأسه أو تلف من عثرته، روي ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم، وهو

قول أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر لا يضمن ما لم يتعد.

قال الشيخ محمد أبو زهرة: (واتفق الخلفاء الراشدون على تضمين الصناع مع أن الأصل أن أيديهم على الأمانة، ولكن وجدوا أنهم لو لم يضمنوا لاستهانوا بالمحافظة

على أمتعة الناس وأموالهم، وفي الناس حاجة شديدة إليهم, فكانت المصلحة في تضمينهم؛ ليحافظوا على ما تحت أيديهم؛ ولذلك قال علي رضي الله عنه في تضمينهم:

"لا يُصلِح الناس إلا ذاك")

وبناء عليه فعامل الصيانة ضامن ما تلف في يده لصاحب السلعة.

على أن الفقهاء تحدثوا عن التلف والهلاك لأسباب قاهرة، وفرقوا بين ما تلف بفعل

الأجير المشترك وبين ما تلف بغير فعله، بحيث إذا كان التلف بفعله فإنه يكون ضامنا له، سواء أكان متعديا أم غير متعد، قاصدا أم مخطئا، أما إذا كان التلف بسبب لا يمكن التحرز عنه غالباً  كالحريق الغالب ومثله ما يحدث اليوم من تحول المنطقة الآمنة إلى منطقة ساخنة  أو منطقة توتر فلا يضمن في هذه الحالة والله أعلم.

 

السؤال الثاني: أودع هاتفاً محمولاً للصيانة ثم غاب غيبة طويلة ولم يرجع، فهل يحل للصائن التصرفُ بالهاتف بيعاً أو هبة أو نحو ذلك؟

الجواب: من القواعد المعروفة المقررة في الفقه الإسلامي أن ملكية الأعيان لا تقبل الإسقاط وإنما تقبل النقل.

وبناءً عليه إن الجوال المودع للصيانة لا تسقط ملكية صاحبه له مهما طال أمد غيابه

, بل يتحول إلى أمانة لا يضمنها الصائن إلا في حالات التعدي المفرط والتقصير

الجسيم في الحفظ.

والذي يظهر أن الجوال الذي غاب صاحبه غيبة طويلة وانقطعت أخباره يكون وديعة

, وقد اختلف الفقهاء في مدة حفظ الوديعة على أربعة أقوال – كما في الموسوعة الفقهية الكويتية- :

القول الأول: للحنفية: وهو أنه يلزمه حفظها حتى يعلم موت صاحبها أو حياته.

القول الثاني: للمالكية: وهو أنه ينتظر بها إلى أقصى ما يحيى المودع إلى مثله، ثم يدفعها إلى ورثته، فإن لم يكن له وارث، تصدق بها عنه.

القول الثالث: للشافعية على المعتمد: وهو أن هذا مال ضائع، فمتى يأس من وجود مالكه تصدق به في مصالح المسلمين، ومتى لم ييأس من مالكه أمسكه له أبدا، مع التعريف به ندبا.

 وأفتى الشيخ العز بن عبد السلام فيمن عنده وديعة أيس من معرفة مالكها بعد

البحث التام، أن يصرفها في مصالح المسلمين، وليقدم أهل الضرورة ومسيسي الحاجة على غيرهم.

القول الرابع: للحنابلة: وهو أن الوديعة التي فقد مالكها، ولم يطلع على خبره، وليس

له ورثةـ وكذا الوديعة التي جهل مالكها. يجوز للوديع أن يتصدق بها بنية غرمها إذا عرفه أو عرف وارثه.

والحاصل أنه لا يجوز لعامل الصيانة التصرف بالجوال الذي غاب صاحبه غيبة

طويلة بل يحفظه له، حتى إذا يأس من وجوده ووجود وارثه تصدق به في مصالح المسلمين بنية غرمه إذا لقيه يوما أو لقي وارثه، والله أعلم.

 

السؤال الثالث: ما حكم أجرة الفحص التشخيصي؟

أعمل في صيانة أجهزة التلفزة وأطلب من صاحب السلعة المعطلة أجرة فحص

تشخيصي، بحيث أفحص الجهاز المعطل؛ لتحديد ما يحتاج إليه من إصلاح، وأتقاضى

أجر الفحص ولو لم نتفق بعدها على إصلاح الجهاز، فما حكم أجرة الفحص التشخيصي؟

الجواب: الفحص التشخيصي واكتشاف موطن الخلل عمل معتبر عرفاً، يبذل الصائن

له جهدا وخبرة، وبناء عليه جاز له أن يتقاضى أجرة على عمله هذا ولو لم يتفق

لاحقاً مع صاحب الجهاز على إصلاحه.

على أنه ينبغي للصائن أن يبين ذلك لصاحب الجهاز قبل أن يباشر الفحص ليعلمه أن أجرة الفحص التشخيصي كذا، فإن اتفقا قام بالفحص.

فإن سكت الصائن ولم يبين أو لم يضع لوحة مبينة في محله أو شركته أن أجرة

الفحص التشخيصي كذا، رجعنا إلى العرف المعمول به في صيانة هذه الأجهزة؛

فإن قضى العرف بأجرة الفحص أعطيناه إياها وإلا فلا، فإن لم يكن ثمة عرف في

هذه المسألة اعتُبِرَ الصائن متبرعاً بفحصه وليس له المطالبة بأجرتها لاحقاً. لأن

الأصل براءة ذمة الزبون وليس لنا أن إشغال ذمته بمبلغ مالي لم يرض به سابقاً،

والله أعلم.

 

السؤال الرابع: هل يجوز للصائن أن يربح من ثمن القطع إضافة لأجرة الصيانة؟

يحتاج الصائن لشراء قطع من السوق ليضعها بدل القطع التالفة في الجهاز أحياناً،

فهل له أن يضيف إلى ثمن القطعة مبلغاً إضافياً ليربحه إضافة لأجرة الصيانة؟

الجواب: الصائن أجير مشترك يعمل لصالح صاحب الجهاز وينال أجر الصيانة، فإذا

أراد شراء قطعة من السوق لصالح الزبون فإنه وكيل عنه بالشراء فوجب عليه أن

يأخذ منه ثمنها كما دفعه دون زيادة، وإذا أراد الزيادة فعليه البيان للزبون لتكون

وكالة بأجر بحيث يُظهر له أجرة الصيانة وأجرة شراء القطعة التالفة، وله أن يكون أجيراً في الصيانة وبائعاً للقطعة على أن يبين للزبون أجرة الصيانة وثمن القطعة فإن رضي الزبون أمضيا العقدين عقد البيع وعقد الصيانة.

أما إن سكت الصائن ولم يبين فالأصل أنه أجير لا يحل له أن ينال إلا الأجر المتفق

عليه للصيانة، وهو في شرائه للقطع وكيل وكالة من دون أجر؛ فلا يحل له يربح

من ثمنها شيئاً، حتى لو حسم له بائع القطع حسماً فإن الواجب الشرعي عليه أن

يعطي هذا الحسم للزبون صاحب الجهاز وألا يضمه إلى ماله. والله أعلم.

 

أيها الإخوة:

هذه إجابات على بعض أسئلتكم المتعلقة بمهنة الصيانة وللموضوع تتمة إن شاء الله

، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1302
تحميل ملفات
فيديو مصور