الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-03-22 الساعة 11:35:27
مهنة التعليم -1-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً

مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» [البخاري].

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة الخامسة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

 ونبدأ اليوم الحديث عن: مهنة التعليم -1-

أيها الإخوة:

بدأت بمهنة التعليم لشرفها ونبلها، وحسبك أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم

درجات {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].

وحسبك أنها مهنة أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الجمعة: 2].

روى الإمام مسلم عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثْني مُعْنِّتاً ولا مُتَعَنِّتاً ولكن بعثني مُعَلِّماً مُيَسِّراً» [مسلم].

ويقول الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فبأبي هُوَ وَأمي مَا رَأَيْت

معلما قبله وَلَا بعده أحسن تَعْلِيما مِنْهُ» [مسلم].

وحسبك في شرفها أنها مهنة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد انتشروا

في الأرض معلمين مبشرين ومنذرين.

أخرج الحاكم في المستدرك كتب عمر إلى أهل الكوفة: (إني بعثت إليكم عمار بن

ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب

محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فتعلموا منهما، واقتدوا بهما).

وأخرج البخاري عن الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا.

قرأت أن أحد الأساتذة الجامعيين كتب لطلابه في مرحلة الدكتوراه والماجستير

رسالة معبرة وضعها على مدخل الكلية في الجامعة بجنوب افريقيا يقول:

تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى.

ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم والسماح للطلبة بالغش

فيموت المريض على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار البيوت على يد مهندس

 نجح بالغش، وتخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، ويموت الدين على يد

شيخ نجح بالغش، ويضيع العدل على يد قاض نجح بالغش، ويتفشى الجهل في

عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش، فانهيار التعليم مساو لانهيار الأمة.

لهذه الأهمية الكبيرة لمهنة التعليم جعلتها أولا في سلسلة مهنتي فقهها وآدابها.

- ما حكم خروج المدرس عن المنهاج للتسلية والترفيه؟

- ما حكم تدريس الذكور للإناث وعكسه؟

- ما حكم تأديب المتعلم بالضرب؟

- هل يلزم المدرس بإعادة شرح الدرس لمن لم يفهمه من الطلاب؟

- ما حكم قبول المعلم لهدايا الطلاب؟

- ما حكم الدروس الخصوصية؟

- ما حكم إعطاء المدرس علامات إضافية للطالب الراسب لجبر رسوبه وليصير ناجحاً؟

- ما حكم غض الطرف عن الطلاب في أثناء الامتحان ليأخذوا المعلومات من أوراق زملائهم؟

- هل عمل مشاريع تخرج لطلاب الهندسة وشرحها لهم بشكل مفصل تعد جائزة أم لا؟

- هل يجوز للمدرس الجامعي إخفاء بعض علومه عن طلابه استئثارا بها عنهم؟

- إذا كنت مدرساً.. هل يمكنني أن أدفع مال الزكاة عن أموالي بتدريس بعض الدروس المجانية للفقراء؟

 

وإليكم الإجابات، والله المعين:

1-  ما حكم خروج المدرس عن المنهاج للتسلية والترفيه؟

الجواب: إن على كل معلم أن يتخير أنسب الطرق لإيصال الفكرة إلى طلابه، وقد

حظي الأسلوب وطريقة عرض الأفكار بأهمية تكاد توازي جوهر الفكرة.

ولذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم اختيار الأوقات المناسبة لوعظ

أصحابه وفي الصحيحين عن شقيق بن سلمة قال: (كان عبد الله بن مسعود يذكر

الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا).

وقد نُقل عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان

فابتغوا لها طرائف الحكمة.

وبناءً عليه يظهر أنه لا حرج بقسط من الترفيه يجدد نشاط الطلاب ويستعيد زمام تركيزهم؛ لأن ذلك يُعين على إتمام الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وإذا كان الترفيه لطرد الملل والشرود الذهني ولتجديد النشاط في القاعة الدرسية

فهو جائز.

 أما إذا كان لإضاعة الوقت وللهروب من واجب إيصال المعلومات إلى الطلاب فهو حرام؛ لأنه هروب من الواجب وأكل لأموال الناس بالإثم. والله أعلم

 

 

2-  ما حكم تدريس الذكور للإناث وعكسه؟

الجواب: لا حرج في سنوات الدراسة الأولى أن يدرس الأكفأُ من المدرسين سواء

كانوا ذكوراً أو إناثاً، فإذا بلغ الطالب سناً يلفت أنظار النساء أو يلتفت لمحاسن

النساء، أو بلغت الطالبة سناً تلفت أنظار الرجال أو تلتفت لمحاسن الرجال فالأصل الواجب عندها أن يدرس الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساء.

ولكن إن دعت الضرورة أو الحاجة – ومهما مصطلحان فقهيان منضبطان كما مر

في المبادئ العامة- فيمكن للمعلم تدريس الفتيات وللمعلمة تدريس الفتيان على أن تراعى ضوابط الاختلاط من الالتزام باللباس الشرعي والالتزام بغض البصر من الطرفين، والجدية في الكلمة، وعدم الخلوة والمس.

قال الإمام النووي في المنهاج: (وَيُبَاحُ النَّظَرُ لِمُعَامَلَةٍ وَشَهَادَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.)

 

3-  ما حكم تأديب المتعلم بالضرب؟

الجواب: الأصل في الشريعة عدم جواز الضرب؛ لأن الله تعالى كرم بني آدم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب بيده كبيراً أو صغيراً إلا أن يجاهد في سبيل الله.

ولكن يباح الضرب عند الضرورة أو الحاجة اللتان لا ترفعان إلا به، أخرج أبو

داود بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».

فيمكن أن يقاس على الصلاة أي فعل مهم أو ترك لمهم يحتاج فيه الطفل للتقويم.

يقول الإمام لغزالي في الوسيط: (للأب الضرب تأديبًا وحملاً على التعلم وردًا عن

سوء الأدب). وذلك عندما لا يُجدِ أسلوب آخر، يقول ابن خلدون: (ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين.. سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها،

وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير

ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له تلك عادة وخلقًا).

هذا ولابد للعقوبة البدنية أن تراعي الضوابط الشرعية الآتية:

الضابط الأول: ألا يُجْدِ غيرُها من الأساليب التربوية، فإذا أجدى غيرها فلا تحل

رجوعاً إلى الأصل، وقد كتب لي أحد المدرسين مشكوراً يقول: (أنا مدرس لغة انكليزية وقد درست من الصف الخامس وحتى الشهادة الثانوية، أحببت أن أشارككم

تجربتي في مهنة التعليم، لم أجد في بداية تعاملي مع التلاميذ غير أسلوب الشدة

في ضبط الصف لكنني لم أكن أشعر بالراحة فصرت أبحث عن كتب تتعلق بأساليب التدريس وأستشير زملائي المدرسين حتى أنني كنت أحضر حصص بعضهم في

أوقات فراغي لأرى كيف يتعاملون مع طلابهم، وأكرمني الله بعد ذلك بدراسة

دبلوم التأهيل التربوي، ما أود قوله أن الاختصاص في تدريس مادة من المواد

ليس كافياً ولابد للمعلم أن يكون على دراية بعلم النفس التربوي والصحة النفسية وطرائق لتدريس مادة الاختصاص حتى يكون مؤهلاً للتعامل مع طلابه؛ لينال ثقتهم

ومحبتهم والاحترام المتبادل، وأن تكون المادة العلمية التي يقدمها والأسلوب الذي

 يتبعه في تقديمها هي العوامل التي تساعده على ضبط الصف وتجنب الفوضى

واضاعة الوقت فالمعلم في النهاية مسؤول أمام الله ومؤتمن من قبل أهالي الطلاب).

الضابط الثاني: أن يكون الضرب بإذن الولي أو من في حكمه.

ويقوم مقام الولي العام اليوم وزارة التربية، فإذا منعت في لوائحها التنظيمية

الضرب حرم حينئذٍ استناداً لهذا الضابط الذي وضعه الفقهاء، ووجب للمعلم أن يلجأ لغيره من أساليب التأديب.

الضابط الثالث: أن يكون مبعثها الرحمة لا الانتقام:

لأن الهدف من العقوبة هو الإصلاح فينبغي أن تكون مشفوعةً بالرحمة، ممزوجة بالعطف، مقرونة بالإشفاق، فإذا فاحت منها ريح التشفي والانتقام خرجت عن كونها عقوبة، وصارت أقرب إلى الثأر. وصارت حراماً.

الضابط الرابع: أن يكون المتعلم ممن يعقل التأديب:

وذلك لأن العقوبة شُرعت لغرض تهذيبي وتقويمي، فلا فائدة منها إذا كان المتعلم

لا يعي معناها ولا يفهم مغزاها.

وقد سئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم الصبيان، قال: إذا كان صغيراً لا يعقل فلا يضربه.

الضابط الخامس: تجنب الأماكن المؤذية والأعضاء الحساسة: كالرأس والوجه

والصدر ونحو ذلك، لأنه لا يأمن وقتها من إلحاق أذى غير مقصود بالمتعلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «إذا

ضرب أحدكم فليتق الوجه» [أبو داود].    

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة التعليم وللموضوع تتمة

إن شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم

 شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1409
تحميل ملفات
فيديو مصور