دار القرآن الأفريدونيـة
أولاً- الموقع العام:
تقع في دمشق القديمة خارج السور، في المنطقة العقارية باب الجابية، في بداية شارع آل البيت المؤدي للميدان، خارج باب الجابية على طريق قافلة الحج وعلى زاوية زقاق التوبة المؤدي إلى جامع حسّان، تجاه تربة مردم بك ودخلة شارع البدوي، شمالي دار القرآن الصابونية وقريباً من تربتي الأميرين سيف الدين بهادر آص وفرج بن منجك.
ثانياً- المنشئ وتاريخ الإنشاء:
مُشيّدة مملوكية أنشأها التاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي الذي كان من خيار التجّار وصلحائهم، مشهوراً ومشكور السيرة، توفي في رجب سنة 749هـ/1348م ودُفِنَ بمدرسته المذكورة التي جعلها داراً للقرآن العظيم، ووقف عليها الأوقاف الجيدة بالمرج وقرى زبدين وقينية وأرزة وسكاكة وعين ترما وكفر بطنا وكفرسوسيّا، وفي دمشق القديمة داخل السور وخارجه الحصص والبساتين والدور والقيسريات والاصطبلات. تُعرف بمسجد العجمي عند العامّة.
ثالثاً- الوصف المعماري:
مسقط المدرسة نموذج لمخطط المدارس ذات الإيوانات الأربعة المتصالبة التي انتشرت في دمشق. واجهتها الرئيسية عبارة عن جبهة حجرية شرقية ضخمة وبديعة، مبنية من الأحجار البلقاء. يتوضّع المدخل في الطرف الشمالي لهذه الواجهة في تجويف يدخل عن سمتها بعمق حوالي متر واحد، وبارتفاع يعلو عنها بشكل واضح. وينصّف هذا التجويف باب الدخول المؤطر بأحجار منحوتة متناوبة من النوع البازلتي الأسود والمزّي الضارب إلى الحمرة (أبلق) يعلوه ساكف حجري مزّي منقوش فيه كتابة مذكور تفاصيلها في كتاب "Arabische Inschriften Aus Syrien"، ثم يعلوه مدماك مزرّر يعلوه مدماك حجري عريض مزرّر آخر يمتد على كامل الواجهة ثم يعلوه لوحة مربعة زخرفية هندسية ونباتية معقود بطاسة مندّاة تستند على مقرنصات وحنايا بديعة أوسطها منقوش عليها اسم المهندس المنفذ "أحمد بن محمد" وتنتهي هذه الواجهة بإفريز (كورنيش) حجري يؤطرها كاملاً مع واجهة المدخل المرتفعة.
يتوضّع عن يمين المدخل تجويف شباك قاعة الضريح الذي يحتوي على شباك خشبي مستطيل ذي حماية معدنية أصلية يعلوه ساكف حجري مزّي طُمس نصٌ كتابته المحفور عليه والمتوقع أن يكون منقوشاً عليه اسم الواقف، ثم مدماك حجري مزرّر تعلوه قمرية مستديرة مزرّرة ذات كوة صغيرة يعلوها صدفة صغيرة زخرفية سباعية الحزوز تستند على مقرنصات جميلة تنتهي بإفريز حجري يتراكب فوقه جدار حجري محدث يُغطي رقبة القبة، وتستمر الواجهة شمالاً لتنتهي بشطفة يعلوها مقرنصات في أعلى زاويتها كما اعتماد المسلمون أن يفعلوا في عمائرهم المتوضّعة على زوايا الطرق وهو ظاهر في معظم المشيّدات المملوكية والعثمانية. ثم يتوضع عن يسار المدخل تجويف شباك حرم المدرسة بنفس مواصفات وتفاصيل مماثلة لتجويف شباك قاعة الضريح ولكن ببُعد أكبر عن بوابة الدخول بما يلغي التناظر المألوف في غالبية الترب المملوكية. وتستمر الواجهة جنوباً لتحوي قمرية مستديرة مزرّرة وشطفة بمقرنصات زاوية مماثلتين لقسمها الشمالي.
وأمّا الواجهة الجنوبية المطلّة على زقاق التوبة فهي مبنية من الحجر الكلسي الضارب إلى الصفرة حيث ينصّفها بروز كتلة المحراب الحجرية، ثم تنكسر لتشكل الواجهة الجنوبية لغرفة الإمام مع وجود شباك علوي لإنارتها.
باب الدخول خشبي مستحدث وذي ساكف حجري يعلوه عقد وتري داخلي كان يعلو الباب الخشبي الأثري سابقاً. يفضي هذا الباب إلى مربّع صغير بمثابة موزع مسقوف بقبوة حجرية صغيرة تستند على مثلثات كروية في الزوايا الأربع. ويُدخل عن يمين هذا المربّع عبر باب خشبي إلى قاعة الضريح الذي يؤطره مداميك حجرية من الأبلق ويعلوه ساكف حجري ضارب إلى الحمرة، ثم يعلو الساكف مدماك مزرّر ثم أربعة مداميك حجرية، ويُصعد من هذا الباب إلى منسوب أرضية قاعة الضريح المرتفعة التي يتوسطها قبر الواقف الحجري والمغطى بطبقة إسمنتية مستحدثة. واجهة القاعة الشرقية ينصّفها تجويف الشباك المطلّ على الشارع والذي ينتهي بعقد حجري دائري مدبب متناوب الألوان. وأما الواجهتان الشمالية والغربية فمتماثلتين وينصّفهما كتبية مستطيلة وهي مغطاة بطبقة من الطينة والكلسة البيضاء. وأما سقف قاعة الضريح فهو عبارة عن قبة نصف كروية تستند على رقبة مثمنة حجرية ذات أربع فتحات ذات عقد مدبب وأربع فتحات مصمتة، وهي تستند بدورها على مثلثات حجرية كروية ذات مقرنصات حجرية بديعة ترتكز على أربعة عقود حجرية مدببة متناوب ألوانها.
ويُدخل عن يسار هذا المربع أيضاً عبر فتحة ذات عقد حجري مدبب قليلاً إلى موزع مستطيل صغير مسقوف بقبوة حجرية متقاطعة يفتح عبر باب خشبي شرقي ذي عقد وتري إلى درج حجري يلتفّ ليؤدي إلى سطح المدرسة وهو مسقوف بعقود نصف دائرية تتدرج ارتفاعاتها بارتفاع الدرجات.
وأما المئذنة فإنها مبنية فوق سقف المدخل المقبب، وهي حديثة، مسقطها مربع وجدرانها مكسيّة بأحجار متناوبة (أبلق) ولعلها تكون قد غطّت الجدران الأثرية لجسم المئذنة، ثم تتحول إلى مسقط مثمن عبر مثلثات هرمية حجرية تستند على الزوايا الأربع، وترتفع الجدران قليلاً لتنتهي بإفريز حجري أبيض يعلوه مطاف المئذنة ذو المظلة والدرابزين المعدني ثم يستمر الجوسق المثمن والمدهون حديثاً باللون الأخضر وينتهي بهرم ثماني الأضلاع يعلوه الهلال المفتوح على الغرب.
ويواجه باب الدخول إلى المدرسة فتحة ذات ساكف حجري عقدي وتري تُفضي إلى الإيوان الشمالي لحرم المدرسة (المسجد) والمسقوف بسقف خشبي مستوٍ، جدرانه مُكلّسة وتحوي كتبية شمالية وفتحة غربية تؤدي إلى الموضأ ذي السقف الخشبي مع شباك شرقي علوي وإكسائه حديث، ثم يؤدي عبر باب شمالي إلى الدورات المستحدثة غربي قاعة الضريح، لها قفّاعة مستحدثة تحتوي على شبابيك علوية للإنارة والتهوية، وهي بمجملها مكسيّة بمواد حديثة.
مسقط حرم المدرسة (المسجد) متصالب وشبه متماثل، حيث يفتح الإيوان الشمالي على القاعة الوسطى عبر عقد حجري دائري مدبب واسع يستند على أكتاف مغطاة بالطينة، وهي مسقوفة بسقف جمالوني خشبي مرتفع عن باقي الأسقف مشكلاً شبابيك علوية شبه مربعة وهو محمول على جذوع خشبية دائرية كبيرة تستند على الجدارين الشرقي والغربي.
ويتقابل الإيوانان الشرقي والغربي اللذين يفتحان على القاعة الوسطية بعقدين حجريين دائريين مدببين يستندان على أنصاف تيجان حجرية مقرنصة جميلة. وينصّف الإيوان الشرقي نافذة مستطيلة يعلوها قمرية يفتحان على الشارع الرئيسي. وأما الإيوان الغربي فينصّفه كتبية تشابه الشباك الشرقي، وكلا الإيوانان مسقوفان بسقف خشبي.
وأما الإيوان الجنوبي، وهو أكبر الإيوانات فيشكل كتلة المحراب البديعة، وهو مفتوح على القاعة الوسطى عبر عقد حجري متناوب مرتفع، والمحراب عبارة عن حنية نصف دائرية تنتهي بنصف قبة كروية مدببة ذات أحجار منحوتة جميلة. يؤطر المحراب أفاريز حجرية متعددة الأشكال والزخارف والألوان تلتفّ على كامل المحراب ذي العمودين الرخاميين المضلّعين ذواتي تاجين منحوتين بزخارف نباتية مختلفة. يعلو المحراب لوحة حجرية زخرفية هندسية ونباتية متعددة الألوان، وقد دُهِنَ المحراب بكامله حديثاً بالدهان الشفاف مما أدى إلى تشويهه وطمس ألوانه الحقيقية. وتتوضع كتبيتان للمصاحف عن يمين ويسار هذا المحراب. سقف هذا الإيوان من الخشب وهو يرتفع عن منسوب باقي الإيوانات فيشكل فتحات علوية شبه مربعة.
ويتوضع في الزاوية الجنوبية الغربية للمدرسة غرفة الإمام ذات السقف الخشبي والتي تفتح عبر باب خشبي يعلوه شباك ذي عقد دائري، وتنحرف واجهتها الجنوبية بسبب انحراف الزقاق الجنوبي وهي تحتوي على شباك علوي ذي عقد وتري خفيف. ويماثل غرفة الإمام غرفة أخرى في الزاوية الجنوبية الشرقية بنفس المواصفات ولكنها تفتح على الشارع عبر قمرية علوية صغيرة.
وعموماً فإن جميع جدران المدرسة مغطاة بالطينة والدهان الأبيض مع استحداث وزرة رخامية سفلية.
وبالإجمال فإن المدرسة بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل شامل ليرجع إليها رونقها وجمالها.
رابعاً- أعمال الترميم التي جرت:
بالرجوع إلى المصادر والمراجع والمقارنة مع الواقع الحالي للمدرسة، يتبين أن المدرسة قد أصابها عوامل طبيعية مختلفة من زلازل ومياه أمطار وغيرها أثّرت عليها وأدّت إلى اختفاء عناصر معمارية هامة وحلّ محلها عناصر أخرى، كاستبدال قبة القاعة الوسطى بسقف جمالوني خشبي واختفاء البركة المربّعة تحتها والتي كان يجري الماء إليها من نهر القنوات كما ذكر طلس في ذيل كتاب ثمار المقاصد في ذكر المساجد. وكذلك بناء مئذنة حديثة فوق المدخل كانت قد اختفت سابقاً، وبناء قبّة جديدة فوق قاعة الضريح والجدران الحجرية الداعمة لرقبتها والظاهرة من الشارع الرئيسي، حيث ذكر فولتسينجر سنة 1343هـ/1924م أن المئذنة وقبّة الضريح كانتا موجودتين، وذكر الشهابي أنهما قد اختفيا بمعاينته الميدانية سنة 1416هـ/1995م. عدا عن رفع منسوب الشارع الرئيسي الذي أدى إلى طمس المداميك السفلية للواجهة الحجرية، وبالتالي استحداث أربع درجات للنزول إلى المنسوب الأساسي لبوابة الدخول.
وبالرجوع إلى مخطط ولتسينجر ومقارنته مع الوضع الراهن للمدرسة، تظهر التعديلات الجوهرية التي حصلت على بعض العناصر المعمارية، فالباب الداخلي الرئيسي المؤدي للقاعة الوسطى قد أُغلق بكتبية وفُتح بمواجهة الباب الخارجي الرئيسي ليُفضي إلى الإيوان الشمالي! وكذلك فقد أُغلق الباب الغربي المفتوح من القاعة الوسطى على الميضأة وفُتح باب غيره من الإيوان الشمالي! وكذلك اختفت الغرفة المقببة المتصلة بالإيوان الشمالي عبر فتحة تحوّلت إلى كتبية، وانضمّت هذه الغرفة إلى الفراغ في الزاوية الشمالية الغربية لتُشكل الدورات الحالية المستحدث. وأما العنصر الهام المستحدث فهي تغطية الصحن المكشوف بسقف جمالوني خشبي وإزالة البركة من تحته.
مراجع للاستزادة:
- عبد الباسط العلموي، مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى أحوال دور القرآن والحديث والمدارس، تحقيق صلاح الدين المنجد، مديرية الآثار القديمة العامة، مطبعة الترقي، دمشق 1366هـ/1947م.
- عبد القادر النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس جزء 2، تحقيق جعفر الحسني، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، مطبعة الترقي 1367هـ/1948م.
- عبد القادر بدران، منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، منشورات المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، دمشق 1379هـ/1960م.
- يوسف بن عبد الهادي، ثمار المقاصد في ذكر المساجد، الذيل لأسعد طلس، المعهد الإفرنسي بدمشق، مكتبة لبنان، بيروت 1395هـ/1975م.
- ولتسينجر وواتسينجر، الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، تعريب قاسم طوير، طبعة برلين 1343هـ/1924م، الطبعة المعرّبة مطبعة سورية، دمشق 1405هـ/1984م.
- جان سوفاجيه، الآثار التاريخية في دمشق، تعريب أكرم العلبي، دار الطباع، دمشق 1412هـ/1991م.
- أكرم العلبي، خطط دمشق، دار الطباع، دمشق 1410هـ/1989م.
- قتيبة الشهابي، مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1416هـ/1995م.
- قتيبة الشهابي، النقوش الكتابية في أوابد دمشق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1418هـ/1997م. |
||||||||
|