الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-04-23 الساعة 09:50:09
مهنة الطب -3-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى

 عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ

   } [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

   أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

 وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به

     خيراً يفقِّهه في الدِّين».

 هذه هي الخطبة العاشرة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)، ونتابع اليوم الحديث

 عن مهنة الطب، ولئن تحدثت الخطبتان الماضيتان عن مسائل فقهية في مهنة

  الطب، فإن خطبة اليوم تتحدث عن آداب مهنة الطب.

 •  يعلِّب معمل أدوية خلطاته غير المطابقة لمواصفات وزارة الصحة ليرسلها لتباع

  في بعض دول العالم الثالث.

 • يمارس أطباء في مكاتب منظمة الصحة العالمية في بعض البلدان الفقيرة

 جداً الفاحشة مع الفتيات لتقديم المساعدات الطبية لهن.

 • تحقن ممرضات غربيات أطفالاً مسلمين بالإيدز، ويُبَرَّأنَ أمام القضاء، ليرجعن

   إلى بلادهن آمنات مطمئنات.

• ترسل طبيبة نسائية بكل مريضاتها الولاّدات إلى العملية القيصرية.

• يقنع طبيب أسنان مريضه بـ:full - mouth) ) مع أن المريض فاقد للرحى

  الأولى العلوية اليسرى والضاحكتين، ومثلها في الفك الأسفل الأيمن.

• يجري مريض تحليلاً مخبرياً على العينة نفسها في أربعة مخابر فلا تطابق

 نتيجةٌ أختها.

• انتشار مافيا للشركات الدوائية في العالم.

• تذكر إعلانات بعض العيادات فروع الاختصاص وجزئياته مجارية إعلانات المحلات التجارية التي تذكر أنواع البضائع والسلع.

• تحلق طائرة جراحية مجهزة بغرف عمليات من دولٍ غنية إلى الدول الأشد فقراً

  ليصار إلى شراء أعضاء بشرية من أصحابها ببضع الدولارات ثم تعود

  الطائرات محملة بالغنائم إلى بنوك الأعضاء.

• قتل طبيب غربي سبعين من مرضاه القتل الرحيم –على ما يسمون- ثم اكتُشِفَ

  أمره وحُوكم.

• مشفى ذات رفاهية عالية لا تستقبل حالات الإسعاف حتى ولو كانت في الرمق

  الأخير إلى أن يتم تسديد الفاتورة الباهظة جداً.

• يرفع سماسرة عيادات طب الأسنان في بعض الدول نسبة السمسرة إلى 50% و

  بعض الأطباء يوافقون.

• يعرض أطباء في اللوحات الإعلانية الطرقية صوراً لتحفيز الزبون أو الزبونة

  على إجراء العمل الجراحي التجميلي، وقل مثل ذلك عن كتالوك للشكل المطلوب

  يدار بين يدي المريض للاختيار قبل الإجراء الحراجي.

 كل هذه الأنباء تؤكد ضرورة الحديث عن (آداب مهنة الطب).

 وعلى الطرف المقابل أسرد لكم عناوين مراجع طبية قيمة تتحدث عن الأخلاق

  في الطب:

أخلاق الطبيب لأبي بكر الرازي، أدب الطبيب لإسحاق بن علي الرهاوي،

 العلوم السلوكية والإنسانية في الطب لمنير فوزي، أخلاقيات مهنة الطب في

 ضوء الإسلام لعبد العزيز القصير، خلق الطبيب المسلم للدكتور زهير

 السباعي، الأخلاقيات الطبية إصدار جمعية الطب العالمية، الأخلاقيات الطبية

 وحقوق الإنسان، الميثاق الأخلاقي للكليات الطبية، الدستور الإسلامي

 العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية نشر منظمة الصحة العالمية ، الميثاق

 الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية ،... وعشرات بل مئات وألوف المراجع

 والكتب والمؤتمرات والجمعيات والمواثيق والدساتير التي تتحدث عن آداب مهنة

 الطب وأخلاق الطبيب.

 وقد قررت جمعية الطب العالمية في جلستها الحادية والخمسين عام 1999دعوة

 معاهد الطب بالعالم دعوة ملحة لإدراج الأخلاقيات الطبية في برامجها

 التعليمية الإجبارية.

كل ذلك لما تحمله مهنة الطب من رفعة إن اقترن العلم فيها بالأخلاق، ولما تخفيه

 من ضِعة إذا تجردت عن الأخلاق.

ويكتب لي أخ مشكوراً يقول: إن ما يهم المريض بدايةً هو آلية حجز الموعد عند

 الطبيب وصعوبةُ التعامل أحياناً مع مدير مكتب الطبيب أو السكرتيرة، ثم

 المواعيد الخاصة التي تعطى لأصحاب النفوذ المادي والذين لا يكلفون أنفسهم

 عناء القدوم وحجز الموعد وإنما يكتفون بدفع مبلغ مالي إكرامية للممرضة

 أو يستغلون نفوذهم، بينما يحتاج المريض العادي لانتظار طويل قد يصل إلى

 ثلاثين يوماً ليأخذ موعده.

ثم يضاف إلى مرض المريض العضوي مرض نفسي عندما يجد طبيبا يعامله

 بفوقية وينظر إليه شزرا ويكلمه بالقطارة؛ فلا هو يشرح لمريضه ما يطمئنه، ولا

 هو يبين له فوائد ما على وصفته الدوائية يدونه.

كتب الشيخ على الطنطاوي في ذكرياته مقالتين عنون للأولى "هجوم على

 الأطباء" وللثانية "دفاع عن الأطباء"، ومما جاء في الثانية قال: (كنت في

 شبابي أذهب كل سنة إلى طبيب لا يعرفني فأقول له: أريد أن تفحصني فحصاً

 عاماً فيفعل ويستعين بالصور الشعاعية بناء على طلب مني وبالتحاليل الممكنة

 كلها وبالفحص السريري، فإذا انتهى قال لي متعجباً: ما الذي تشكو منه؟ قلت:

 لا أشكونّ من شيء فيقول: لماذا جئت إذن وليس فيك شيء وجسدك صحيح؟

 فأقول: جئت لأسمع منك هذه الكلمة).

في إشارة إلى أهمية كلمة الطبيب ووقعها المؤثر عند المرضى، ومن هنا نجد

 الإسلام –أيها الإخوة- يعلّم أطباءَه أن يعتنوا بالمرضى عنايةً روحية نفسية، إضافة

 إلى العناية الجسدية، وما الأدعيةُ القرآنية والنبوية إلا نوعاً من هذه العناية.

فالـمَسنون لمنْ يرى مريضاً -والطبيبُ منهم- أن يدعوَ له قائلاً: «أسألُ اللهَ العظيم،

 ربَّ العرش العظيم، أن يشفيك» 

 وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً ودعا له يقول له في

 نهاية الزيارة: «لابأس, طهور إن شاء الله».

 فهذه الكلمةُ هي مادّةٌ نفسية روحية، تعُينُ المريض، والطبيبُ أولى من

 يقولُها للمريض.

والمسنون: سؤالُ المريض عن حاله، ولا شك أنّ في هذا الأمر راحةً نفسية

 للمريض المهموم.

والمستحبُّ: وصيةُ أهل المريض ومن يخدمُه بالإحسان إليه والصبر عليه.

والمستحبُّ: أن يُثْنَى على المريض بمحاسن أعماله ونحوها، وشدّ همته نحو العافية.

والمستحبُّ: تطييبُ نفس المريض، والتنفيسُ له في الأجل، وتأميلُه العافية. قال

 رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في أجله، فإن ذلك لا يردُّ شيئاً، ويُطَيِّب نفسَه».

قال الطبيب أبو بكر الرازي: (ينبغي للطبيب أن يؤمِّلَ المريض أبداً الصحة، ويرجيِه

  بها، وإن كان غيرَ واثق بذلك، فمِزاجُ الجسم تابِعٌ لأخلاق النفس).

 راسلني أحد الأطباء الدارسين للاختصاص فقال: لفتني في أثناء عملي في

  المشفى أمور: أولها: أن بعض الأطباء والممرضات يأخذون مواد وأدوات من

  المشفى من دون استئذان أحداً ليستعملوها خارج المشفى مجاناً أو مقابل أجر

  مادي، وثانيها: أنّ بعض الأطباء لا يعطون المريض في المشفى العام حقه

  ويضطرونه أحياناً إلى مراجعتهم في عياداتهم الخاصة وربما إلى إجراء

  العمل الجراحي عندهم في مشفى خاص ولو لم تكن الحالة المادية للمريض تسمح

 له بذلك، وثالثها: رأيت بعض الأطباء في المشفى الخاص يوفرون في استهلاك

 المواد والأدوات بشكل كبير ويحافظون مثلاً على أصغر جزء من الخيط الجراحي

  في أثناء العمل الجراحي لأنه سيدفع ثمن ما يستهلك، بينما تراه نفسه في

  المشفى العام يهدر من دون مبالاة.

أيها الإخوة:

كلّما زاد أدب المرء علا، وكلّما حسن خلقه سما، فأحبه الله وأحبه الناس.

قبل أسبوعين مرض واحد من أطباء الشام المعروفين بأخلاقياتهم العالية وعلمهم

 الغزير وأدبهم الجم، فوجدت الناس يضعون صور هذا الطبيب على صفحاتهم

 في التواصل الاجتماعي ويدعون له ويثنون عليه، كتب أحدهم: (اللهم إنك تعلم

 أننا أحببناه فيك فعافيه برحمتك وأنزل باسمك الشافي شفائك عليه بسر اتقانه

 لعمله وابتسامته لمرضاه وروحه الطيبة، نسألكم له الدعاء).

وكتب آخر: (يعرفه أهل الحيّ، القاصي والداني، يعالج المرضى ويعالج القلوب

 قبلها، نذر حياته لخدمة عباد الله، أياً كان مشربهم، يده بيضاء للفقراء والمعوزين،

 لا يتوانى عن الاستجابة لخدمة المرضى بتواضع، لأنه يوقن أنه يقوم بذلك مرضاةً

لله

 أولاً وأخيراً.

اليوم يستلقي على سرير المرض، فمن حقه على الأمة أن تخلص الدعاء له و

 لجميع المرضى.

اللهم أنزل عليه الشفاء العاجل التام الدائم، اللهم امسح عليه بيمينك الشافية،

 وأنزل عليه العافية، اللهم اشفه شفاءاً لا يُغادر سقماً، اللهم إنه عبدك يتقلب بين

  جوانح رحمتك ويدعوك بلسان حاله، أن تنزل عليه الشفاء والرضا، إنك أكرم

   مسؤول وأعظم مأمول، يا عزيز ويا غفور).

 فخُلُق هذا الطبيب وأدبه وخدمته للخلق تقرباً للخالق أودعا حبه في قلوب العباد.

  وفي الشام كثير مثله والحمد لله.

     من خير ما اطلعت عليه في أخلاقيات الطبيب الميثاق الإسلامي العالمي

للأخلاقيات الطبية وهو منشور على الشابكة، أقترح عليكم مراجعته، وقد جاء في

ست وعشرين ورقة وفيه ثمانية ومائة مادة ضمن عشرة أبواباً.

 تقنن مواد الميثاق لأخلاق الطبيب وحقوقه، وتتحدث عن واجباته نحو المريض   والمجتمع والمؤسسة التي يعمل بها ونحو مهنته، وتعرض لعلاقته مع زملائه الأطباء، وتتكلم عن إعلان الطبيب وإعلامه للتعريف بنفسه واختصاصه وخبرته.

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة الطب وبعض آداب هذه

المهنة النبيلة، سمح بهما الوقت.

فيا أيها الأطباء:

يجري الله على أيديكم شفاء بعض خلقه ليثيبكم بقوله: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا

النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، ويرفع الألم عن بعضهم بواسطتكم ليكافئكم بقول نبيه

 صلى الله عليه وسلم: «مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنه

 كُربة من كُرَب يوم القيامة» وإن منكم من أُتيح له السفر في هذه الأزمة إلى أرقى بلدان العالم فآثر البقاء لخدمة أبناء بلده تقرباً إلى ربه، فتقبل الله منكم وأثابكم الخير.

واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1740
تحميل ملفات
فيديو مصور