خطب مدير الأوقاف

فضائل رمضان (( صفّدت الشياطين ))

الشيخ أحمد سامر القباني


فضائل رمضان (( صفّدت الشياطين ))

بتاريخ: 14 من رمضان 1438 هـ - 09 من حزيران 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: كنا نتكلم في الخطب الماضية عن الأحاديث الواردة في شهر رمضان المبارك، في فضيلته وثوابه، والطاعات التي فيه، وبرنامجه اليومي، وكان مِن ضمن الأحاديث الدالة على فضل شهر رمضان المبارك حديث البخاري ومسلم، وكلكم يحفظه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وأُغلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين))، من الأصفاد، الأصفاد: الأكبال، القيود، الجنزير الذي يضعونه في اليدين لكي يُقيدوا فيه الإنسان، ((صُفِّدَت -كبلت- الشياطين))، فقال أحد الإخوة: حدثتُ أصدقائي في الجامعة بذلك كما حدثتنا أنَّه يَجب أن نَستثمر شهر رمضان المبارك، وأن يكون ليس فقط هذا الشهر شهر عبادة بدنية، لا أن يكون فقط امتناعاً عن الطعام والشراب، ولا أن يكون فقط قياماً لليل وإرهاقاً لأرجلنا بالوقوف وراء الإمام لصلاة قيام رمضان بجزء كامل، بل أن يكون رمضان نقطة تحول، لأن رمضان مدرسة إيمانية، يجب أن يكون نقطة تحول للإنسان المؤمن، فالأخلاق ومرتبتها في ديننا مرتبة عظيمة، كما رأينا في خطبة سابقة، ويجب على الإنسان أن يُحاول أن يغير نفسه في رمضان، ومن قال: لا أستطيع التغيير، فكلامه غير صحيح، لا أستطيع أن أتغير، هذا الكلام كلام باطل، رأينا ذلك من خلال حديثين للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

الحديث الأول: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم))، يتعلم الإنسان الحلم رويداً رويداً، والعلم يتعلم قليلاً قليلاً بالاكتساب، ((ومن يتوخ الخير -من يتتبع الخير- يُعطه)) أي أن تتتبع مواضع الخير سوف تعطى هذا الخير ((ومَن يتوق الشر يُوقه)).

الحديث الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّن خلقه))، ليس لمن حَسُن خلقه ((لمن حَسَّنَ))، فالإنسان المؤمن يَستطيع أن يُحسن أخلاقه.

كان يُحدثه بهذا الحديث ((صُفِّدَت الشياطين))، وما قلناه أن الإنسان يَجتمع عليه عَدوان:

العدو الأول: نفسه الأمارة بالسوء، الوارد ذكرها في القرآن )وَما أُبَرِّئُ نَفسي إِنَّ النَّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ( [يوسف: 53].

العدو الثاني: الشيطان، أيضاً الوارد في القرآن في آيات كثيرة.

فقال له أحد أصدقائه مِن المؤمنين: "كفى سخافات"، هي كلمة يُلقيها ربما لا يَدري ما وراءها، قال له: ماذا تقصد بالسخافات، قال له: ليس هُناك إبليس وليس هناك شيء، الإنسان نفسه إما أن يكون شيطاني أو يكون رحماني، يتكلم هذا الكلام بشكل جَدِّي، قال له: يعني هل تمزح؟ هل قصدك أن الإنسان عندما يأتي إبليس يُوسوس له فيُصبح إبليس؟ ولما يكون عقل الرحمن فيه يكون رحماني؟ قال له: لا ليس هناك إبليس ولا شيطان، ما هذه الخرافة؟ كَبِّروا عقولكم.

هذا الكلام عندما يأتي مِن إنسان مُسلم مؤمن كلام خطير، لأنه يناقض نص القرآن الكريم، كم وكم نقرأ في القرآن الكريم عن هذا الشيطان وعن قصته مع سيدنا آدم مع أبينا آدم عليه السلام؟ كم وكم؟ فإذا قال الإنسان المؤمن كفى خرافات ليس هناك إبليس ولا شيطان ولا شيء من هذا، الكلام هذا كلام خطير من ناحية العقيدة، ثم هذا الإنسان ألا يشعر بأن هناك حظاً ونصيباً للشيطان في حياته اليومية عندما يُوسوس له؟!.

أيها الإخوة الكرام: اللهُ عز وجل خلق هذا الكون، خلق هذا الوجود كله، هو يقول سبحانه وتعالى خلق هذا الكون من أجلنا، من أجلنا نحن: مجرات، شموس، أكوان، أرض، جبال، أنهار، مياه، نِعَمُ ربي، يقول: إنه خلق ذلك من أجلنا نحن بني آدم، قال سبحانه وتعالى في سورة النازعات: )أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ( [27]، يا بني آدم يَا مَن تُنكرون وجود الله، لا يوجد إله، لا إله والحياة مادة، (1 + 1 = 2)، )أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ(، عندما يُنكرون أنهم سوف يُبعثون مرة ثانية يوم القيامة للحساب ما الجواب؟ نحن خَلقنا أعقد وأصعب أم خلق السماء؟ نقرأ ذلك في سورة أخرى في قوله تعالى: )لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ  مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( [غافر: 57]، يَحسبون أنهم هم مُعقدون، )لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ  مِنْ خَلْقِ النَّاسِ -في سورة غافر- وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(، إذاً الجواب: )أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ(، الجواب: السماء، قال سبحانه وتعالى: )بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ([النازعات: 27-33]، إذا جِئنا إلى إعراب كلمة "متاعاً" في اللغة العربية لَوجدتها مفعول لأجله، قُمتُ إكراماً لك، إكراماً مفعول لأجله، متاعاً مفعول لأجله، هَكذا يقول النحاة بالإجماع، كُلُّ هذا لأجلك، )مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُم(، ثم بعد ذلك خلق الله عز وجل سيدنا آدم، وأمر الملائكة بالسجود له، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، )فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ لَم يَكُن مِنَ السّاجِدينَ * قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ( [الأعراف: 11-12]، طبعاً آيات كثيرة متشابهة تتحدث عن قصة إبليس مع سيدنا آدم، ها هنا بدأ العِداء، لم يَسجد، قال الله عز وجل في سورة الأعراف: )وَلَقَد خَلَقناكُم ثُمَّ صَوَّرناكُم ثُمَّ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ لَم يَكُن مِنَ السّاجِدينَ * قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ * قالَ فَاهبِط مِنها -هنا بدأ العداء- فَاهبِط مِنها فَما يَكونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فيها فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرينَ * قالَ أَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ * قالَ فَبِما أَغوَيتَني -أولاً يُريد أن يأخذ وعداً من الله أنه سوف يُنظره- قالَ فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ( [11-16]، قال له: سأقعد على هذا الصراط كل إنسان مِن هؤلاء الناس سأغويه، إلا العباد الخُلص الكُمل، الأنبياء والرسل ومَن حَذَى حَذوهم، نعم ورد ذلك في آية أخرى: )إِلّا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخلَصينَ( ]الحجر: 40[، )قالَ فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ * قالَ اخرُج مِنها مَذءومًا مَدحورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهُم لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعينَ( [الأعراف: 16-18]، قِصة واضحة تقول لك: إبليس موجود، وهو عدو، الدليل إبليس لم يتوقف، نُكمل القصة، ثم بعد ذلك خلق الله أبانا آدم وأمنا حواء، فدخلا الجنة بفضل الله، وقال لهما ربنا عز وجل: )وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ(، انظر إلى هذه الجنة كلها فيها ملايين الأشجار وملايين الأنواع من الثمار، تمتعوا فيها، )وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ * فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ -انظر إلى الآية- فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما -لم يكن هناك عورة لا لآدم ولا لحواء- وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ( [الأعراف: 19-20]، انظروا إلى الوسوسة، هل ترون هذه الشجرة؟ هل تَعلمون لماذا لا يُريد الله أن تأكلوا منها؟ لماذا؟ انظر إلى طبيعة بني آدم، كم هو طماع، قال: لأنكما إذا أكلتما ستصبحا ملكين، أو ستكونان من الخالدين، لن تموتا، قال ربنا عز وجل: )فَدَلّاهُما بِغُرورٍ -حتى أصاب الغرور كلا منهما- فَدَلّاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما(، )وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ(، لاحظ كلمة: )عَدُوٌّ مُبينٌ(، )قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ * قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ(، لاحظ عدو، هناك عداوة بيننا وبين الشيطان، بعض الناس ينسون هذه العداوة، أين ينسونها؟ عندما يأمرهم الشيطان أو يوسوس لهم الشيطان بمخالفة شرعية وبمعصية، ربما تكون هذه المعصية من الكبائر أو من الصغائر، ما الذي يحصل؟ يقف الإنسان أمام اختبار حقيقي، إما أن يفعل هذه المعصية والمخالفة، فيُغضب ربه ويُدخل على نفسه الشقاء بسببها، لأن الإنسان تَنزل عليه المصائب بما كسبت يداه، وإما أن يُطيع ربه وأن يَعصي الشيطان، هذا مُفترق طرق، هُنا يَنسى الإنسان المعادلة، لذلك أردت التركيز، نحن في شهر رمضان المبارك الذي قلنا هو شهر التبدل والتغير في حياة الإنسان، وقد أعاننا الله عز وجل فيه، أعاننا فيه بأن صُفدت الشياطين لتبقى أمامنا النفس الأمارة بالسوء، لنستطيع التفاهم مع ذاتنا مِن أجل أن يكون الواحد منا إنساناً صالحاً، يَبدأ حياة جديدة اعتباراً من بداية شهر رمضان المبارك، هُنا يَقف عند مُفترق طرق، لكن يَنسى الشيطان، أكيد، لماذا ينسى الشيطان؟ لأنه لا يوجد إلا شيئين في القرآن، )أُولَـئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ( ]المجادلة: 19[، )أُولَـئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ]المجادلة: 22[، اقرؤوا القرآن، لا يوجد إلا طريقين في الدنيا: إما أن تكون من أتباع الرحمن، وسماها ربنا حزب الله، يعني مِن الذين يلتزمون بأوامر الله، أو مِن حزب الشيطان الذين يأتمرون أو يستجيبون لوساوس الشيطان، فأنت عند مفترق طرق في هذه الحياة، عندما تَأمُرُكَ نفسك بمعصية تنسى أن الشيطان عدو لك، الدليل أنك تَنسى، وأنك لا تحسب هذا الحساب، لو أن إنساناً وهو عدو لك ومُتربص بك وعدة مرات هددك، قال: إذا رأيتك سأقتلك، إذا رأيتك سأفعل كذا وكذا، هذا الإنسان الذي يُهددك سؤال: إذا دعاك تذهب إليه؟ ما تذهب إليه، تحسب كل الحسابات لأنه عدو، إذا لاطفك ببضع كلمات تُصدقه؟ لا تصدقه لأنه هو متوعدك، أبداً، وكذلك الشيطان، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ( ]البقرة: 168[، عدو، لذلك ينسى الإنسان في هذه اللحظة.

ما أريده أن تتذكر عند فعل المخالفة الشرعية أن هناك عدواً مُتربصاً بك هو الشيطان، يريدك أن تكون مِن جماعته، وأنت يَجب عليك في هذه اللحظة أن تُقرر، أنت مِن أهل الله، أنت من جماعة الرحمن الرحيم، أنت من جماعة الطاعات، لست مِن جماعة المعاصي، أنت من الذين يريدون أن يفوزوا بتقوى الله وطاعة الله، وليس بالشقاء بالاستجابة لعدوك، ثم المشكلة أن الإنسان يعلم أن هذه المعصية ستدوم لحظات، ستدوم دقائق، ستدوم ساعات، ثم يذهب أو تذهب لذتها ويذهب متاعها، وتبقى يبقى إثمها يلاحقك طيلة عمرك، فلماذا هذا الإنسان يُعرض عن الرحمن ويستجيب للشيطان؟ مع أن الرحمن يريد له الجنة والنعيم، ويريد له الفوز في الدنيا، والشيطان يُريد له الشقاء في الدنيا، ويريد له الجحيم والنار يوم القيامة، لماذا؟ مفارقة عجيبة.

أيها الإخوة الكرام: الحديث يطول، لكن حديثان اثنان أقرؤهما لحضراتكم، لندرك مِن خلالهما كيف أن الشياطين تُصفد في شهر رمضان، الآن كل الشباب وكل الرجال وكل النساء وكل الناس يُصلون الفجر، وكثير مِنهم يُصلون الفجر في جماعة، لماذا خارج رمضان لا تصلي الفجر؟ سؤال: لماذا لا تصلي الفجر خارج شهر رمضان؟ استمع إلى حديث حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث أخرجه البخاري، وراويه سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه- يقول عليه الصلاة والسلام: ((يَعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم -يعقد على ناصية أحدكم ثلاثاً- إذا هو نام ثلاث عُقد، يضرب كل عقدة مكانها -يقول عند كل عقدة- عليك ليل طويل فارقد، عليك ليل طويل فارقد، عليك ليل طويل فارقد)) هذا الشيطان الذي يُنكر بعض الشباب وجوده قال له: كفى سخافة يا رجل، ليس هناك شيطان ولا شيء، هذا الكلام خطير، ثم هذا الشيطان عدو، يَجب أن تعرف كيف تحاربه وكيف تتجنبه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((فإن استيقظ -الإنسان المؤمن- فذكر الله انحلت عقدة -هم ثلاث عقد- يقول عليه الصلاة والسلام: فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها)) ثلاثة أشياء انحلت عقده كلها في الصلاة، قال: ((فأصبح نشيطاً طيب النفس)) لما الإنسان يُصلي الفجر يقول عليه الصلاة والسلام: ((أصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا -إذا لم يصلِّ الفجر ولم يستجب لداعي الرحمن، وإنما بقي على عقد الشيطان- وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))، فالإنسان الذي لا يُصلي الفجر خبيث النفس كسلان.

طيب سؤال: لماذا نصلي الفجر كلنا في رمضان، هذا دليل على أنَّه تُصفد الشياطين.

وأخرج البخاري عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما قال: ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: ((بال الشيطان في أذنه))، طيب الآن كلنا نقوم إلى صلاة الفجر.

أيها الإخوة الكرام: الحديث له تتمة، والوقت أدركنا، والخلاصة: أنك في هذه الحياة يجب أن تقرر أنت مع مَن؟ إذا كان الله عز وجل قد أكرمنا بكل هذه النعم التي نراها، وخلق كل هذا الخلق مِن أجلنا بنص القرآن الكريم، أفلا يحتاج هذا الصانع العظيم تبارك وتعالى إلى شكرنا وإلى حمدنا وإلى التزامنا بطاعته؟ )وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها( ]إبراهيم: 34[، )وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ( ]النحل: 53[، عجيب ربي، يُعطينا النعم ونعصيه، والشيطان لم يُعطنا شيئاً نستجيب له، هذا إنسان عنده مبدأ وقيم، هذا واحد يُحسن إليك تُسيء له، الذي لم يعطك شيء تركض وراءه، ما هذه المخالفات والمفارقات؟ عجيب، أنت مدعو إلى إعادة حساباتك، ومعرفة صديقك من عدوك، وأنت الآن في رمضان في فرصة ملائمة تماماً لتتخذ قرارات جريئة، بأن تلتزم باب الله عز وجل، وأن تكون مع الرحمن، وأن تعادي حقيقة الشيطان.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=381&id=4425