الخطابة الدينية » منابر دمشق

الـــــعـــفــــة

الدكتور محمد خير الشعال


الـــــعـــفــــة


-
من عاداتنا: أن يقف الطارق على يمين الباب أو على شماله، حتى لا تدخل عينه إلى الدار إذا فُتِحَ الباب فجأة، فيشاهد عورات أهل البيت، إنها العفة
-
من عاداتنا: أنه إذا أراد رجل أن يدخل الدار رفع صوته، حتى ينبِّه أهل البيت لدخوله، فيأخذوا حذرهم، إنها العفة.
-
يتحرج من تناول الطعام في الطرقات، يخشى أن يراه من يشتهي مثل هذا الطعام ولا يستطيع أن يشتريه. فهو يأكل ما يشاء في بيته أو في مكان مغلق احترماً للمارة في الطرقات، إنها العفة.
-
من عاداتنا: حياء فقيرنا من طلب المساعدة، وترفُّعه عن بذل ماء وجهه، فماء الحياء عنده أغلى من ماء الحياة، إنها العفة. 
-
من عاداتنا: أن نعلِّم الطفل بأفعالنا أن يشيح بنظره إذا رأى مشهداً فيه كشف عورات أو إيحاءاتٌ غير لائقة في التلفاز أو الشارع، إنها العفة.
-
من عاداتنا: ألا تُتْرَك الفتاة لتنام في بيت عمومتها أو أخوالها إذا كان من أبنائهم الذكور من هو موجود داخل البيت، إنها العفة.
-
من عاداتنا: ألا تبقى الفتاة خارج المنزل لساعة متأخرة من الليل، فالفتيات يرجعْنَ إلى البيوت باكراً احتراماً ورعاية وعفة، ويُحْدَّدُ للأبناء الذكور وقتاً لا يتجاوزونه في العودة مساء للمنزل مراعاة لحرمة البيت، إنها العفة.
-
من عاداتنا: ألا تزور بنت من بناتنا بيتَ صديقةٍ لا نعرفها، وإذا زارت صديقةً نعرف أهلها بالطهر والخلق النبيل، فهي تختار للزيارة الوقت المناسب بحيث تكون النساء وحدهن في الدار، إنها العفة.
-
من عاداتنا: أننا نعلم أن لبيوت الناس حرمة، فلا نرفع أصواتنا أو أصوات ضحكاتنا إذا كنا ضيوفاً عندهم، ولا نهاتف أحداً في ساعة متأخرة ليلاً إلا مضطرين، ولا ننظر إلى شرفة أحد أو داخلِ داره إلا بإذنه، إنها العفة.
أيها الإخوة: هذه صور من عادات حسنة، ربَّانا عليها آباؤنا وأمهاتنا، وزكَّاها لنا ديننا وشرعنا، فحافظنا على الطهر والعفة بيننا. 
وإليكم الآن صوراً مناقضة تأتينا أخبارها من الغرب والشرق البعيدين عن تعاليم السماء وفضيلة العفة.
 
خمسون مليون مصابٍ بالإيدز حسب آخر تقديرات منظمة الصحة العالمية، ومعظم المصابين-كما تعلمون- ممن هتكوا العفاف من الشاذين أو الزناة أو مدمني المخدرات.
-
حسب دراسة معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية فإن (35%) من الأمريكان يتعاطون الماريجوانا (الحشيش)، و(15%) يتعاطون الكوكايين، و(24%) يتعاطون مخدرات أخرى.
ماذا بقي للمجتمع إذا دخل 74% من أبنائه في نفق المخدرات المظلم
لقد فتحو أبواب الفاحشة، وأبواب الهوى، والملذات والشهوات على مصراعيه 
-
بلغ مجموع الجرائم السَّنوية في أميركا 23.5 مليون جريمة تقريباً، يعني على التَّقريب: خمسون ألف جريمة في كلِّ يوم
بينما في ألمانيا ستة ملايين ومائتي ألف جريمة في كلِّ سنة
وفي بريطانيا خمسة ملايين جريمة ومائة وسبعون ألف في كلِّ سنة
- (50%)
من المواليد في بريطانيا غير شرعيين، ومثلها السويد 
-
ربع الأطفال في روسيا غير شرعيين، وثلث الأطفال في فرنسا. ومثلها أميركا
-
منظمة العفة الأميركية
إنَّ جمعيةً خيريةً في أمريكا تسمى (منظمة العفة)، أعلنت عن مسابقة للعفة، بقيمة عشرة آلاف دولار ينالها أيُّ خطيبين يُعدَّانِ أمرهما للزواج بشرط أن يكونا عفيفين
والجائزة لتشجيع الشباب الأمريكي على عدم إقامة علاقات غير شرعية قبل الزواج، إذ أصبح نادراً الحصول على شباب يحترم العفة.


واشترطت المنظمة على المتقدمين لنيل الجائزة عدم تقديم المشروبات الكحولية في حفل الزفاف -على اعتبار أن الخمور هي السبب الرئيسي لنشر الرذيلة بين الشباب.
ودعمت الحكومةُ المنظمةَ التي تشجع على العفة بمبلغ قيمته (3) مليون دولار لمدة خمس سنوات، لتوعية الشباب في المدارس وتشجيعهم على الزواج الأبيض
واللافت للنظر في هذه المسابقة وهذه الجائزة أنه لم يتقدم أيُ خطيبين للدخول في المسابقة ونيل الجائزة؟ هذه أرقام وصور من فَقْدِ العفة المؤدي للتردي والهلكة
أيها الإخوة 
العفة: هو الامتناع عمّا لا يحل ولا يجمل قولاً وفعلاً
والعفاف الاجتماعي: حالة مجتمعيّة يمتنع فيها الأفراد والأسر عن الانسياق وراء القبائح
ولقد اتفق العقلاء على أنّ العفة قيمة عليا، لأنها تحفظ بصمة الإنسان الأخلاقية، ويترتب على غياب العفة انفراط عِقْدِ القيم وترهّل المجتمعات، ويسهم غيابها في بروز الأخلاقيات الهابطة والمتدنّية والتي تجرّ الويلات على كثير من الناس و الأسر بل إنها تدمّر المجتمعات
ومن هنا جاءت شرائع السماء قاطبة تدعم العفة وترفعها، وتندد بمن يهتك أستارها، وحسبكم أن تقرؤوا سورة النور والنساء ويوسف وقصة بنات شعيب مع سيدنا موسى في سورة القصص
بل إن القوانين الوضعية العفيفة جرَّمت من يخدش الحياء ويرتكب الأفعال المنافية للعفة والآداب العامة، لأن هتك العفاف مؤذنٌ بخراب البلدان.
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أُصْرَعُ، فادع الله لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى لك». فقالت: يا رسول الله أصبر ولكني يا رسول الله إذا صُرِعْتُ تكشَّفْتُ، فادع الله تعالى لي أن لا أتكشَّف فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تُصْرَعُ فلا تتكشَّف. البخاري ومسلم
الله أكبر، لقد رضيت هذه المرأة بالمرض وآلامه لكنها لم ترض التكشف
إنه من غير اللائق أن ترتدي فتياتنا لباساً قبيحاً يكشف مفاتنهن، يمشين به في الطرقات مخالفات العفة والطهر والدِّين
-
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي فأضع ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمر معهما فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه. [أحمد
إنها العفة في كمالها في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين
إنه من غير اللائق أن يستورد تجارنا أو تصنع معاملنا أو تبيع متاجرنا ثياباً لا تتناسب مع هويتنا الدينية وعفتنا وطهرنا .
إن عفافنا الاجتماعي في بلادنا العربية والإسلامية- والحمد لله – دفعنا لنفاخر بالعفاف ونتسمى به، فنحن نسمي بناتنا (عفاف) و(عفة) و(نبيلة)، نسمي أبناءنا (عفيف) و(طاهر) و(نبيل) و(أشرف) بل إننا جعلنا من العفاف ألقاب عائلاتنا: عائلة شرف والشريف والطاهر.
وفي دمشق حي أسميناه (العفيف)، لأننا قوم نباهي بالعفة والطهر والشرف والنبل والامتناع عن ما لا يحل ولا يجمل.

أيها الأخ الكريم:
إن العفة تكون بالبصر أن تغضه عن المحرمات، وتكون باللسان أن تكفه عن الكلمات النابيات، وتكون بالسمع أن تترفع عن سماع الترُّهات، وتكون بالثوب أن يكون ساتراً للعورات، وتكون بالجوف ألا يدخله مالا يحل من المطعومات والمشروبات، وتكون بالنَّفْس أن تسمو عن الدنايا وسؤال المعونات


يا أيها الشباب:
إنه مما ينافي العفاف استخدام أجهزة الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن ضوابط العفة والدين.
إنه مما ينافي العفاف إقامة الصداقات والزمالات بين الشباب والفتيات بعيداً عن ضوابط العفة والدين.
إنه مما ينافي العفاف ارتداء ماشئتم من اللباس بعيداً عن ضوابط العفة والدين
إنه مما ينافي العفاف هذا الاختلاط الالكتروني بين الرجال والنساء بعيداً عن ضوابط العفة والدين.
إنه مما ينافي العفاف الجري وراء أهوائنا وشهواتنا بعيداً عن ضوابط العفة والدي
ويمكنكم النظر في ضوابط كلٍّ في سلسلة العفاف الاجتماعي التي قدمتها في رمضان المنصرم والمنشورة على موقعي، والتي طبعتها دار أفنان بدمشق
ختاماً: أيها الإخوة
كيف يمكن أن نعزز العفة عند الفرد والمجتمع؟
 
غرس مراقبة الله عز وجل وخشيته ومحبته في القلب: وليس شيء أنفع للقلب

1- ليمتلأ حباً لله وخشية؛ من الإكثار من ذكر الله
والقلب مَلِك والأعضاء جنوده، ومتى صلح الملك صلحت الجنود، وفي الحديث الصحيح: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» [رواه الشيخان.
قال سهل بن عبد الله التستري: كنت أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي. فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات. فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلته، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة 
فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده أيعصيه إياك والمعصية
2- الزواج وتيسير الزواج: 
الزواج المبكر من أقوى الوسائل المعينة على العفاف، وتيسير الزواج من أقوى الداعمين للعفة، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» البخاري ومسلم.
في آخر مسح صحي جرى في سورية كان متوسط سن الزواج للذكور (29.3) وللإناث (25.6) وهذان رقمان مرتفعان بالنسبة لسن الزواج
وهناك دعوات غربية اليوم لأجل محاربة الزواج المبكر، والصواب -دعماً للعفة- مواجهة هذه الدعوات مع تجنيب أبنائنا مخاطر الزواج المبكر بأن نخضع الشباب والفتيات لدورات تأهيلية للحياة الزوجية لتدريبهم على تحمل مسؤوليات الزواج
تقول المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية: [تكتمل أهلية الزواج للفتى بعمر الثامنة عشرة، وللفتاة بعمر السابعة عشرة]، وهذان ونحوهما عمران مناسبان للزواج الداعم للعفة المجتمعية.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، ثَلاَثٌ لاَ تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاَةُ إِذَا آنَتْ، وَالجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا» الترمذي وأحمد.
ولئن كنا نتحدث عن الزواج لغير المتزوجين، فإننا نقول للرجل المتزوج والمرأة المتزوجة إن الإشباع العاطفي بين الأزواج داعم للعفة، فمهما اعتنت الزوجة بزوجها والعكس دعمنا عفتنا ومجتمعنا وديننا وأخلاقنا.
 3-إظهار القدوات العفيفة وإخماد القدوات الهابطة
  4-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يتعلق بالعفة 
 5- تطبيق القوانين المتعلقة بخدش الحياء والآداب العامة
ففي المادة 519 من قانون العقوبات السوري مثلاً: يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة، من أقدم على صنع أو تصدير أو توريد أو اقتناء كتابات أو رسوم أو صور يدوية أو شمسية أو أفلام أو إشارات أو غير ذلك من الأشياء المخلة بالحياء بقصد الاتجار بها أو توزيعها أو أعلن أو أعلم عن طريقة الحصول عليها.
ويوجد غيرها من المواد المعاقبة لمن اعتدى على العفة أو أساء إليها كالمادة 493-499-500-506-507- 509، وغيرها
أيها الإخوة:
خلاصة الأمر: مهما عففنا رُفِعنا.
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى» رواه مسلم.
والحمد لله رب العالمين

أعلى النموذج

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=94&id=3432