خطب مدير الأوقاف

المسارعة إلى الخير في رمضان

الشيخ أحمد سامر القباني


المسارعة إلى الخير في رمضان

بتاريخ: 7 من رمضان 1438 هـ - 2 من حزيران 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: تقبل الله طاعتكم، وغفر الله لنا ولكم, أحياكم الله لأمثال أمثاله, وجعلنا وإياكم من عتقائه.

الحمد لله, يا ربنا لك الحمد أن بلغتنا رمضان، فأعنا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران. قولوا: آمين.

أيها الإخوة المؤمنون: يقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضان بركة يغشاكم الله فيه، فينزل رحمته ويحط الخطايا -يمسح الذنوب والخطايا، وينزل رحمته- ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً -أروا الله خيراً من أنفسكم- فإن الشقي من حُرم رحمة الله فيه)) أي الشقي مَن حُرم رحمة الله عز وجل في شهر رمضان.

علمنا أشياخنا رحمهم الله أن الله سبحانه وتعالى عندما كان يُوجه إلى صنوف الخير والعبادات والمبرات والطاعات كانت تأتي الألفاظ في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة بألفاظ المسابقة والمسارعة والمنافسة والمبادرة، وكلها تدل على التَّسابق إلى فعل الخير، ولكن عندما تُذكر أمور الدنيا المال وما شابه ذلك كانت تأتي الألفاظ: )سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا( ]النمل: 69[, )فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا (أو وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، )هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا( ]الملك: 15[، ليس )سَارِعُوا(، وليس )سَابِقُوا(، وليس )بَادِرُوا(، وليس )وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون(، أبداً، )فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ(، الموضوع موضوع رزق؟ إذاً )امْشُوا(، خير؟ هل يصلح )امشوا(؟ لا، )سابقوا(.

يقول رب العزة والجلال في محكم التنزيل في سورة آل عمران: )وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( ]133[, وسارعوا.

لمحتان اثنتان وكتاب الله عز وجل لا تنفذ عجائبه، ولا يقلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائب القرآن ومعانيه، ولكن أقف عند ملمحين جميلين في هذه الآيات:

وسارعوا ليس امشوا، )وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(، سؤال: ماذا سماهم؟ المتقين، )أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(، ما هو أول وصف من أوصاف المتقين؟ )الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ( ]آل عمران: 133[، هذا الملمح الأول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((والصدقة برهان))، برهان، ماذا يعني برهان، ((والصلاة نور والصدقة برهان))، برهان على ماذا؟ قال: على الإيمان، لأن الإيمان بلا إنفاق نفاق، أنا أحب الله ورسوله، ما شاء الله، لكن بدون مال، هذا المال يعادل الروح، هذا الكلام غير وارد في الإسلام، ((الصدقة برهان))، برهان على الإيمان، إما أن تكون صادقاً في إيمانك أو غير صادق، صادق في إيمانك أنفق، أول وصف للمتقين: )الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ(، يأتي شخص قال له: الله يسامحك، قال: هؤلاء سماهم ربنا المتقين، سيدخلون الجنة وثوابهم مغفرة، )وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ(، أريد مِن فلان نقود وأعلم أنه معسر، الله يسامحك، فلان تَكلم في حقي، ووصلني هذا الكلام، قلت: سامحه الله، عفوت عنه، سامحته، بلغوه أني سامحته، يا سلام، أخلاق الإسلام، هؤلاء -لاحظ- سماهم ربي المتقين، أول وصف الإنفاق، فالإيمان بلا إنفاق نفاق، )وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين(، لا تنتهِ أوصافهم بعد: )وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً( ]135[، الله أكبر، كيف يكونوا متقين ثم يقول: فعلوا فاحشة؟ هذا الملح الثاني: )وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ(، وما زال العطف يعمل: )وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ(، فاحشة كبيرة، أو ظلموا أنفسهم صغيرة، )ذَكَرُوا اللَّـه(، تذكروا الله )ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ(، لذلك ذَهب بعض الفقهاء أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والصلاة إلى الصلاة، مكفرات لما بينهن من الذنوب إذا اجتنبت الكبائر))، إذا اجتنبت الكبائر، أما إذا كان هناك كبائر، الكبائر لا تغفر من رمضان إلى رمضان، ولا من الجمعة إلى الجمعة، ولا مِن الصلاة إلى الصلاة، والحديث وارد في عدة روايات، قال: هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ -بعضها ولا ماذا؟- جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( ]الزمر: 53[، قال: التوبة تَغفر الكبائر أيضاً إذا كانت توبة نصوحاً، واستدلوا بعدة آيات من ضمنها هذه الآيات، أنه لا يكفي: )ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا(، هذا شرط، لا يوجد إصرار، فعلنا الذنب، تُبنا ورجعنا، فعلنا الذنب، تبنا ورجعنا، يا شيخنا، والله يتوب ثم يعود، يعني ابن آدم نفسه ضعيفة، )وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا( ]النساء: 28[، قال: الكبائر إذا تاب منها لا عودة، وأما صغائر الذنوب يعزم ألا يعود، ويضع في ذهنه أنه لن يعود أبداً عندما يَتوب، لكن إذا ضعفت نفسه فعاد فيكون ذلك أمراً لم تُحدثه به نفسه، أنه يقول: أنا تبت إلى الله توبة نصوحاً وانتهى كل شيء، لكن في المستقبل ضَعفت نفسي، قال: ذاك أمر آخر، لأنك لم تضع في الحسبان أنك ستعصي الله في المستقبل، )وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(، قال: )أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ( ]136[، متقين وفعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم؟! نعم، هذا هو ديننا العظيم، مُتقين، لأن الإنسان إذا تاب وأناب إلى الله -وهذه مِن خصائص هذه الأمة- إذا تاب وأناب إلى الله عز وجل فإن الله عز وجل يَقبل توبته، وإذا قَبِلَ الله توبته فإنه لا يحاسبه ولا يعذبه على ذنب اقترفه إن كانت توبته توبة نصوحاً، والشاهد في الأمر: )وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ(.

الآية الأخرى: )سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ( ]الحديد: 21[.

الآية الثانية: )سَابِقُوا(.

نرى في القرآن: )وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ( ]المطففين: 26[، مُنافسة، مُسابقة، مُسارعة.

رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكلكم يحفظ هذا الحديث-: ((بادروا بالأعمال الصالحة))، والرواية الأخرى: ((بادروا بالأعمال سبعاً))، ((بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً, ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً))، ((بادروا))، )سَارِعُوا(، )سَابِقُوا(، (نافسوا)، لاحظ الألفاظ في القرآن وفي السنة عندما يكون الأمر متعلقاً بالخير وبالآخرة، ولما يكون الأمر مِن أمور الدنيا )امْشُوا( )سِيرُوا(، لا مشكلة، أما سَابقوا لا تصلح هنا، لذلك قال الله عز وجل: )وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ( ]القصص: 77]، ودَرَّسَنَا علماؤنا أن "ما" من صيغ العموم، )ابتغ( أي اطلب، )فيما( في الذي، )فيما آتاك الله( ما آتاك الله، يعني كل شيء آتاك الله، هذا معنى أنه "ما" من صيغ العموم، أيها الإنسان، كل شيء أعطاك الله إياه من النعم، )ابتغ( أي اطلب به الدار الآخرة، كل شيء، فخاف الله عز وجل أن ينساق الناس إلى الآخرة، ويهملوا أمور دنياهم، فجاء بعدها مباشرة: )وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا(، إياك أن تنسى نصيبك من الدنيا، هنا نصيبك صغيرة، )نصيبك( هناك، "ما" الدار الآخرة، "ما" كل شيء، أما الدنيا، نصيبك، يعني نصيبك الصغير، )وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ  اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( ]القصص: 77].

رجل هام بامرأة وأحبها أحبها حباً جماً، وأراد أن يتزوجها لكنها رفضت مراراً، الرجل اسمه أبو طلحة، رجل من الأنصار، لكنه كان كافراً يعبد الأصنام، ورسول الله في المدينة معه المهاجرون ومعه الأنصار، وهذه امرأة مُسلمة، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج إنساناً كافراً، عرض عليها الزواج مراراً، وهذه الصحابية الجليلة اسمها الرميصاء بنت ملحان، لعلكم سمعتم بها، وتكنى بأم سليم، وأختها أم حرام هي خالة النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وقيل: لا هي خالته لجده، لأنها من أخواله من بني النجار، فهذه المرأة هي أم سيدنا أنس بن مالك، الرميصاء بنت ملحان أم سليم أمه سيدنا أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، مات زوجها وكانت جميلة، وكانت ذات حكمة بالغة ورجاحة عقل، مُحبة لله ورسوله، أم سليم الرميصاء امرأة ليست كالنساء، فكان يَهيم بها سيدنا أبو طلحة، ويَعرض عليها الزواج عدة مرات وهي ترفض، تقول له: أنت امرؤ كافر وأنا مسلمة، أعتذر. قال: فعرض عليها مالاً كثيراً، لو أعطيتك ألف دينار، وكان من أغنياء المدينة، كان من ضمن أمواله بستان واحد اسمه البيرحاء في قبلي المسجد النبوي، كما قال أهل السير، فيه قيل: مئات النخيل، وقيل: آلاف النخيل، هذا واحد من أموال سيدنا أبي طلحة، أنت امرؤ كافر تعبد الأصنام، يعني أنت مجنون بعبارة أخرى، لأن الكافر أنا أعتبره مجنون، الذي يجحد وجود الله هذا إنسان مجنون، يعبد الأصنام مجنون، فقالت: إن أسلمتَ فذاك مهري، فما زال بها فرفضت حتى أسلم، وكانت تحبه وتريده، فكانت الأنصار في المدينة تقول: أكرم الناس مهراً أم سليم، كان مهرها الإسلام، في أجمل وأذكى وأحكم من هذا؟ فقالت: تزوجت بأبي طلحة، وكان من كبار الأغنياء، فنزل قول الله تعالى: )لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ( ]آل عمران: 92[، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، لقد نزل قوله تعالى: )لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ(، ليس الشيء البالي لا قيمة له ننفقه، )مِمَّا تُحِبُّونَ(، )لَن تَنَالُوا الْبِرَّ(، لن تنالوا الإيمان الكامل والبر الكامل والرضا الكامل من الله حتى تنفقوا مما تحبون، هناك رضا غير كامل )حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ(، يا رسول الله، إني أُشهدك أن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإني جعلتها لله ورسوله، التي فيها مئات النخيل وآلاف النخيل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدخل إلى بستان أبي طلحة، ويمر فيه فيشرب من ماء طيب عذب، كان يُحب الرسول هذا البستان، ويُحب نخله ويحب ماءه، بستان كبير، جنة على الأرض، قال: هو لله ورسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَخِ بَخِ، هذا مال رابح، هذا مال رابح، ولكن أرى أن تجعلها في الأقربين)) قال له: الأفضل أن توزعها على أرحامك، يقول راوي الحديث: فجعلها أبو طلحة في الأقربين، كلها لله ورسوله، انظر إلى الصحابة، تَنَافَسٌ في الخير، آية نزلت تَخلى عن أجمل عقار عنده على وجه الأرض، هو أجمل عقار عنده، قال: لله ورسوله، مُنافسة، مَضَتِ الأيام، فأصبح سيدنا أبو طلحة من فقراء الأنصار، لكنَّ وعدَ اللهِ حق، )مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( ]البقرة: 245[، وربي يقول سبحانه وتعالى: )وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ( ]سبأ: 39[, وربي سبحانه وتعالى يقول: )مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ -الحسنة بـ 700- وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ –صارت الحسنة 7000 / 7 ملايين / 7 مليارات كرم الله واسع- وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ( ]البقرة: 261[، لكن أحوالٌ تَعتري الإنسان، الآن غني غداً فقير، ما دام يتعامل مع الله فلا يخاف الإنسان المؤمن، لما تتعامل مع ابن آدم خَفْ مِنه، لأن ابن آدم لئيم، أما ربنا سبحانه وتعالى فهو كريم، فَمَضت الأيام، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف من خارج المدينة، ورسول الله أرسل إلى زوجاته، فلم يجد عندهن شيئاً: يا رسول الله ما عندنا إلا الماء، يُرسل إلى سودة: ما عندنا إلا الماء، يرسل إلى زينب: ما عندنا إلا الماء، إلى عائشة: ما عندنا إلا الماء، سيدنا الرسول ما عنده شيء في بيته، فالتفت إلى أصحابه ومعهم أبو طلحة، هذا الرجل الذي أسلم مِن أجل أم سليم، قال لهم رسول الله للصحابة في المسجد: مَن يُضيف هذا الليلة يرحمه الله، فقال: أنا، فوراً، سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يَرحمه الله، يَدعو له بالرحمة، مَن يضيف هذه الليلة يرحمه الله، أنا، فوراً، أنا يا رسول الله، أخذه، وأصبح فقيراً من فقراء الأنصار، أنفق ماله كله لله، فأخذه إلى المنزل، رضى الله عن الصحابة، يا إخواننا أقسم بالله لما نَسمع ونقرأ هذه القصص نَظن أننا نقرأ قصص مِن الخيال، لكنها والله كانت واقعاً، لذلك وصل الإسلام إلينا، هل تعتقدون بأن هذه البلاد كانت بلاد إسلام، ما كانت بلاد إسلام، كيف وصل الإسلام إلى الصين وإلى إندونيسيا وماليزيا؟ بأخلاقنا اليوم؟ بتعاملنا مع بعضنا اليوم؟ بصلتنا بالله اليوم؟ لا والله، تقرأ القصص كأنها من الخيال، وفعلاً كانت واقعاً ملموساً يطبقونه في حياتهم اليومية، دخل، يا أم سليم ما عندنا؟ قالت: والله ما عندي إلا طعام الصبية، فقال: مَعي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عَلِّلِيهِم حتى يناموا يا أم سليم، قالت: أبشر، فذهبت وعللتهم، فنام الأولاد، فنظر إلى الطعام فوجده قليلاً، الضيف جاء من الصحراء ومشى مسافات طويلة، وقد أصابه الجوع، يأكل هذا الطعام، لا يكفي إلا للضيف، وعندهم لا يجوز أن يأكل الإنسان وحده والضيف وحده، يظن أن الطعام فيه سم، فلذلك يجب أن تأكل معه، هذه عادات العرب، ثم يَعُدها نوعاً من المآنسة، الذي يأكل وحده غير متآنس، هذا إنسان عنده مشكلة الإنسان، الاجتماعي يحب أن يأكل مع الناس، فقال: يا أم سليم، لا يكفي الطعام إلا لضيفنا، إذا وَضعتِ الطعام قومي إلى المصباح فتظاهري أنك تُصلحينه فأطفئيه، ونتظاهر بأننا نأكل معه وهو لا يرانا، فيأكل ضَيفنا ويَشبع، قال: ففعلت كما قال أبو طلحة، قامت إلى المصباح فتظاهرت أنها تُصلحه، فأطفأته، فتظاهر هو أبو طلحة وأم سليم تظاهرا أنهما يأكلان، فأكل الضيف الطعام كله، قال: ثم غدا مع ضيفه على صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك رسول الله، أخبره جبريل بالقصة، قال: لقد ضحك الله مِن صنعكما بضيفكما الليلة، الله أكبر، أي رَضِيَ الله عن صنعكما، هكذا قال علماؤنا، لقد ضحك الله من صنيعكما بضيفكما الليلة، فباتا طاويين، ورسول الله يضحك، وجبريل يضحك، ورب العزة يضحك، لكن اللهَ لا يُخلف وعده، لم يمت أبو طلحة إلا وله -كما يقول سفيان- تَسعاً مِن الولد كلهم يحفظ القرآن، وأصبح مِن أكثر الناس أموالاً، طبعاً لا يُخلف الله الميعاد، تتعامل مع الله وليس مع عبد الله، هكذا تَعلمنا في مدرسة الإسلام، أن الإنسان عندما يَعمل للخير والبِرَّ ويُنفق في وجوه الخيرات والمبرات يُبادر ويُسارع ويسابق وينافس، وعندما تكون الأمور للدنيا فإننا نمشي الهوينة على مَهلنا.

الله عز وجل أكرمنا أيما إكرام -أيها الإخوة- وبلغنا رمضان، فَلْنُرِ اللهَ عز وجل مِن أنفسنا خيراً، أصبحنا اليوم نقول للناس: "ولا تنسوا نصيبكم من الآخرة"، والآية تقول: )وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا( ]القصص: 77[ ، لكثرة تعلقنا بالدنيا.

أحد الأشخاص رَوَى لي أن هناك زكاة بمَبلغ كبير جداً على والده كل سنة، مئات الملايين زكاة، قال: فكان يقول لأولاده: اربطوني وأخرجوا الزكاة، لا يَستطيع، أو قال: لا تُخبروني عندما تخرجون الزكاة، لا تخبروني عندما تُريدون إخراج الزكاة، اذهبوا وأنفقوا دون أن تخبروني، لذلك الإنسان المؤمن ماله رخيص عليه في سبيل الله عز وجل، كل شيء يهون ونحن في شهر الخير والمبرات، واعتاد أهل الشام أن يُخرجوا زكاة أموالهم في رمضان، وهذا ذكاء أولاً، هو شهر الكرم والجود ثانياً، قرأتُ لكم في الخطبة الماضية حديث سيدنا سلمان الفارسي عند ابن خزيمة، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أدى فيه -في رمضان- خصلة من الخير -من النوافل- كان كن أدى فريضة فيما سواه, ومن أدى فريضة فيه -في رمضان- كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)).

أسأل الله العظيم أن يُلهمنا وإياكم فعل الخيرات وفعل الطاعات وترك المنكرات وحب الأيتام والمساكين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=381&id=4416